التعريف بكتاب رحلة السيرافي
الكتاب: رحلة السيرافي
المؤلف: أبو زيد حسن بن يزيد السيرافي (المتوفى: بعد 330هـ)
الناشر: المجمع الثقافي، أبو ظبي
عام النشر: 1999 م
عدد الأجزاء: 1
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
سليمان السيرافي
كان تاجراً إيرانياً من أهالي ميناء السيراف المطل على الخليج الفارسي فسافر إلى الصين ودوّن ذكريات رحلته هذه في كتاب ألفه باللغة العربية وقد تلقفها عنه ورواها وهذّبها أبو زيد حسن بن يزيد السيرافي ونحن لا نعرف شيئاً عن حياته أو عن تاريخ ولادته ووفاته، سوى أنه كان يعيش في النصف الأول من القرن الرابع. قضى أبو زيد فترة الطفولة والمراهقة في مسقط رأسه سيراف، ثم هاجر عام 330 هـ إلى البصرة وأقام فيها. وهو لم يكن في الحقيقة رحالة ولا عالماً بل كان على ما يظهر من المغرمين بأمثال هذه القصص التي كان من السهل جمع روايات كثيرة منها سواء في مسقط رأسه سيراف أو في البصرة.
وكان خير مثال للتجار العرب والفرس الذين توجهوا إلى الصين، وقد محّص ما ورد عنه وتابع خطواته على ضوء الخرائط الحديثة المستشرق الفرنسي فيرن فوجدها من حيث الدقة والأمانة العلمية بمكانة سامية.
(0/0)
____
المقدمه
فيما يتعلق بالتجارة عن طريق البحر وقصص الأسفار للبحارة العرب والفرس مع بلاد الهند وارخبيل الملايو والصين، فإن أولئك التجار العرب قد ساروا على التقاليد القديمه لمنطقة جنوبي العراق وسواحل الخليج العربي منذ العصر الساساني.
ويقال انه عند ما استولى العرب على ميناء (الأبله) قرب البصرة في خلافة عمر بن الخطاب وجد بها المسلمون سفنا صينية، وقد كان الفرس حتى عصر السيادة العربية هم أكثر الناس جسارة على ركوب البحر، وكان من الواضح منذ عهد طويل ان المستعمرة العربية الفارسية بمينا كانتون بالصّين، كانت قد بلغت حدا من القوة أصبحت معها في سنة 758 م تضع يدها على المدينة وتتحكم فيها ثم تنهبها وتغادر البلاد عن طريق البحر.
وفي أواخر القرن التاسع عشر الميلادي حالف الحظ بعض المستشرقين بأن عثر على شواهد قبور تثبت زيارة بعض العرب للصين في ذلك العهد القديم وذلك في مقبرة تثبت زيارة بعض العرب للصين في ذلك العهد القديم وذلك في مقبرة تثبت وجود جماعة من أهل عمان والخليج العربي. وعزز هذا الإثبات مصدر تاريخي آخر هو كتاب لأبي سفيان محبوب العبدي المتوفي في النصف الأول من القرن التاسع الميلادي حيث جاء فيه أن أحد شيوخ الإباضية وهو أبو عبيدة عبد الله بن القاسم من أهل عمان، وكان
(1/3)
____
عالما كبيرا في عصره وتاجرا معروفا اشتغل بتجارة المر، وكان قد سافر بتجارة من الصبر والمر الى الصين، يقول المستشرق كراتشكوفسكى: ولكن تاريخ تلك الرحلة غير معروف لنا ولو انه لإعتبارات عديدة يمكن القول بأنها حدثت دون شك قبل نهب كانتون السابق الذكر عام 758 م.
أما التاجر العماني الآخر فهو النّضر بن ميمون الذي عاش بالبصرة على ما يظهر في حدود القرنين الثامن والتاسع الميلاديين، ومن هناك سافر الى الصين، ولكن لا نملك تفاصيل دقيقة عن رحلته تلك.
وعلى كل حال فإنه يمكن اعتبار أولئك التجار العمانيين بما فيهم أهل الإمارات بمثابة ممهدين لتجار آخرين كبار، أمثال صاحب رحلتنا هذه التي بين يديك، وهو التاجر سليمان ورفيقه ابن وهب اللذان تلقى رحلتهما مؤرخ جغرافي هو أبو زيد السيرافي، ونقلها عنهما ومحّص روايتهما وهي هذه التي ننشرها الآن ضمن مطبوعات المجمع الثقافي. تحمل اسم المذكور.
