باب في البحر الذي بين بلاد الهند والسند
[الكتاب الاول]
هذا كتاب فيه سلسلة التواريخ والبلاد والبحور وأنواع الأسماك وفيه علم الفلك وعجايب الدنيا وقياس البلدان والمعمور منها، والوحش وعجائب غير ذلك، وهو كتاب نفيس.
(1/11)
باب في البحر الذي بين بلاد الهند والسند
(1/13)
وغوز وماغوز «1» ، وجبل قاف، وبلاد سرنديب، وفتح أبو حبيش، وهو الرجل الذي عاش من العمر مائتين وخمسين سنة وكان في بعض السنين نزل في الماغوز فرأى أبو حبيش الحكيم السواح فأتي به الى البحر وروّاه «2» سمكة مثل الشراع «3» ، وربما رفع رأسه [عن الماء] «4» فتراه كالشيء العظيم، وربما نفخ الماء من فيه فيكون كالمنارة العظيمة، فاذا سكن البحر اجتمع السمك فحواه بذنبه، ثم يفتح فمه فيرى السمك في جوفه يغيض كأنه يغيض «5» في بئر، والمراكب التي تكون في البحر تخافه فهم يضربون بالليل بنواقيس مثل نواقيس النصارى مخافة أن تتكئ على المركب فتغرقه.
وفي هذا البحر [سمكة اصطدناها] «6» يكون طولها عشرين ذراعا فشققنا بطنها فأخرجنا منها أيضا سمكة من جنسها، ثم شققنا بطن الثانية فإذا في بطنها مثلها، وكل هذا حيّ يضطرب يشبه بعضه بعضا في الصورة.
(1/15)
____
ولهذا السمك الكبير الذي يدعي الوال «1» مع عظم خلقه سمكة تدعى اللشك «2» طولها قدر ذراع فاذا طغت هذه السمكة وبغت وآذت السمك في البحر، سلّطت عليها هذه السمكة الصغيرة، فصارت في أصل أذنها «3» ولا تفارقها حتى تقتلها.
وتلتزق «4» بالمركب فلا تقرب المركب هذه السمكة الكبيرة فرقا من الصغيرة.
وفي هذا البحر أيضا سمكة يحكى وجهها وجه الانسان تطير فوق الماء، واسم هذا السمك الميج «5» وسمك آخر من تحت الماء
(1/16)
____
يرصده حتى إذا سقط ابتلعه ويسمى هذا السمك العنقتوس «1» والسمك كله يأكل بعضه بعضا.
[بحر هركند]
والبحر الثالث بحر هركند «2» وبينه وبين بحر دلاروى «3» جزائر كثيرة يقال أنها ألف وتسعمائة جزيرة، وهى فرق ما بين هذين البحرين دلاروى وهركند.
وهذه الجزائر تملكها امرأة ويقع في هذه الجزائر عنبر عظيم القدر، فتقع القطعة مثل البيت «4» ونحوه، وهذا العنبر ينبت في قعر البحر نباتا، فإذا اشتد هيجان البحر قذفه من قعره مثل الفطر والكمأة.
وهذه الجزائر التي تملكها المرأة، عامرة بنخل النارجيل «5» وبعد
(1/17)
____
ما بين الجزيرة والجزيرة فرسخان «1» وثلاثة وأربعة، وكلها عامرة بالناس والنارجيل، وما لهم الودع «2» وهذه الملكة تذخّر الودع في خزائنها، ويقال أن أهل هذه الجزيرة «3» لا يكون أصنع منهم، حتى انهم يعملون القميص مفروغا منه نسجا بالكمين والدخريصين «4» والجيب، ويبنون السفن والبيوت، ويعملون سائر الأعمال على هذا النسق من الصنعة، والودع يأتيهم على وجه الماء، وفيه روح فتوخذ سعفه من سعف النارجيل فتطرح على وجه الماء فيتعلق فيها الودع وهم يدعونه الكبتح «5» .
(1/18)
____
وآخر هذه الجزائر سرنديب»
في بحر هركند، وهى رأس هذه الجزائر كلها، وهم يدعونها الدبيجات «2» وبسرنديب «3» منها مغاص اللؤلؤ بحرها كله حولها.
وفي أرضها جبل يدعى الرهون «4» وعليه هبط آدم عليه السلام، وقدمه في صفا «5» رأس هذا الجبل منغمسة في الحجر: في رأس هذا الجبل قدم واحدة.
ويقال انه عليه السلام خطا خطوة أخرى في البحر، ويقال: إن هذه القدم التى على رأس الجبل نحو من سبعين ذراعا وحول هذا الجبل معدن جوهر الياقوت الأحمر والأصفر والاسمانجوني «6» .
وفي هذه الجزيرة ملكان، وهى جزيرة عظيمة عريضة فيها العود، والذهب، والجوهر، وفي بحرها اللؤلؤ، والشنك وهو هنا
(1/19)
____
(البوق) الذي ينفخ فيه ممّا يدخرونه.
وفي هذا البحر اذا ركب الى سرنديب جزائر ليست بالكثيرة، غير انها واسعة لا تضبط، منها: جزيرة يقال لها الرامني «1» فيها عدة ملوك، وسعتها يقال ثمانمائة أو تسعمائة فرسخا، وفيها معادن الذهب، وفيها معادن تدعى فنصور «2» يكون الكافور الجيّد منها.
ولهذه الجزائر جزائر تليها منها:
جزيرة يقال لها النيان «3» لهم ذهب كثير واكلهم النارجيل، وبه يتأدمون ويدهنون، واذا أراد أحد منهم أن يتزوج لم يزوج إلّا بقحف رأس رجل من أعدائهم، فإذا قتل اثنين زوج اثنتين، وكذلك ان قتل خمسين زوج خمسين امراة بخمسين قحفا، وسبب ذلك أن أعدائهم كثير، فمن أقدم على القتل أكثر كان رغبتهم فيه أوفر.
وفي هذه الجزائر أعنى الرامنى فيلة كثيرة، وفيها البقم «4»
(1/20)
____
والخيزران «1» .
وفيها: قوم يأكلون الناس، وهى تشرع على بحرين هركند وشلاهط «2» .
