• !
×

rasl_essaher

علم المناخ التطبيقي Applied Climatology

علم المناخ التطبيقي
مدخل
...
1- 4- 3 علم المناخ التطبيقي 1 Applied Climatology:
ليس من شك في أن المناخ هو أهم العوامل الطبيعية التي تتدخل بطريق مباشر أو غير مباشر في تشكيل سطح الأرض وما عليه من مظاهر متباينة، سواء في ذلك تلك المظاهر الخاصة بتضاريس القشرة الأرضية وتكوينها، أو تلك التي تتصل بتكوين التربة وبحياة النبات والحيوان بجميع أنواعها، وليس الإنسان بأقل الكائنات الحية تأثرًا بهذا العامل سواء في الماضي أو الحاضر، فلئن استطاع العقل البشري أن يغير بعض الشيء من مظاهر سطح الأرض، وأن يغزو بمخترعاته أجواز الفضاء وعروض البحار وأن يبدأ ارتياد سطح القمر، فإن الإنسان كان ولم يزل وسيظل دائمًا لظاهرات الجو وأحوال المناخ،
__
1 إن علم المناخ التطبيقي علم واسع له علاقاته المتشعبة وقد عولج في كتابات عديدة منها على سبيل المثال الكتب التالية:
-Smith Keith "1975" -Principles of Applid Climatology
Mcgraw Hill "UK".
-Critchfield H.J. "2nd ed.1966" General, Climatology
Prentice Hall, New Jercy, C haplers ll to 15.
-Brooks, C.E.P. "1950" Climate in Every day Life E.Benn, London.
(1/18)
____
ولن يستطيع مهما طال الزمن أن يتحرر كلية من سيطرتها عليه وتحكمها في مشروعاته وأرزاقه، بل وفي لونه وصحته ومزاجه، ولن نستطيع أن ندخل هنا في تفاصيل العلاقة بين المناخ وحياة الإنسان، ولهذا فإننا سنكتفي بذكر أمثلة محدودة جدًّا لتوضيح هذه العلاقة، كتمهيد مختصر لدراسة أكثر توسعًا في "علم المناخ التطبيقي".
(1/19)
____
المناخ والزراعة:
منذ أقدم العصور كان الزارع والراعي يخضعان خضوعًا تامًّا لرحمة الظروف المناخية، ولا يزال هذا هو حالهما في الوقت الحاضر؛ إذ إن المناخ هو المتحكم الأول في توزيع الحياة النباتية والحيوانية في العالم، فلا يمكن مثلًا أن تنجح زراعة غلة مثل القمح على نطاق واسع في الأقاليم الاستوائية ذات الأمطار الغزيرة طول العام، أو أن تنتشر زراعة الكاكاو أو المطاط في الأقاليم الباردة، فلكل نبات ظروفه المناخية التي تلائمه والتي لا يجود إلا فيها، وهكذا تحددت مناطق الإنتاج الزراعي سواء في ذلك إنتاج المواد الغذائية أو إنتاج المواد الأولية اللازمة للصناعة، وتحددت تبعًا لذلك طرق التجارة ومناطق الإنتاج والاستهلاك.
ويتحكم المناخ فضلًا عن ذلك في نظام الزراعة في المنطقة الواحدة فهو الذي يفرض على الزارع أن يتبعوا نظمًا خاصة في توزيع محصولاتهم على فصول السنة، ومن الطبيعي أن يكون تحكم المناخ في الإنتاج الزراعي أقوى في الأقاليم التي تعتمد الزراعة فيها على المطر منه في الأقاليم التي تقوم الزراعة فيها على الري، فكثيرًا ما يؤدي نقص الأمطار في سنة من السنين إلى فشل الزراعة أو فقر المرعى مما يترتب عليه حدوث مجاعات خطيرة، كما يحدث كثيرًا في بعض مناطق أستراليا والهند وشمال إفريقية وغيرها من المناطق التي تتغير كمية الأمطار التي تسقط فيه تغيرًا كبيرًا من سنة إلى أخرى، وقد يحدث العكس تمامًا في بعض الأحيان فتزايد الأمطار بدرجة يتلف معها الزرع ويتعذر الحصاد، فيهبط المحصول هبوطًا كبيرًا، كما يحدث كثيرًا في مناطق زراعة القمح بغرب
(1/19)
____
أوروبا، فالقمح يعتبر من النباتات التي تحتاج -لكي يتم نضجها- إلى فترة جفاف قبل الحصاد وإلا فسد المحصول وقل الإنتاج.