ونعود الى ما كنا بصدده فنرى أن الرحالة العرب قد كونوا عن بلدان الشرق الأقصى وغيرها مادة مقتضبة منذ عهود مبكرة تعود الى القرن التاسع الميلادي معتمدين في ذلك على ما يتناقله الرحالة المغامرون، وهم شخصيات في الغالب عربية بحته ساهمت في بعض الأسفار التجارية، ويذكر لنا ابن رسته في كتابه «الاعلاق النفيسة» حقائق عن الهند هامة يرويها عن شخص غير معروف عند المؤرخين، هو أبو عبد الله محمد بن اسحاق، وهو غير ابن اسحاق صاحب السيرة والمغازي المعروف، وكان هذا
(1/4)
____
الرجل قد أمضى قرابة عامين في جزيرة قمارى (أي خمير، وهو الاسم القديم لكمبوديا) وكان ذلك على أغلب الظن في أوائل القرن التاسع.
ويرى أكثر الباحثين الأوربيين من المستشرقين في الجغرافيا أن هذا الرجل يكاد يكون هو المصدر الوحيد لكل من ابن رسته وابن خرداذبة، وهو الذي ينقل عنه ياقوت فقرات معينة في بعض مواد كتابه.
هذا فيما يتعلق بالطريق البحري من قبل الرحالة العرب من التجار، أما اذا رجعنا الى رحلاتهم البرية في العهود المبكرة فسنجدها تتمثل في روايات استقاها الجغرافيون العرب من أفواه رحالة عرب آخرين مرّوا بالطريق البري الذي يخترق آسيا الوسطى الى الصين، وذلك نجده في الوصف الذي يقدمه تميم بن بحر المطوعي. وكما يظهر من لقبه فالرجل لم يكن من فئة التجار المعروفين، وأغلب الظن انه عاش حياة الجهاد والمرابطه في الثغور الإسلامية، التي تمتد مساحتها على سائر تخوم الخلافة الإسلامية، وكان المذكور قد توجه الى خاقان الترك (التغزغز) بمهمة دبلوماسية كما يظهر، ويرى بارتولد انها تعود الى الفترة ما بين 760 م- 800 م وأورد ياقوت في كتابه (معجم البلدان) أهم قطعة من هذه الرحلة عرفنا بواسطتها الاستدلال على شخصية صاحب الرحلة.
وبهذا فإن تميم بن بحر المطوعي، يكون أول جغرافي عربي يذكر لنا وصف الطريق البري الى الصين، ويمكن أن نجد أثر تميم المذكور في النصوص التي أوردها عنه جغرافيون كبار ورحالة
(1/5)
____
معروفون، أمثال أبي دلف، وقدامه، وأيضا عند الإدريسي صاحب أشهر كتاب في الجغرافيا، وهو كتاب (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق) بل وعند ابن خرداذبه، وياقوت كما أسلفنا، وتميم هو أول عربي يعطينا معلومات هامة عن التغزغز تعتمد في الأساس على معلومات شخصية مباشرة شاهدها بنفسه، فهو يصف لنا عاصمة التغزغز (قامجو) قرب (طرفان) ويذكر معلومات عن حجر المطر عند الترك الى غير ذلك.
سليمان التاجر
نرجع الى صاحب رحلتنا هذه التاجر سليمان التي تلقفها عنه ورواها وهذّبها أبو زيد السيرافي، فالمذكور هو من قدامى الرحالة الذين عرفوا برحلاتهم الغريبه ورواياتهم الطريفة عن البلدان التي زاروها، ونحن لا نعرف شيئا عن حياته، سوى ما وصل إلينا من الرواية التي ذكرها عن رحلته، وهي ترجع في الغالب الى حوالي سنة 237 هـ، وقد سافر مرارا بغرض التجارة الى الهند والصين، وقد محّص ما ورد عنه وتابع خطواته على ضوء الخرائط الحديثة المستشرق الفرنسي فيرن فوجدها من حيث الدقة والأمانة العلمية بمكانة تذكر له، يقول: وهو خير مثال للتجار العرب والفرس الذين توجهوا الى الصين. وقد أبحر من (سيراف) الى (مسقط) على الخليج العربي، ومن هناك الى (كلم) على ساحل مليبار، ثم مر بمضيق (بالك) شمالي جزيرة (سيلان) ثم عبر خليج البنغال فوصل جزيرة (لنجبالوس) (احدى جزر نيكوبار) ثم تقدم الى (كله بره) على ساحل الملايو الغربي، ومر هناك الى جزيرة (تيومن) الواقعة الى الجنوب الغربي من (ملقا) ومنها الى راس
(1/6)
____
القديس يعقوب قرب (سايجون) ومن هناك الى جزيرة (هاينان) فعبر المضيق الذي يفصلها عن أرض الصين ليصل الى مينا (خانفو) أو (كانتون) الحديثة بالصين.