وبعد هذا جزائر تدعى لنجبالوس «3» ، وفيها خلق كثير عراة الرجال منهم والنساء، غير أن على عورة المرأة ورقا من ورق الشجر، فاذا مرّت بهم المراكب جاءوا إليها بالقوارب الصّغار والكبار وبايعوا أهلها العنبر والنارجيل بالحديد وما يحتاجون إليه من كسوة لأنه لا حرّ عندهم ولا برد.
ومن وراء هؤلاء جزيرتان بينهما بحر يقال لهما «4» اندامان «5» وأهلهما يأكلون الناس أحياء، وهم سود مفلفلوا الشعور مناكير الوجوه والأعين، طوال الأرجل، فرج «6» أحدهم مثل الذراع [يعني
(1/21)
____
ذكره] عراة ليست لهم قوارب، ولو كانت لهم لأكلوا كل من مرّ بهم، وربما أبطأت المراكب في البحر وتأخر بهم المسير بسبب الريح فينفذ ما في المراكب من الماء فيقربون إلى هؤلاء فيستقون الماء، وربما أصابوا منهم ويفلتون أكثر.
وبعد هذه الجزيرة جبال ليست على الطريق، يقال: ان فيها معادن فضة وليست بمسكونة، وليس كل مركب يريدها يصيبها، وإنما دلّ عليها جبل منها يقال له الخشناميّ «1» ، مرّ به مركب فرأوا الجبل فقصدوا له فلما اصبحوا انحدروا إليه في قارب ليحتطبوا وأوقدوا نارا فانسبكت الفضة فعلموا انه معدن فاحتملوا ما أرادوا منه، فلما ركبوا اشتدّ عليهم البحر فرموا بجميع ما أخذوا منه، ثم تجهّز الناس بعد ذلك الى هذا الجبل فلم يعرفوه.
ومثل هذا في البحر كثير لا يحصى من جزائر ممنوعة لا يعرفها البحريون، فمنها ما لا يقدرون عليه.
وربما رؤي في هذا البحر سحاب أبيض يظل المراكب فيشرع منه لسان طويل رقيق حتى يلصق ذلك اللسان بماء البحر، فيغلى له ماء البحر مثل الزوبعة فإذا أدركت الزوبعة المركب ابتلعته، ثم يرتفع ذلك السحاب فيمطر مطرا فيه قذى البحر، فلا أدري أيستقى السحاب من البحر أم كيف هذا.
وكلّ بحر من هذه البحار تهيج فيه ريح تثيره وتهيجه حتى يغلى كغليان القدور، فيقذف ما فيه الى الجزائر التي فيه ويكسر
(1/22)
____
المراكب، ويقذف السمك الميّت الكبار العظام، وربما قذف الصّخور والجبال كما يقذف القوس السهم.
وأما بحر هركند فله ريح غير هذه ما بين المغرب الى بنات نعش فيغلي لها البحر كغليان القدور ويقذف العنبر الكثير، وكلما كان البحر أغزر وأبعد قعرا كان العنبر أجود، وهذا البحر- أعني هركند- اذا عظمت أمواجه تراه مثل النّار يتّقد.
وفي هذا البحر سمك يدعى اللخم «1» وهو سبع يبتلع الناس «2» في [أيديهم كل هذه] «3» فيقل المتاع، ومن أسباب قلة المتاع حريق ربّما وقع ب (خانفوا) «4» وهو مرفأ السفن، ومجتمع تجارات
(1/23)
____
العرب، وأهل الصين، فيأتي الحريق على المتاع، وذلك أنّ بيوتهم هناك من خشب ومن قنا «1» مشقق، ومن أسباب ذلك أن تنكسر المراكب الصّادرة والواردة أو ينهبوا أو يضطرّوا إلى المقام الطويل فيبيعوا المتاع في غير بلاد العرب، وربما رمت بهم الرّيح إلى اليمن أو غيرها فيبيعون المتاع هناك، وربما أطالوا الإقامة لاصلاح مراكبهم وغير ذلك من العلل.
وذكر سليمان التاجر أن في (خانفو) وهو مجتمع التجار رجلا مسلما يولّيه صاحب الصّين الحكم بين المسلمين الذين يقصدون الى تلك الناحية، يتوخى ملك الصين ذلك، واذا كان في العيد صلّى بالمسلمين وخطب ودعا لسلطان المسلمين، وان التجار العراقيين لا ينكرون من ولايته شيئا في أحكامه وعلمه بالحق وبما في كتاب الله عزّ وجل وأحكام الاسلام.
فأما المواضع التي يردونها ويرقون اليها فذكروا أن أكثر السّفن الصينية تحمل من سيراف «2» وأن المتاع يحمل من البصرة وعمان وغيرها الى سيراف فيعبّا في السفن الصينيّة بسيراف وذلك لكثرة الأمواج في هذا البحر، وقلة الماء في مواضع منه.
والمسافة بين البصرة وسيراف في الماء مائة وعشرون فرسخا فاذا عبّى المتاع بسيراف استعذبوا منها الماء، وخطفوا- وهذه لفظة
(1/24)
____
يستعملها أهل البحر يعني يقلعون- الى موضع يقال له مسقط «1» وهو آخر عمل عمان، والمسافة من سيراف إليه نحو مائتي فرسخ.
وفي شرقي هذا البحر فيما بين سيراف ومسقط من البلاد سيف بني الصفاق «2» وجزيرة ابن كاوان «3» ، وفي غربي هذا البحر جبال عمان وفيها الموضع الذي يسمى الدردور «4» وهو مضيق بين جبلين «5» تسلكه السفن الصغار ولا تسلكه السفن الصينية، وفيها الجبلان اللذان يقال لهما كسير وعوير «6» وليس يظهر منهما فوق الماء الا اليسير، فاذا جاوزنا «7» الجبال صرنا إلى موضع يقال له
(1/25)
____
صحار «1» عمان فيستعذب الماء من مسقط من بئر بها، وهناك [جبل] «2» فيه غنم من بلاد عمان، فتخطف المراكب منها إلى بلاد الهند وتقصد الى كولم ملى «3» ، والمسافة من مسقط الى كولم ملي شهر على اعتدال الريح، وفي كولم ملي مسلحة «4» لبلاد كولم ملي تجيء السفن الصينية، وبها ماء عذب من آبار فيؤخذ من [السفن] الصينية ألف درهم، ومن غيرها من السفن ما بين عشرة دنانير الى [عشرين] «5» دينارا.