ولئن كان الإنسان قد عجز عن أن يعدل الظروف المناخية على حسب رغباته، فإنه لم يعجز تمامًا في أن يتحايل عليها بوسائله الخاصة، فقد استطاع مثلًا أن ينقل زراعة غلة من الغلات، ولو على نطاق ضيق، إلى مناطق لم تكن تصلح لها من قبل، وذلك باستنبات فصائل وأنواع جديدة تكون أقدر على تحمل بعض الظروف المناخية التي تتحملها الفصائل والأنواع الأصلية، فقد أمكن مثلًا استنبات فصائل كثيرة من الذرة يصلح كل منها لنوع معين من أنواع المناخ، ومن هذه الفصائل ما يصل ارتفاع نباته إلى سته أمتار ويحتاج لنموه ونضجه إلى ما بين عشرة أشهر وأحد عشر شهرًا1، وهذه الفصائل هي التي يمكن زراعتها في المناطق الحارة، التي لا ينخفض متوسط درجة الحرارة فيها في أي شهر من شهور السنة انخفاضًا يضر النبات أو يوقف نموه، وإلى جانب ذلك استنبتت أنواع من الذرة لا يكاد يصل ارتفاعه إلى ثلاثة أرباع المتر، ولا تحتاج لنموها إلى أكثر من ثلاثة أشهر، ومثل هذه الأنواع تزرع غالبًا في المناطق الباردة نسبيًّا حيث يكون الفصل الدافئ الذي يستطيع النبات أن ينمو خلاله قصيرًا، كما هي الحال في بعض مناطق وسط أوربا وأمريكا الشمالية.
ومن أنواع الذرة أيضًا نوع يزرعه الهنود منذ زمن طويل في جنوب غرب أمريكا الشمالية، وهذا النوع لا يحتاج إلا إلى كميات قليلة جدًّا من الماء، ولهذا فإنه يمكن أن يجود في المناطق التي لا تكفي موارد المياه فيها لزراعة الأنواع الأخرى من الذرة، وتغرس بذور هذا النوع عادة في التربة على عمق لا يقل عن قدم واحد من سطح الأرض، وذلك حتى يمكنها أن تستفيد من الرطوبة الموجودة في الأجزاء السفلى من التربة، ويا حبذا لو جربت زراعته في بعض المناطق شبه الصحراوية في الوطن العربي، كما هي الحال في المناطق.
__
1 Gove Hambidge, U.S. Department of Agriculture Year book 1941
"Climate and Man" p 31.
(1/20)
____
الساحلية من شمال الصحراء الغربية وشمال شبه جزيرة سيناء في جمهورية مصر العربية.
وما قيل عن الذرة يمكن أن يقال كذلك عن كثير من الغلات الأخرى التي يعظم الطلب عليها في جميع أنحاء العالم إما لقيمتها كمادة غذائية كما هي الحال في القمح والأرز، أو لأهميتها كمادة أولية لازمة للصناعة، كما هي الحال في القطن، فجميع هذه الغلات قد أمكن التوسع في زراعتها بحيث أصبحت تنتشر في مناطق كان المعتقد من قبل أن أحوالها المناخية لا تصلح لها.