وكانت الرحلة البحرية من (مسقط) الى الصين تستغرق أكثر من أربعة أشهر ولم يقتصر سليمان في وصفه على ذكر المراحل وتقدير المسافات بالأيام وأحيانا بالفراسخ، بل ترك أيضا وصفا حيّا للسواحل والجزر والمواني المختلفة والمدن وسكانها والمحاصيل والمنتجات وسلع التجارة. كما ثبت أن المعلومات التي أوردها عن (كانتون) تتميز بالتفصيل والدقة.
يقول كراتشكو في الحديث عن نسبة تلك الرحلات الى سليمان التاجر: ونظر العدم وجود معلومات عن سليمان نفسه فإن بعض كبار علماء (الصينيات) مثل (يول) و (بليو) قد تشككوا في نسبة القصص إليه. كما ظهر رأي آخر يرى أن هذه القصص لعربي زار الهند. غير أن (فيرن) لفت الأنظار الى أن ابن الفقيه ينسب القصص صراحة الى سليمان، ولهذا فإن مسألة تأليفه لها لا يحوم حولها أدنى شك.
وقد أضاف الى القصص المنسوبة الى سليمان وذلك بعد عشرين عاما من رحلة المذكور، رحالة آخر هو ابن وهب الذي يرجع نسبه الى قريش، وكان من الأعيان الأثرياء وقد غادر بلده البصرة عند ما سقطت على أيدي ثوار الزنج سنة 257 هـ، واستقر رأيه على القيام برحلة طويلة من سيراف الى الصين، وحالفه التوفيق فوصل الى عاصمة الصين، وكانت في ذلك (خمدان) ولوصفه أهمية خاصة إذ بعد ذلك عام 264 هـ يتم القضاء على
(1/7)
____
المستعمرة العربية في (كانتون) نتيجة للحروب الداخلية فانقطعت بذلك الصّلات المباشرة بين العرب والصين. وأصبح آخر ميناء تصله السفن العربية (ميناكله) وكله بره بشبه جزيرة الملايو، ولم بتجدد الاتصال بالصين إلّا في النصف الثاني من القرن الثالث عشر الميلادي.
وقصص سليمان وابن وهب قد دونها في بداية القرن العاشر الميلادي أبو زيد الحسن السيرافي من أهل البصرة، وهو الذي اعطاها الشكل المعروف لنا الأن، والسيرافي المذكور لم يكن في الحقيقة رحالة ولا عالما بل كان على ما يظهر من المغرمين بأمثال هذه القصص التي كان من السهل جمع روايات كثيرة منها سواء في مسقط رأسه (سيراف) أو في (البصرة) ، وقد التقى به المسعودي عام 303 هـ، وقد استفاد منه رواية ابن وهب الواردة في رحلتنا هذه.
ومخطوطة رحلة ابي زيد السيرافي التي وصلتنا في نسخة فريدة وحيدة هي الموجودة بمكتبة باريس الأهلية، وقد أضاف إليها النّساخ مقدمة لا علاقة لها البته بمحتويات الكتاب، وزاد المشكلة تعقيدا أن المخطوطة تحمل عنوانا غير مناسب على الإطلاق، ولا يتفق مع موضوع الكتاب، هو عنوان (سلسلة التواريخ) وقد صدرت طبعة رينو سنة 1811 م تحمل هذا العنوان.
ولأهمية رحلة التّاجر سليمان فقد استوقف هذا الأثر أنظار كبار المستشرقين في القرن الثامن عشر فظهرت له منذ عام 1718 م ترجمة فرنسية، وكانت هذه الترجمة مدعاة الى اختلاسها وإضافة أشياء من قبل بعض المغامرين ونسبتها الى
(1/8)
____
أنفسهم. ويعود الفضل في دراسة هذه الرحلة وتحقيق نصوصها الى المستشرق الفرنسي رينو، ثم جاء بعده المستشرق الفرنسي أيضا فيرن وأعاد تحقيقها وترجمها بمنهجيّة تذكر له.
وقد استفدنا نحن من كلا الطبعتين، وحاولنا ان نظهرها في هذا القالب مع إضافة بعض التعليقات اللازمة التي تتوافق مع هذه الرحلة ومن حيث الصبغة التراثية وكما سيراها القارئ، وبالله التوفيق.