وبين مسقط وبين كولم ملي وبين هركند نحو من شهر، وبكولم ملي يستعذبون الماء، ثم تخطف المراكب- اي تقلع- الى بحر هركند، فاذا جاوزوه صاروا الى موضع يقال له لنجبالوس «6» لا يفهمون لغة العرب ولا ما يعرفه التجار من اللغات، وهم قوم لا
(1/26)
____
يلبسون الثياب، بيضا كواسج «1» ، وذكروا أنهم لم يروا منهم النساء «2» ، وذلك أن رجالهم يخرجون اليهم من الجزيرة في زواريق منقورة من خشبة واحدة، ومعهم النارجيل، وقصب السكر والموز، وشراب النارجيل: وهو شراب أبيض، فاذا شرب ساعة يؤخذ من النارجيل، فهو حلو مثل العسل، فاذا ترك ساعة صار شرابا «3» وإن بقى أياما صار خلا، فيبيعون ذلك بالحديد، وربما وقع اليهم العنبر اليسير فيبيعونه بقطع الحديد، وانما يتبايعون بالإشارة يدا بيد إذ كانوا لا يفهمون اللغة، وهم حذّاق بالسّباحة فربما استلبوا من التجار الحديد ولا يعطونهم شيئا.
ثم تخطف المراكب إلى موضع يقال له كلاة بار «4» المملكة والساحل كل يقال له كلاه بار وهى مملكة الزّابج «5» متيامنه عن
(1/27)
____
بلاد الهند يجمعهم ملك، ولباسهم الفوط «1» يلبس السرىّ «2» والدني منهم الفوطة الواحدة، ويستعذبون هناك الماء من آبار عذبة، وهم يؤثرون ماء الآبار على مياه العيون والمطر.
ومسافة ما بين كولم وهي قريبة من هركند الى كله بار شهر، ثم تسير المراكب الى موضع يقال له بتومة «3» وبها ماء عذب لمن أراده، والمسافة إليها عشرة أيام.
ثم تخطف المراكب الى موضع يقال له كدرنج «4» عشرة أيام، وفيها ماء عذب، لمن أراده، وكذلك جزائر الهند اذا احتفرت فيها الآبار وجد فيها الماء العذب، وبها جبل مشرف وربما كان فيه الهراب «5» من العبيد واللصوص.
(1/28)
____
ثم تسير «1» المراكب إلى موضع يقال له صنف «2» مسيرة عشرة أيام، وبها ماء عذب، ومنه يؤتي بالعود الصنفي، وبها ملك، وهم قوم سمر يلبس كل واحد منهم فوطتين، فإذا استعذبوا منها خطفوا الى موضع يقال له صندر فولات «3» وهي جزيرة في البحر، والمسافة اليها عشرة أيام، وفيها ماء عذب، ثم تخطف المراكب الى بحر يقال له صنجى «4» ثم إلى أبواب «5» الصين، وهى جبال في البحر بين كل جبلين فرجة تمرّ فيها المراكب [ثم إلى الصين] .
فإذا سلّم الله من صندر فولات «6» خطف المراكب الى الصين في شهر إلّا ان الجبال التي تمرّ بها المراكب مسيرة سبعة أيام.
(1/29)
____
فإذا جاوزت السفينة الأبواب ودخلت الخور «1» صارت إلى ماء عذب إلى الموضع التي ترسى إليه من بلاد الصين، وهو يسمى خانفو: مدينة، وسائر الصين فيها الماء العذب من أنهار عذبة وأودية ومسالح واسواق في كل ناحية.
وفيها مد وجزر مرتين في اليوم والليلة، الّا انّ المدّ يكون فيما يلي البصرة إلى جزيرة بنى كاوان «2» اذا توسط القمر السماء [واذا قابل وسط السماء] «3» ، ويكون الجزر عند طلوع القمر وعند مغيبه، والمدّ يكون بناحية الصين إلى قريب من جزيرة بني كاوان «4» اذا طلع القمر، فاذا توسّط السماء جزر الماء، فاذا غاب كان المدّ، فاذا كان في مقابلة وسط السماء جزر.
[جزيرة ملجان]
وذكروا: أن في جزيرة يقال له ملجان «5» فيما بين سرنديب وكله وذلك من بلاد الهند في شرقي البحر قوم من السودان عراة
(1/30)
____
اذا وجدوا الانسان من غير بلادهم علقوه منكسا وقطّعوه وأكلوه نيّا، وعدد هؤلاء كثير، وهم في جزيرة واحدة، وليس لهم ملك، وغذاؤهم السمك والموز والنارجيل «1» وقصب السكر، ولهم [مواضع يأوون إليها] «2» شبيه بالغياض والآجام.
[جراد الماء]
وذكروا ان في ناحية البحر سمكا صغيرا طيارا يطير على وجه الماء يسمى جراد الماء
وذكروا ان بناحية البحر سمكا يخرج حتى يصعد على النارجيل فيشرب ما في النارجيل من الماء ثم يعود إلى البحر «3» .
[حيوان الكحل]
وذكروا: أن في البحر حيوانا يشبه السرطان فاذا خرج من البحر صار حجرا، قال: يتخذ منه كحل لبعض علل العين.
[جبل النار]
وذكروا ان بقرب الزايج «4» جبلا يسمى جبل النار لا يقدر على الدنوّ منه، يظهر منه بالنهار دخان، وبالليل لهب نار، ويخرج من أسفله عين باردة عذبة، وعين حارة عذبة «5» .
ولباس «6» أهل الصين الصغار والكبار الحرير، وفي الشتاء
(1/31)
____
والصيف، فأما الملوك فالجيّد من الحرير، ومن دونهم فعلى قدرهم، واذا كان الشتاء لبس «1» الرجل السراويلين «2» ، والثلاثة، والأربعة، والخمسة، وأكثر من ذلك على قدر ما يمكنهم، وانما قصدهم أن يدفوا أسافلهم لكثرة الندى وخوفهم منه، فأمّا الصيف فيلبسون القميص الواحد من الحرير ونحو ذلك ولا يلبسون العمائم وطعامهم الأرز، وربما طبخوا معه الكوشان «3» فصبّوه على الأرز فأكلوه، فأما الملوك منهم فيأكلون خبز الحنطة، واللحم من سائر الحيوان ومن الخنازير وغيرها.