ويظهر أثر المناخ ومقدار ما يبذله الإنسان من مجهود للتحايل عليه بصورة أوضح في حالة إنتاج الخضروات الغذائية مثل الطماطم والمقاثي، فعلى الرغم من أن هذه النباتات تعتبر حساسة جدًّا للتغيرات الجوية، فقد أصبح من الممكن زراعتها في الوقت الحاضر في جميع أنحاء العالم تقريبًا، ولو على نطاق ضيق ويبذل مجهودات كبيرة واتباع وسائل خاصة، فإلى جانب استنبات أنواع وفصائل لها قدرة على تحمل صنوف مختلفة، من المناخ أمكن إنتاج بعض هذه الخضروات في ظروف جوية صناعية، وذلك بزراعتها في بيوت من الزجاج يمكن التحكم في درجة الحرارة داخلها، ولهذا فليس من المستغرب أن تزرع الطماطم مثلًا في كثير من الأقاليم المدارية وأن تزرع في نفس الوقت في بريطانيا وغيرها من دول غرب أوروبا، والفارق الرئيسي هو أن بينما يضطر الزراع في الأقاليم المدارية أحيانًا لزراعة النبات في ظل بعض الأشجار، أو تغطية شجيراته بطريق خاصة لحمايتها من أشعة الشمس القوية، فإن الزارع الأوروبي قد يضطر لوضع هذه الشجيرات في بيوت من الزجاج يمكن أن تنفذ منها أشعة الشمس فيظل الجو بداخلها دافئًا، ويحدث ذلك عادة في الفصل الذي يكثر فيه ظهور الصقيع، أو تنخفض أثناءه درجة الحرارة بصورة تؤذي النبات وكثيرًا ما توقد النيران في بساتين الفواكه لنفس الغرض.
ولئن كان المناخ يؤثر تأثيرًا مباشرًا على توزيع المحاصيل الزراعية فيجب ألا تخفى علينا أنه كذلك عامل أساسي في تكوين التربة التي تعتبر مع المياه العذبة
(1/21)
____
الأساس الأول لوجود الإنسان وبقائه، فلولا وجود التربة الصالحة للزراعة أو حتى لظهور الحياة النباتية الطبيعية وما يعيش فيها أو عليها من حياة حيوانية لما استطاع الإنسان أن يبقى وينتشر على سطح الأرض، كما أن النباتات الطبيعية نفسها وتباين أنواعها وتوزيعها ليست إلا أثرًا من آثار الظروف المناخية وتباينها من مكان إلى آخر.
ويكفي أن نذكر أن الرخاء الذي تتمتع به بعض أقاليم العالم والمجاعات التي قد تتعرض لها أقاليم أخرى والأمراض التي تصيب المحاصيل المختلفة من وقت إلى آخر ومن مكان إلى آخر ليست كلها إلا مظاهر مترتبة على المناخ والطقس.
(1/22)
____
المناخ والصناعة:
ولئن كانت دراسة المناخ والأحوال الجوية مهمة للزارعة فإن أهميتها لتبدو واضحة كذلك بالنسبة للصناعة، فمن المعروف أن بعض الصناعات يلزم لقيامها نوع معين من المناخ، فصناعة الغزل والنسيج مثلًا يلزم لنجاحها نسبة عالية من الرطوبة في الهواء حتى لا تتقصف التيلة عند غزلها ونسجها، ويظهر هذا في صناعة غزل ونسيج القطن أوضح منه في صناعة غزل ونسيج الصوف؛ إذ إن الأولى تحتاج إلى نسبة من الرطوبة أعلى بكثير مما تحتاج إليه الثانية، والمثال التقليدي الذي يضرب عادة لتوضيح هذه الحقيقة هو أن صناعة القطن قد تمركزت في مقاطعة لنكشير في غرب إنجلترا، حيث يكون الهواء عادة محملًا بنسبة مرتفعة جدًّا من الرطوبة، بينما تمركزت صناعة الصوف في مقاطعة يوركشير المقابلة لها في الشرق حيث تكون نسبة الرطوبة في الهواء أقل نوعًا ما منها في لنكشير، ولعل هذا هو السبب أيضًا في أن معظم صناعات الغزل والنسيج في مصر توجد بصفة خاصة في النصف الشمالي من الدلتا.
ومن الصناعات الأخرى التي اشتهرت بشدة حساسيتها للظروف الجوية صناعة السجاير والسيجار، فهي تحتاج إلى درجة حرارة ونسبة رطوبة عاليتين، وعلى العكس من ذلك يلاحظ أن صناعة المواد الغذائية، مثل صناعة.
(1/22)
____
حفظ اللحوم والأسماك والخضروات والفواكه كلها تحتاج غالبًا إلى جو بارد وكلما كان الهواء جافًّا كان ذلك أدعى لنجاح الصناعة.
