• !
×

rasl_essaher

مقدمة كتاب الروض المعطار

الكتاب: صفة جزيرة الأندلس منتخبة من كتاب الروض المعطار
المؤلف: أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد المنعم الحِميرى (المتوفى: 900هـ)
عنى بنشرها وتصحيحها وتعليق حواشيها: إ. لافي بروفنصال أستاذ تاريخ المغرب العربي بجامعة الجزائر، ومعهد الدراسات الاسلامية بجامعة باريس، ومدير فخري لمعهد الأبحاث المغربية العليا بالرباط
الناشر: دار الجيل، بيروت - لبنان
الطبعة: الثانية، 1408 هـ - 1988 م
عدد الأجزاء: 1
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
مقدمة كتاب الروض المعطار
قال أبو عبد الله محمد بن أبي محمد عبد الله بن المنعم الحميري: الحمد لله الذي جعل الأرض قرارا، وفجر خلالها أنهارا، وجعل لها رواسي ألزمتها استقرارا، ومنعتها اضطراباً وانتثارا، جعلها قسمين فيافى وبحارا، وأودع فيها من بدائع الحكم وفنون المنافع ما بهر ظهوراً وانتشارا، وأطلع في آفاقها شموساً وأقمارا؛ جعلها ذلولا، وأوسعها عرضاً وطولا، وأمتع بها شيباً وشباباً وكهولا، وعاقب عليها غيوثاً وقبولا، وأغرى بالمشي في مناكبها تسويغاً للنعمة الطولى، وتتميماً لإحسانه الذي نرجوه في الآخرة والألى، وإن في ذلك لعبرةً لمن صار له قلب وسمع وبصر وفهم منقولاً ومعقولا، إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤلا؛ أحمده على جزائل آلائه التي وإلى أمدادها، وأحصى أعدادها، وعم بها البرية وبلادها؛ وصلى الله على نبيه الكريم الذي زويت له الأرض فرأى غايتها، وأبصر نهايتها؛ وأخبر أن ملك أمته سيبلغ ما رآه، وينتهي إلى حيث قدره الخالق وأنهاه. وبعد فإني قصدت في هذا المجموع ذكر المواضع المشهورة عند الناس من العربية والعجمية، والأصقاع التي تعلقت بها قصة، أو كان في ذكرها فائدة، أو كلام فيه حكمة، أولها خبر ظريف، أو معنى يستملح أو يستغرب ويحسن إيراده، أما ما كان غريباً عند الناس، ولم يتعلق بذكره فائدة، ولا له خبر يحسن إيراده، فلا ألم بذكره، ولا أتعرض له غالباً استغناء عنه واستثقالاً لذكره؛ ولو ذهبت إلى إيراد المواضع والبقاع على
(1/9)
____
الاستقصاء لطال الكتاب، وقل إمتاعه؛ فقتصرت لذلك على المشهور من البقاع وما في ذكره فائدة ونكتفى عما سوى ذلك، ورتبته على حروف المعجم لما في ذلك من الإحماض المرغوب فيه، ولما فيه من سرعة هجوم الطالب على اسم الموضع الخاص من غير تكلف عناء ولا تجشم تعبٍ؛ فقد صار هذا الكتاب محتوياً على فنين مختلفين: أحدهما ذكر الأقطار الجهات، وما اشتملت عليه من النعوت والصفات؛ وثانيها الأخبار والوقائع والمعاني المختلفة بها، الصادرة عن مجتليها؛ واختلست ذلك ساعات زماني، وجعلته فكاهة نفسي؛ وأنصبت فيه بفكري وبدني؛ ورضته حتى انقاد للعمل، وجاء حسب الأصل، فأصبح طارداً للهموم، ملقيا للغموم، وشاهداً بقدرة القيوم؛ مغنيا عن مؤانسة الصحب، منبها على حكمة الرب؛ باعثاً على الاعتبار، مستحضراً لخصائص الأقطار؛ مشيراً لآثار الأمم وأحداثها، مشيراً إلى وقائع الأخباز وأنبائها؛ ثم إني قسته بالكتاب الأخبارى المسمى بنزهة المشتاق فوجدته أعظم فائدةً وأكثر أخباراً وأوسع في فنون التواريخ وصنوف الأحداث مجالاً حتى في وصف البلاد فإنه إنما ذكر نبذة منها شيئاً قليلاً في مواضع مخصوصةٍ معدودة، بل إنما عظم حجمه بما اشتمل عليه من قوله: من فلانة إلى فلانة خمسون ميلاً أو عشرون فرسخاً، ومن فلانة إلى فلانة كذا وكذا، أما الخبر عن الأصقاع مما يحسن إيراده، ويلذ سماعه، من خبرٍ ظريف، أو وصفٍ يستغرب أو يستملح، فإنما يوجد فيه في مواضع قليلةٍ معدودةٍ، إلى غير ذلك من عسر وجدان الناظر فيه بمطلوبه بأول وهلةٍ بل بعد البحث والتفتيش.
وجعلت الإيجاز في هذا الكتاب قصدى، وحرصت على الاختصار جهدي؛
(1/10)
____
حتى جاء نسيج وحده ميليحاً في فنه، غريباً في معناه، مبهجاً للنفوس المتشوقة، ومذهباً للأفكار المحرقة؛ مؤنسا لمن استولى عليه الانفراد ورغب عن معاشرة الناس، ومع هذا فقد لمت نفسي على التشاغل بهذا الوضع الصاد عن الاشتغال بما لا يغنى عن أمر الآخرة والمهم عن العلم المزلف عند الله تعالى وقلت: هذا من شأن البطالين وشغل من لا يهمه وقته، ثم رأيت ذلك من قبيل ما فيه ترويح لهذه النفوس، ومن حسن تعليلها بالمباح لمن ينشط إلى ما هي به أعنى؛ ثم هو مهيع يسلكه الناس، واعتنى به طائفة من العلماء، وقيده جماعة من أهل التحصيل؛ فلا حرج في الاقتداء بهم بل أقول: أعوذ بالله من علمٍ لا ينفع، وأستغفره وأستقيله، واسأله التجاوز عن الهفوات، والصفح عن الاشتغال بما لا يفيد في الآخرة، فيا رب عفواً عن اقتراف ما لا رضى لك فيه فأنت على كل شيء قدير؟!
(1/11)

بواسطة : rasl_essaher
 0  0  366