ولهم من الفاكهة التفاح، والخوخ، والأترج، والرمان، والسفرجل، والكمثرى، والموز، وقصب السكر، والبطيخ، والتين، والعنب، والقثاء، والخيار، والنبق، والجوز، واللوز، والجلوز «4» ، والفستق، والاجاص، والمشمش، والغبيراء «5» ، والنارجيل، وليس لهم فيها كثير نخل إلّا النخلة في دار أحدهم.
وشرابهم النبيذ المعمول من الأرز، وليس في بلادهم خمر، ولا تحمل اليهم ولا يعرفونها ولا يشربونها ويعمل من الأرز الخلّ
(1/32)
____
والنبيذ والناطف «1» وما أشبه ذلك، وليس لهم نظافة ولا يستنجون بالماء اذا أحدثوا بل يمسحون ذلك بالقراطيس الصينية ويأكلون الميتة وما أشبهها مما يصنعه المجوس فان دينهم يشبه دين المجوس، ونساءهم يكشفن رؤوسهن ويجعلن فيها الأمشاط فربما كان في رأس المرأة «2» عشرون مشطا من العاج وغير ذلك، والرجال يغطون رؤوسهم بشيء يشبه القلانس، وسنتهم في اللصوص أن يقتل اللصّ اذا أصيب «3» .
أخبار بلاد الهند والصّين أيضا وملوكها
أهل الهند والصّين مجمعون على أن ملوك الدنيا المعدودين أربعة.
فأول من يعدون من الأربعة: ملك العرب، وهو عندهم اجماع لا اختلاف بينهم فيه انه ملك أعظم الملوك وأكثرهم مالا وأبهاهم جمالا وانه ملك الدين الكبير الذي ليس فوقه شيء.
ثم يعدّ ملك الصين نفسه بعد [الملك بلهرا] ملك العرب.
ثم ملك الروم ثم بلهرا «4» ملك المخرّمى الآذان
(1/33)
____
فأما بلهرا هذا فانه أشرف الهند، وهم له مقرّون بالشرف
وكل ملك من ملوك الهند متفرد بملكه غير أنهم مقرون لهذا، فاذا وردت رسله على سائر الملوك صلّوا لرسله تعظيما له، وهو ملك يعطي العطاء كما تفعل العرب، وله الخيل والفيلة الكثيرة والمال الكثير، وماله دراهم تدعى الطاطريّة «1» ، وزن كل درهم درهم ونصف بسكة الملك، وتاريخة في سنة من مملكة «2» من كان قبله، ليس كسنة العرب من عصر النبي عليه السلام بل تاريخهم بالملوك، وملوكهم يعمّرون ربما ملك احدهم خمسين سنة، ويزعم أهل مملكة بلهرا: انما يطول مدة ملكهم وأعمارهم في الملك لمحبّتهم للعرب، وليس في الملوك أشد حبّا للعرب منه، وكذلك أهل مملكته.
وبلهرا اسم لكل ملك منهم ككسرى ونحوه، وليس باسم لازم وملك بلهرا وأرضه أولها ساحل البحر وهي بلاد تدعى الكمكم «3» متصلة على الأرض الى الصين وحوله ملوك كثيرة يقاتلونه، غير انه يظهر عليهم.
[ملك الجرز]
فمنهم ملك يدعى ملك الجرز «4» وهو كثير الجيش ليس لأحد من الهند مثل خيله، وهو عدّو العرب غير انه مقرّ أن ملك العرب أعظم
(1/34)
____
الملوك وليس أحد من الهند أعدى للإسلام منه، وهو على لسان من الأرض وأموالهم كثيرة وإبلهم ومواشيهم كثيرة، ويتبايعون بالفضة التبر، ويقال ان لهم معادن وليس في بلاد الهند آمن من السرقة «1» منها.
[ملك الطافق]
والى جانبه ملك الطافق وهو قليل المملكة ونساؤهم بيض أجمل نساء الهند، وهو ملك موادع لمن حوله لقلّة جيشه، وهو يحب العرب كحب بلهرا.
[الملك رهمي]
ويلي هؤلاء ملك يقال له درهرم «2» يقاتله ملك الجرز، وليس له شرف في الملك وهو أيضا يقاتل بلهرا كما يقاتل ملك الجرز، ورهمى هذا أكثر جيشا من ملك بلهرا ومن ملك الجرز ومن الطاقي «3» ، ويقال: انه اذا خرج الى القتال يخرج في نحو من خمسين ألف فيل «4» ، ولا يخرج الّا في الشتاء لأن الفيلة لا تصبر على العطش، فليس يسعه الّا الخروج في الشتاء، ويقال: ان قصارى عسكره نحو من عشرة ألف إلى خمس عشر الفا.
وفي بلاده الثياب التي ليس لأحد مثلها، يدخل الثوب منها في حلقه خاتم دقة وحسنا، وهو من قطن، وقد رأينا بعضها، والذي ينفق في بلاده الودع وهو عين البلاد يعني مالها.
(1/35)
____
وفي بلاده الذهب والفضة والعود والثياب الصمر «1» الذي يتخذ منه المذاب «2»
[حيوان الكركدن]
وفى بلاده البشان المعلم وهو الكركدن له في مقدم جبهته قرن واحد، وفى قرنه علامة «3» ، صورة خلقه كصورة الانسان في حكايته، القرن كلّه اسود والصورة بيضاء في وسطه، وهذا الكركدن دون الفيل في الخلقه الى السّواد ما هو، ويشبه الجاموس، قوى ليس كقوّته شى من الحيوان، وليس له مفصل في ركبته ولا في يده، وهو من لدن رجله الى ابطه قطعة واحدة، والفيل يهرب منه، وهو يجتر كما تجتر البقر والابل، ولحمه حلال قد أكلناه، وهو في هذه المملكة كثير في غياضهم وهو في سائر بلاد الهند، غير أن قرون هذا أجود، فربما كان في القرن صورة رجل [وصورة طاؤوس] وصورة سمكة وسائر الصور، وأهل الصين يتخذون منها المناطق وتبلغ المنطقة «4» ببلاد الصين ألفى دينار وثلاثة ألف وأكثر على قدر حسن الصورة، وهذا كله يشترى من بلاد دهرم بالودع وهو عين البلاد.