ولكننا مع ذلك نلاحظ أن كثيرًا من الصناعات أمكنها في الوقت الحاضر أن تتحرر إلى حد ما من سيطرة المناخ والأحوال الجوية، وذلك بعد أن تقدمت وسائل التبريد والتدفئة وغيرها من وسائل تكييف الهواء، بحيث أصبح من الممكن خلق أجواء صناعية داخل المصانع على حسب الحاجة، وفضلًا عن ذلك فإن المصانع أصبحت تبنى أحيانًا تحت سطح الأرض حتى تكون بعيدة بقدر المستطاع عن تأثيرات التقلبات الجوية المختلفة.
(1/23)
____
علاقة المناخ والجو بالملاحة والحرب:
ولا تخفى علينا كذلك أهمية الدراسات الجوية بالنسبة للملاحة البحرية والجوية على حد سواء، فالطيار أو البحار كلاهما عليه أن يتأكد من حالة الجو وما يمكن أن يطرأ عليه من تغيرات قبل أن يمضى في رحلته، ومع ذلك فكثيرًا ما نسمع عن حوادث سقوط الطائرات أو غرق المراكب بسبب تقلبات فجائية في الظروف الجوية مثل حدوث العواصف أو انتشار الضباب الكثيف فوق المواني والمطارات وعلى خطوط الملاحة، وكذلك القائد في ميدان القتال عليه أن يراقب الأحوال الجوية بكل حذر، فكثيرًا ما كانت الظاهرات الجوية سببًا في خسارة بعض المعارك المهمة أو كسبها، ومن الثابت أن بعض فصول السنة تكون أصلح من غيرها لنجاح العمليات الحربية المختلفة، وذلك على حسب نوع الأسلحة التي تستخدمها الجيوش المتحاربة، فالمتتبع لسير الحروب في الشرق الأقصى في السنوات الأخيرة مثلًا، يلاحظ أن الجيوش الأمريكية المجهزة بالطائرات والأسلحة الثقيلة تفضل عادة القيام بعمليات الغزو والهجوم في الأشهر التي تقل في أثنائها الأمطار والتقلبات الجوية، حتى يسهل استخدام الطائرات والعربات والدبابات في الميدان، بينما يفضل المجاهدون الوطنيون الأشهر الممطرة للقيام بمثل هذه العمليات؛ لأنهم -على الأقل في الوقت الحاضر- أقل من الدول الاستعمارية اعتمادًا على الطائرات والدبابات في حروبهم وذلك إلى جانب أنهم يكونون في هذه الأشهر أقل تعرضًا لهجمات هذه الأسلحة، من القوات الأمريكية.
(1/23)
____
المناخ وموارد المياه:
من الثابت أن موارد المياه، سواء ما هي سطحية أو ما هي جوفية، مصدرها مياه الأمطار التي تمثل عنصرًا أساسيًّا من عناصر المناخ، وبالإضافة إلى علاقاتها المباشرة بالأمطار فإن هذه المياه، وخصوصًا المياه السطحية تتأثر كذلك بدرجة الحرارة التي تعتبر العامل الرئيسي الذي يؤدي إلى ضياع مقادير متباينة من مياه الأمطار بالتبخر، الذي يمثل مرحلة رئيسية من مراحل الدورة المائية، والواقع أن المظاهر الجوية في هذه الدورة، وأهمها التبخر والتكثف والتساقط، كلها مظاهر مناخية، ولتوزيع المياه على سطح الأرض علاقات قوية بالدورة الهوائية العامة, التي تنتقل بواسطتها الرطوبة من بعض المناطق إلى مناطق أخرى حيث، تتكثف وتسقط بشكل أمطار، أو بأي شكل آخر من مظاهر التكثف، وتلعب الكتل الهوائية الجافة والرطبة هي الأخرى دورًا مهمًّا في هذا التوزيع، فالكتل الهوائية الجافة التي تتكون على اليابس تساعد على سرعة التبخر فتزيد من جفافه، حيث تنقل عند خروجها منه مقادير كبيرة من رطوبته ومياهه، أما الكتل الهوائية البحرية الرطبة فتحمل إليه على العكس من ذلك كثيرًا من بخار الماء الذي يتكثف إذا ما صادف ظروفًا ملائمة لذلك، كأن يرتفع هواؤها بالتصعيد أو عند مصادمته للحافات الجبلية فيؤدي إلى سقوط الأمطار.