(1/36)
____
[ملك الكاشبين]
وبعده ملك داخل ليس له بحر يقال له ملك الكاشبين «1» وهم قوم بيض مخرّموا الآذان، ولهم جمال، وهم أصحاب بدو وجبال.
[ملك القيرنج]
وبعده بحر عليه ملك يقال له القيرنج «2» وهو ملك فقير فخور، يقع اليه العنبر الكثير، وله أنياب فيلة وعنده فلفل يوكل رطبا لقلّته.
[ملوك آخرون]
وبعد هذا ملوك كثيرة لا يعلم عددهم إلّا الله تبارك وتعالى، منهم الموجه «3» وهم قوم بيض يشبهون الصين في اللباس، ولهم مسك كثير، وفي بلادهم جبال بيض ليس شيء أطول منها، وهم يقاتلون ملوكا كثيرة حولهم، والمسك الذي يكون في بلادهم جيد بالغ.
[ملوك المابد]
ومن ورائهم ملوك المابد مدائنهم كثيرة، وهم إلى حيث الموجه وأكثر من الموجة غير ان المابد «4» أشبه بالصّين منهم، ولهم خدم خصيان مثل الصين عمّال عليهم، وبلادهم تتّصل ببلاد الصين وهم مصالحون لصاحب الصين، غير أنّهم لا يسمعون له.
وللمابد في كل سنة رسل الى ملك الصين وهدايا، وكذلك ملك
(1/37)
____
الصين يهدي إليه وبلادهم واسعة وإذا دخلت رسل المابد بلاد الصين حفظوا مخافة أن يغلبوا على بلادهم لكثرتهم، وليس بينهم وبين بلاد الصين إلّا جبال وعقاب.
ويقال أن لملك الصين من أمهات المدائن أكثر من مائتي مدينة، ولكل مدينة ملك وخصى «1» وتحت كل مدينة مدائن
فمن مدائنهم خانفو وهى مرسى السفن تحتها عشرون مدينة، وانّما تسمى مدينة اذا كان لها الجادم.
[الجادم]
والجادم «2» مثل البوق ينفخ فيه وهو طويل وغلظة ما يجمع الكفين جميعا، وهو مطلي بدواء الصينيات «3» وطوله ثلاث أو أربع أذرع، ورأسه دقيق بقدر ما يلتقمه الرجل، ويذهب صوته نحوا من ميل، ولكل مدينة أربعة، فعلى كل باب منها من الجادم خمسة تنفخ في أوقات من الليل والنهار، وعلى كل [باب] «4» مدينة عشرة طبول تضرب معه، وانما يفعل ذلك لتعلم طاعتهم للملك، وبه يعرفون أوقات الليل والنهار، ولهم علامات ووزن للساعات.
[معاملات أهل الصين]
ومعاملاتهم بالفلوس، وخزائنهم كخزائن الملوك، وليس لأحد من الملوك فلوس سواهم، وهى عين البلاد، ولهم الذهب والفضة
(1/38)
____
واللؤلؤ والديباج والحرير، كل ذلك كثير عندهم، غير أن ذلك متاع، والفلوس عين، وتحمل اليهم العاج واللبان وسبائك النحاس، والذبل «1» من البحر وهي جلود ظهور السلاحف، وهذا البشان الذي وصفنا «2» ، هو الكركدن يتخذون من قرونه مناطق، ودوابهم كثيرة، وليس لهم خيل عربية بل غيرها، ولهم حمير وإبل كثيرة لها سنامان، ولهم الغضار الجيد، ويعمل منه أقداح في رقة القوارير يرى ضوء الماء فيه، وهو من غضار «3» .
[معاملة أهل الصين للتجار]
وإذا دخل البحريون من البحر قبض الصّينيون متاعهم، وصيّروه في البيوت وضمنوا الدرك إلى ستة أشهر إلى أن يدخل آخر البحريين، ثم يؤخذ من كل عشرة ثلاثة ويسلم الباقي إلى التجار، وما احتاج إليه السلطان أخذه بأغلى الثمن وعجّله، ولم يظلم فيه، ومما يأخذون الكافور المنا «4» ، بخمسين فكوّجا والفكوج ألف فلس، وهذا الكافور إذا لم يأخذه السلطان يساوي نصف الثمن خارجا.
[عادة أهل الصين في الموت]
وإذا مات الرجل من أهل الصين لم يدفن إلّا في اليوم الذي مات
(1/39)
____
في مثله من قابل، يجعلونه في تابوت، ويخلّونه في منازلهم ويجعلون عليه النّورة «1» ، فتمصّ ماءه ويبقى، والملوك يجعلون في الصبر والكافور، ويبكون على موتاهم ثلاث سنين، ومن لم يبك ضرب بالخشب، كذلك النساء والرّجال، ويقولون: انه لم يحزنك ميّتك، ويدفنون في ضريح كضريح العرب، ولا يقطعون عنه الطّعام، ويزعمون انه يأكل ويشرب، وذلك انّهم يضعون عنده الطعام بالليل فيصبحون ولا يجدون منه شيئا، فيقولون قد أكل، ولا يزالون في البكاء والاطعام ما بقى الميت في منزلهم، فيفتقرون على موتاهم، فلا يبقى لهم نقد ولا ضيعة إلا أنفقوه عليه، وقد كانوا قبل هذا يدفنون الملك وما ملك من آلة بيته من ثياب ومناطق، ومناطقهم تبلغ مالا كثيرا، وقد تركوا ذلك الآن، وذلك انه نبش بعض موتاهم وأخذ ما كان معه.
[عناية أهل الصين بتعلم الخط والكتابة]
والفقير والغني من أهل الصين والصغير والكبير يتعلّم الخط والكتابة.
[أسماء ملوكهم وعادتهم في الملك]
واسم ملوكهم على قدر الجاه وكبر المدائن، فما كان من مدينة صغيرة يسمّى ملكها طوسنج «2» ، ومعنى طوسنج أقام المدينة، وما
(1/40)
____
كان من مدينة مثل خانفو قاسم ملكها ديفو، والخصىّ يدعى الطوقام وخصيانهم منهم مسلولون، وقاضي القضاة يقال له لقشى مامكون «1» ونحو هذا من الأسماء مما لا نضبطه.
وليس يملك أحد منهم لأقلّ من أربعين سنة، يقولون: قد حنّكته التجارب.
والملوك الصغار إذا قعد أحدهم يقعد في مدينته على كرسيّ في بهو عظيم، وبين يديه كرسيّ وترفع إليه الكتب التي فيها أحكام الناس، ومن وراء الملك رجل قائم يدعى لينجون «2» اذا زلّ الملك في شى ممّا يأمر به وأخطأ ردّه، وليس يعبئون بالكلام ممّن يرفع اليهم دون أن يكتبه في كتاب، وقبل أن يدخل صاحب القصّة على الملك ينظر في كتابه رجل قائم بباب الدار ينظر في كتب الناس، فإن كان فيها خطأ ردّه، فليس يكتب إلى الملك الّا كاتب يعرف الحكم ويكتب الكاتب في الكتاب: كتبه فلان بن فلان، فان كان فيه خطأ رجع إلى الكاتب اللّوم فيضرب بالخشب، وليس يقعد الملك للحكم حتى يأكل ويشرب لئلا يغلط، وأرزاق كل ملك من بيت مال مدينته.
فأمّا الملك الأكبر فلا يرى إلّا في كل عشرة أشهر، يقول إذا رآني النّاس استخفوا بيّ، والرّئاسات لا تقوم الّا بالتجبّر، وذلك أن العامة لا تعرف العدل فينبغي أن يستعمل معهم التجبّر لنعظم عندها.
(1/41)
____
وليس على أرضهم خراج ولكن عليهم جزية على الجماجم الذكور حسبما يرون من الأحوال، وان كان بها أحد من العرب أو غيرهم أخذ منه جزية ماله ليحرز ماله.
وإذا غلا السعر «1» أخرج السلطان من خزائنه الطعام فباعه بأرخص من سعر السوق، فلا يبقى عندهم غلا، والذي يدخل بيت المال إنما هو من الجزية التي على رؤوسهم، وأظن أن الذي يدخل بيت مال خانفو في كل يوم خمسون ألف دينار على أنّها ليست بأعظم مدائنهم.
ويختصّ الملك من المعادن بالملح، وحشيش، يشربونه بالماء الحارّ، ويباع منه في كل مدينة بمال عظيم، ويقال له الساخ «2» وهو أكثر ورقا من الرطبة «3» وأطيب قليلا وفيه مرارة فيغلى الماء ويذرّ عليه، فهو ينفعهم من كل شيء.
وجميع ما يدخل بيت المال الجزية والملح وهذا الحشيش.
وفي كل مدينة شى يدعى الدّرا وهو جرس على رأس ملك تلك المدينة مربوط بخيط ماد على ظهر الطريق للعامة كافة، وبين الملك وبينه نحو من فرسخ، فاذا حرّك الخيط الممدود أدنى حركة تحرّك
(1/42)
____
الجرس، فمن كانت له ظلامة حرّك هذا الخيط فيتحرك الجرس منه على رأس الملك فيؤذن له بالدخول حتى ينهي حاله بنفسه ويشرح ظلامته، وجميع البلاد فيها مثل ذلك.
ومن أراد سفرا من بعضها الى بعض أخذ كتابين من الملك ومن الخصّى «1» ، أما كتاب الملك فللطريق باسم الرجل واسم من معه وكم عمره وعمر من معه، ومن أي قبيلة هو، وجميع من ببلاد الصين من أهلها ومن العرب وغيرهم لابد لهم أن ينتموا الى شيء يعرفون به، وأما كتاب الخصّى فبالمال وما معه من المتاع، وذلك لأنّ في طريقهم مسالح «2» ينظرون في الكتابين، فإذا ورد عليهم الوارد كتبوا: ورد علينا فلان بن فلان الفلاني في يوم كذا، وشهر كذا وسنة كذا ومعه كذا، لئلا يذهب من مال الرجل ولا من متاعه شئ ضياعا، فمتى ما ذهب منه شئ أو مات، علم كيف ذهب، وردّ عليه أو على ورثته من بعده.
[إنصاف أهل الصين في المعاملات]
وأهل الصين ينصفون في المعاملات والديوان، فإذا كان لرجل على رجل دين كتب عليه كتابا، وكتب الذي عليه الدّين أيضا كتابا، وعلّمه بعلامة بين أصبعيه الوسطى والسبابة، ثم جمع الكتابان فطويا جميعا، ثم كتب على فصلهما، ثم فرق فأعطى الذي عليه الدين كتابه باقراره، فمتى جحد احدهما غريمه، قيل له: أحضر كتابك، فإن زعم الذي عليه الدّين انه لا شيء له ودفع كتابه بخطه
(1/43)
____
وعلامته وذهب كتاب صاحب الحق، قيل للجاحد الذي عليه الحق:
أحضر كتابا بأنّ هذا الحق ليس عليك، فمتى ما بيّن عليك صاحب الحق الذي جحدته فعليك عشرون خشبة على الظهر، وعشرون ألف فكّوج فلوسا، والفكوج ألف فلس يكون ذلك قريبا من ألفى دينار، والعشرون الخشبه فيها موته، فليس يكاد أحد ببلاد الصين يعطى هذا من نفسه مخافة تلف النفس والمال، ولم نر أحدا أجاب إلى ذلك.
وهم يتناصفون بينهم وليس يذهب لأحد حق ولا يتعاملون بشاهد ولا يمين.
وإذا أفلس رجل بمال قوم فحبسه الغرماء بأموالهم عند السلطان، أخذ إقراره، فإن لبث في السجن شهرا أخرجه السلطان فنادى عليه: انّ هذا فلان بن فلان أفلس بمال فلان بن فلان فإن يكن له عند أحد وديعة أو كان له عقار أو رقيق أو ما يحيط بدينه أخرج في كل شهر فضرب خشبات على استه، لأنه أقام في الحبس يأكل ويشرب وله مال، فهو يضرب أقرّ له أحد بمال أو لم يقرّ له فهو يضرب على كل حال، يقال: ليس لك عمل الّا اخذ حقوق الناس والذهاب بها، ويقال له: احتل حقوق هؤلاء القوم فإن لم يكن له حيلة وصحّ عند السلطان أنه لا شيء له دعى الغرماء فأعطوا من بيت مال البغبون «1» وهو الملك الأعظم وانما سمى البغبون ومعناه ابن السماء، ونحن نسميه المغبون، ثم ينادى: من بايع هذا فعليه القتل، فليس يكاد يذهب لأحد مال، وأن علم أنّ له
(1/44)
____
عند أحد مالا ولم يقرّ المودع بالمال قتل بالخشب، ولم يقل لصاحب المال شيء فيؤخذ المال ويقسم على الغرماء ولا يبايع بعد ذلك.