وهكذا فإن المناخ هو المسئول الأول عن الدورة المائية وعن توزيع المياه على سطح الأرض وفي طبقاتها، ولهذا فإن دراسته تحتل جانبًا أساسيًّا في دراسة تصريف مياه الأنهار، ونظام جريانها وإمكانات تخزين مياهها، وتقدر احتمالات الفيضانات حدوث حالات القحط والجفاف1
__
1 لمزيد من القراءة في هذا الموضوع راجع:
Critchfield, H j "2nd 1966"
Grneral Climatology Prentice Hall. New Jersey, pp. 248-265.
(1/24)
____
المناخ والعمران:
يتدخل المناخ في التخطيط العمراني الحديث من بعض النواحي، مثل اختيار المناطق الصناعية والمناطق الترفيهية والمناطق السكنية، وأهم العناصر المناخية التي تراعى في هذا التخطيط هي الرياح لأنها هي التي تفرض وضع المناطق الصناعية وأماكن تجميع النفايات في اتجاه انصرافها بعد مرورها على الأحياء السكنية والأحياء الترفيهية، كما أن هبوب الرياح المعتدلة من ناحية البحر في المدن الساحلية وانخفاض المدى الحراري على طول السواحل يعتبر من العوامل المهمة التي تدفع إلى امتداد معظم هذه المدن امتدادًا طوليًّا محاذيًا لساحل البحر، وإلى وجود أهم مناطق الترفيه والتنزه على امتداد الشواطئ.
ولقد كان تأثير المناخ والأحوال الجوية واضحًا على تصميم المساكن منذ أن بدأ الإنسان يبنيها في عهوده الحضارية القديمة لسبب واضح وهو أن أحد الأهداف الرئيسية من بنائه لها هو الحماية من الأحوال الجوية، وأيًّا كان نوع المسكن أو حجمه فإن المناخ يتدخل في اختيار موقعه واختيار المواد التي يُبنى بها وتصميمه، والعناصر المهمة التي تراعى عادة في الاختيار هي درجة الحرارة والإشعاع الشمسي والمطر والرياح.
وليس المناخ السائد وحده هو الذي يتدخل في تصميم المساكن وتوجيهها، بل إن المناخ التفصيلي للمواضع التي تختار للبناء يمكن أن تجعل بعض المواضع، أصلح للسكنى من غيرها داخل النوع الواحد من المناخ، ويرجع التباين في المناخ التفصيلي من موضع إلى آخر إلى عوامل محلية مثل ارتفاع الأرض أو وجود مسطحات مائية أو غطاءات نباتية أو مناطق صناعية أو مبان قريبة.
(1/25)
____
المناخ وصحة الإنسان:
من الثابت أن هناك علاقة وثيقة بين صحة الإنسان وحالة الجو والمناخ، فقد تبين مثلًا أن بعض أنواع المناخ تساعد على انتشار أمراض.
(1/25)
____
معينة، ويعتبر المناخ الحار الرطب من أسوأ أنواع المناخ في هذه الناحية، وذلك لأنه يساعد على تحلل المواد العضوية، وعلى نمو الجراثيم والميكروبات والحشرات وانتشارها، فضلًا عن أنه يبعث غالبًا على الكسل والخمول ويقلل من مقدرة الجسم على مقاومة الميكروبات، وقد كان هذا المناخ من أهم العقبات التي اعترضت الأوروبيين عند استعمارهم الأقاليم الاستوائية، وكثيرًا ما كنا نسمع مثلًا عن "مقبرة الرجل الأبيض" وهو الاسم الذي اشتهر به ساحل غانة في غرب إفريقية حيث تجتمع الحرارة والرطوبة الشديدتان طول السنة، ومن الملاحظات المشهورة أيضًا أن كثرة أشعة الشمس وقوتها بالقرب من خط الاستواء تساعد على زيادة سرعة نمو بعض الأجهزة والغدد في جسم الإنسان، مما يؤدي إلى انخفاض سن البلوغ عنه في البلاد ذات المناخ المعتدل أو البارد، فهو بالنسبة للإناث مثلًا يقع بين سن الحادية عشرة والرابعة عشرة عند خط الاستواء وبين الثالثة عشرة والسادسة عشرة في الأقاليم المعتدلة، وبين الخامسة عشرة والثامنة عشرة في الأقاليم القطبية1.