[الحجر الذي فيه ذكر الأدوية]
ولهم حجر منصوب طوله عشرة أذرع مكتوب فيه نقرا في الحجر ذكر الأدوية والادواء، داء كذا دواؤه كذا، فان كان الرجل فقيرا أعطى ثمن الدواء من بيت المال.
وليس عليهم خراج في ضياعهم وإنما يؤخذ من الرءوس على قدر أموالهم وضياعهم، وإذا ولد لأحد ذكر كتب اسمه عند السلطان فإذا بلغ ثماني عشرة سنة أخذت منه الجزية، فإذا بلغ ثمانين سنة لم يؤخذ منه جزية وأجرى عليه من بيت المال، ويقولون: أخذنا منه شابا ونجرى «1» عليه شيخا.
وفي كل مدينة كتّاب ومعلّم يعلم الفقراء، وأولادهم من بيت المال يأكلون، ونساؤهم مكشفات الشعور والرجال يغطون رؤوسهم.
وبها قرية يقال لها تايوا في الجبل فهم قصر، وكلّ قصير ببلاد الصين ينسب إليها.
وأهل الصين أهل جمال وطول وبياض نقي مشرّب حمرة، وهم أشدّ الناس سواد شعور، ونساؤهم يجزّون شعورهنّ.
[ذكر بلاد الهند]
وأمّا بلاد الهند فانّه اذا ادعى رجل على آخر دعوى يجب فيها القتل، قيل للمدّعي: أتحامله النار، فيقول: نعم، فتحمى حديدة
(1/45)
____
إحماء شديدا حتى يظهر النار فيها، ثم يقال له: إبسط يدك فتوضع على يده سبع ورقات من ورق شجر لهم، ثم توضع على يده الحديدة فوق الورق ثم يمشي بها مقبلا ومدبرا حتى يلقيها عن يده فيؤتى بكيس من جلود فيدخل يده فيه، ثم يختم بختم السلطان، فإذا كان بعد ثلاث أتي بأرز غير مقشّر فيقال له افركه، فان لم يكن في يده أثر فقد فلح ولا قتل عليه، ويغرّم الذي ادعى عليه منا من ذهب يقبضه السلطان لنفسه، وربّما اغلوا الماء في قدر حديد أو نحاس حتى لا يقدر أحد يدنوا منه ثم يطرح فيه خاتم حديد ويقال ادخل يدك فتناول الخاتم، وقد رأيت من ادخل يده وأخرجها صحيحة، ويغرم المدّعي أيضا منا من ذهب.
[عادة أهل سرنديب في موت ملوكهم]
وإذا مات الملك ببلاد سرنديب صيّر على عجله قريبا من الأرض وعلّق في مؤخرها مستلقيا على قفاه يجر شعر رأسه التراب عن الأرض، وامرأة بيدها مكنسة تحثو التراب على رأسه، وتنادي: أيها الناس هذا ملككم، بالأمس قد ملككم وكان أمره نافذا فيكم، وقد صار الى ما ترون من ترك الدنيا، وأخذ روحه ملك الموت، فلا تغترّوا بالحياة بعده، وكلام نحو هذا ثلاثة أيام، ثم يهيّأ له الصندل «1» والكافور والزعفران فيحرق به، ثم يرمي برماده في الريح «2» ، والهند كلّهم يحرقون موتاهم بالنار.
(1/46)
____
[عادات أهل الهند في إحراق موتاهم وعباداتهم]
وسرنديب «1» أخر الجزائر وهى من بلاد الهند، وربما أحرق الملك فتدخل نساؤه النار فيحترقن معه، وان شئن لم يفعلن.
وببلاد الهند من ينسب إلى السياحة في الغياض والجبال وقلّ ما يعاشر الناس ويأكل أحيانا الحشيش وثمر الغياض، ويجعل في احليله حلقه حديد لئلا يأتي النساء، ومنهم العريان، ومنهم من ينصب نفسه للشمس مستقبلها عريانا، إلا أن عليه شيئا من جلود النّمور، فقد رأيت رجلا منهم كما وصفت، ثم انصرفت وعدت بعد ست عشرة سنة، فرأيته على تلك الحال، فتعجّبت كيف لم تسل عينه من حر الشمس.
[توارثهم الملك والصناعات]
وأهل بيت المملكة في كلّ مملكة أهل بيت واحد لا يخرج عنهم الملك ولهم ولاة عهود، وكذلك أهل الكتابة والطبّ أهل بيوتات لا تكون تلك الصناعة الّا فيهم.
وليس تنقاد ملوك الهند لملك واحد بل كل واحد ملك بلاده، وبلهرا ملك الملوك بالهند، فأمّا الصين فليس لهم ولاة عهود.
[امتناع ملوك الهند عن اللهو والشراب]
وأهل الصين أهل ملاه، وأهل الهند يعيبون الملاهي، ولا يتخذونها، ولا يشربون الشّراب ولا يأكلون الخلّ لأنّه من الشراب، وليس ذلك دين ولكن أنفه، ويقولون: أيّ ملك شرب الشراب فليس بملك، وذلك أنّ حولهم ملوكا يقاتلونهم، فيقولون:
(1/47)
____
كيف يدبّر أمر ملكه من هو سكران «1» ، وربما اقتتلوا على الملك وذلك قليل، لم أر أحدا غلب أحدا على مملكته إلّا قوم تلو بلاد الفلفل، وإذا غلب ملك على مملكة ولّى عليها رجلا من أهل بيت الملك المغلوب، ويكون من تحت يده لا يرضى أهل تلك المملكة الّا بذلك.
[أكل أهل الصين لحم ملوكهم]
فأما بلاد الصين فربما جار الملك الذي من تحت يد الملك الأكبر فيذبحونه ويأكلونه، وكل من قتل بالسيف أكل الصينيون لحمه.
وأهل الهند والصين اذا أرادوا التزويج تهانئوا بينهم، ثم تهادوا، ثم يشهرون التزويج بالصّنوج والطبول، وهدّيتهم من المال على قدر الامكان.
واذا احضر الرجل منهم امراة فبغت، فعليها وعلى الباغي بها القتل في جميع بلاد الهند، وإن زنى رجل بامرأة اغتصبها نفسها قتل الرجل وحده فان فجر بامرأة على رضى منها قتلا جميعا.
[حكمهم في حد السرقة]
والسرقة «2» في جميع بلاد الصين والهند في القليل منه والكثير القتل، فأما الهند اذا سرق السارق فلسا فما فوقه أخذت خشبة طويلة فيحدّد طرفها ثم يعقد عليها على أسته حتى تخرج من حلقه.
(1/48)
____
وأهل الصين يلوطون بغلمان قد أقيموا لذلك بمنزلة زواني البددة «1» .
[بناء أهل الصين والهند]
وحيطان أهل الصين الخشب، وبناء أهل الهند حجارة وجصّ وآجرّ وطين، وكذلك ربّما كان بالصين أيضا، وليس الصين ولا الهند بأصحاب فرش.
ويتزوج الرجل من الصين والهند ما شاء من النساء.
وطعام الهند الأرز وطعام الصين الحنطة والأرز، وأهل الهند لا يأكلون الحنطة ولا يختتن الهند ولا الصين.
[ديانة أهل الصين والهند]
وأهل الصين يعبدون الاصنام ويصلّون لها ويتضرّعون اليها ولهم كتب دين.
[عجائب متفرقة]
والهند يطولون لحاهم ربّما أربت لحية أحدهم ثلاث أذرع، ولا يأخذون شواربهم، وأكثر أهل الصين لا لحالهم خلقة لأكثرهم.
وأهل الهند اذا مات لأحدهم ميت حلق رأسه ولحيته.
والهند اذا حبسوا رجلا أو لازموه منعوه الطّعام والشراب سبعة أيام وهم يتلازمون.
ولأهل الصّين قضاة يحكمون بينهم دون العمّال وكذلك أهل الهند.
(1/49)
____
والنمور والذئاب ببلاد الصين جميعا، فأما الأسد فليست بكلى الولايتين.
ويقتل قاطع الطريق، وأهل الصين، والهند يزعمون أن البددة تكلمهم وانما يكلمهم عبّادهم.
والصّين والهند يقتلون ما يريدون أكله ولا يذبحونه فيضربون هامته حتى يموت.
ولا يغتسل الهند ولا الصين من جنابة، وأهل الصين لا يستنجون الا بالقراطيس، والهند يغتلسون كل يوم قبل الغدا ثم يأكلون.
والهند لا يأتون النساء في الحيض ويخرجونهنّ عن منازلهم تقزّرا منهنّ.
والصّين يأتونهنّ في الحيض ولا يخرجونهنّ.
وأهل الهند يستاكون ولا يأكل احدهم حتى يستاك ويغتسل وليس يفعل ذلك أهل الصّين
وبلاد الهند أوسع من بلاد الصين وهى أضعافها وعدد ملوكهم أكثر، وبلاد الصين أعمر، وليس للصين ولا للهند نخل ولهم سائر الشجر، وثمر ليس عندنا، والهند لا عنب لهم، وهو بالصين قليل، وسائر الفواكه عندهم كثيرة والرّمان بالهند أكثر.
وليس لأهل الصّين علم وانما أصل ديانتهم من الهند، وهم يزعمون أنّ الهند وضعوا لهم البددة، وانهم هم أهل الدين، وكلا البلدين يرجعون إلى التناسخ ويختلفون في فروع دينهم «1» .
والطبّ بالهند والفلاسفة ولأهل الصين أيضا طبّ، وأكثر طبّهم
(1/50)
____
الكىّ ولهم علم بالنجوم وذاك بالهند أكثر، ولا أعلم أحدا من الفريقين مسلما ولا يتكلم بالعربيّة.
وللهند خيل قليل، وهى للصين أكثر، وليس للصين فيلة ولا يتركونها في بلادهم تشاؤما بها.
وجنود ملك الهند كثيرة ولا يرزقون وإنما يدعوهم الملك الى الجهاد فيخرجون ينفقون من أموالهم ليس على الملك من ذلك شيء، فأمّا الصين فعطاؤهم كعطاء العرب.
وبلاد الصّين أنزه وأحسن، وأكثر الهند لا مدائن لها، وأهل الصّين في كل موضع لهم مدينة محصّنة عظيمة، وبلاد الصين أصح وأقلّ أمراضا وأطيب هواء لا يكاد يرى بها أعمى ولا أعور ولا من به عاهة، وهكذا كثير ببلاد الهند.
وأنهار البلدين جميعا عظام فيها ما هو أعظم من أنهارنا، والأمطار بالبلدين جميعا كثيرة.
وفي بلاد الهند مفاوز كثيرة والصين كلها عمارة، وأهل الصّين أجمل من أهل الهند، وأشبه بالعرب في اللباس والدّواب، وهم في هيئتهم في مواكبهم شبيه بالعرب يلبسون الأقبية «1» والمناطق وأهل الهند يلبسون فوطتين، ويتحلّون باسورة الذهب والجوهر الرجال والنساء.
ووراء بلاد الصين من الأرض التغزغز «2» وهم من الترك،
(1/51)
____
وخاقان «1» تبّت «2» هذا ممّا يلي بلاد الترك فأما ما يلي البحر فجزائر السيلا وهم بيض يهادون صاحب الصّين، ويزعمون انهم إن لم يهادوه لم تمطرهم السماء، ولم يبلغها أحد من اصحابنا فيحكى عنهم، ولهم بزاة بيض.
تمّ الكتاب الأول
نظر في هذا الكتاب الفقير محمد في سنة احدى عشر بعد ألف أحسن الله عاقبتها وما بعدها آمين
اللهم اغفر لكاتبه ووالديه والمسلمين.
(1/52)