ويلاحظ كذلك أن سكان الأقاليم محرومون تمامًا من أشعة الشمس خلال فترة من السنة يزداد طولها كلما اقتربنا من القطب، الذي تنقسم السنة عنده بصفه عامة إلى فصلين، هما فصل صيف طويل لا تغيب فيه الشمس مطلقًا لمدة قد تصل إلى ستة أشهر، وفصل شتاء مظلم قد تستمر ستة أشهر كذلك، ويتعرض الإسكيمو الذين يعيشون في تلك العروض، والرحالة الذين قد يصلون إليها خلال هذا الفصل المظلم لبعض الأمراض التي تنشأ نتيجة لحرمان الجسم من أشعة الشمس، ومن أهمها فقر الدم "الأنيميا" والأرق وعسر الهضم ولين العظام Rickets وغيرها.
ولكن إذا كان مناخ بعض الأقاليم يساعد على انتشار أنواع معينة من الأمراض فقد ثبت من ناحية أخرى أن هناك أنواعًا من المناخ تساعد على علاج بعض الأمراض المشهورة، حتى إن "تغيير الهواء" أصبح من أهم وسائل العلاج الحديثة، التي ينصح بها الأطباء، فقد تبين مثلًا أن هواء الجبال يساعد
__
1 Lebon, J.H.G. "an Introduction to Human Geography". 1952,p.4,3.
(1/26)
____
كثيرًا على علاج أمراض الرئة، وذلك بسبب تخلخله وبقائه وانخفاض نسبة الرطوبة به، كما تبين أن هواء الصحراء يساعد على علاج أمراض القلب، وهو يشبه هواء الجبال في نقائه كما أنه يمتاز بجفافه، ولكنه أقل تخلخلًا من هواء الجبال مما يجعله أقل إجهادًا للقلب1.
والمعروف أن الجسم البشري يتأثر تأثرًا مباشرًا بتقلبات الجو خصوصًا ما يتعلق منها بارتفاع الحرارة أو انخفاضها، ولكن مهما زادت التغيرات الحرارية فمن الثابت أن درجة حرارة الجسم تظل 37 ْمئوية، وأنها إذا ارتفعت عن ذلك بأكثر من أربع درجات فقد تتعطل أجهزة الجسم الحساسة وغالبًا ما تحدث الوفاة إذا وصل الارتفاع إلى خمس درجات، بينما يستطيع الجسم من ناحية أخرى أن يتحمل انخفاضًا قد يصل إلى عشر درجات مئوية، بمعنى أن الإنسان يمكنه أن يظل حيًّا حتى ولو انخفضت درجة حرارته إلى 27 ْمئوية. ولكي يظل الجسم البشري محافظًا على معدل درجة حرارته وهي 37 ْمئوية زوده الله جلت قدرته بوسائل متعددة لحفظ التوازن بين درجة حرارته ودرجة حرارة الجو المحيط به، ففي الجو الحار يستطيع الجسم أن يتخلص من الحرارة التي تزيد "بسبب عمليات الاحتراق التي تحدث به أو بسبب ارتفاع درجة حرارة الجو" بواسطة العرق الذي يؤدي تبخره إلى خفض درجة حرارة الجلد، أما في الجو البارد فإن الجسم يحاول الاحتفاظ بحرارته عن طريق تقلص الأوردة والشرايين الملاصقة للجلد مما يقلل من اندفاع الدم فيها ووصوله إلى السطح حيث تتعرض حرارته للضياع بملامسة الجلد والأطراف فقد تزداد برودتها بدرجة تؤدي إلى حدوث قشعريرة بها.
والمعروف أن الدورة الدموية هي التي توزع الحرارة على مختلف أجزاء الجسم
__
1 Miller A:Austin, "Climatology" 4th, 1944, p.4.
(1/27)


بواسطة : rasl_essaher
 0  0  324