• !
×

rasl_essaher

مدينة إفرنجة

إفرنجة
في وسط الإقليم الخامس، هواؤها غليظ لشدة بردها، ومصيفها معتدل، وهي بلاد كثيرة الفاكهة، وغزيرة الأنهار المنبعثة من ذوب الثلج، ومدائنها متقنة الأسوار، محكمة البناء، وآخر حدودها البحر الشأمى بقبليها، والبحر المحيط بجوفيها، وتتصل ببلاد رومة أيضاً من ناحية القبلة، وتتصل أيضاً من ناحية الجوف ببلاد الصقالبة، بينهما شعراء ملتفة مسيرة الأيام الكثيرة، وتتصل في الشرق بالصقالبة أيضاً، وتتصل في الغرب بالبشكنش، وتتمادى أعمال إفرنجة في الطول والعرض مسيرة شهرين في شهرين، ويحجز بين بلاد الصقالبة من الجوف والشرق الجبل المعترض بين البحرين فيتمادى بلاد الإفرنج مع ساحل البحر الشأمى حتى يلزق بجزيرة رومة وبلاد لنقبرذية، ويتمادى مع الجبل المعترض في الجوف إلى البحر المحيط، ويتصل بالصقالبة بلاد المجوس المعروفين بالأنقاش؛ وسيوف إفرنجة تفوق سيوف الهند، ومنها يرد الرقيق من بلاد الصقالبة، ولا يكاد يرى ببلاد إفرنجة زمن ولا ذو عاهةٍ، والزنى في غير ذوات الأزواج عند الإفرنج غير منكرٍ، وإذا حلف أميرهم أو كبيرهم حانثاً استهانوه، ولم يزالوا يعيرونه بذلك، وأبناء الأشراف عندهم يسترضعون في الأباعد، ولا يعرف الا بن أبويه حتى يعقل، وإذا عقل رد إليهما، فيراهما كالسيدين ويكون لهما كالعبد.
وكانت مملكتهم مجتمعةً، وأمرهم ملتئماً حتى ثار على رجلٍ من ملوكهم
(1/26)
____
يسمى قارله قومس مع ملكٍ يقال له ردبيرت، وذلك في عهد الإمام عبد الله، فحشد له قارله، وزحف بعضهما على بعضٍ فقتله قارله، وأسر أصحاب ردبيرت قارله فمكث عندهم أسيراً أربعة أعوامٍ ثم هلك بأيديهم، فافترق ملكهم واقتسم؛ والإفرنجة من ولد يافت هم والجلالقة والصقالبة واللواكبرد، والإشبان والترك والخزر وبرجان وآلان ويأجوج ومأجوج؛ والإفرنجة تدين بدين النصرانية، وبرأي الملكية منهم ودار ملكهم آلان لوذون وهي مدينة عظيمة، ولهم من المدائن نحو من خمسين ومائة مدينة، وقد كانت مملكتهم قبل ظهور الإسلام بإفريقية وجزيرة صقلية وجزيرة إقريطش؛ والإفرنجة أكثر هذه الأمة عدةً وأحسنهم انقياداً لملوكهم وأكثرهم مدداً، وأول ملوكهم قلودية، وهو أول من تنصر وكانوا مجوساً، فنصرته امرأته واسمها قلوطلد.
ويحكى أن موسى بن نصير لما غزا الأندلس أراد أن يخرق ما بقى عليه من بلاد إفرنجة، وفتح الأرض الكبيرة حتى يتصل بالناس إلى الشأم مؤملاً أن يتخذ مخترقة تلك الأرض طريقاً مهيعاً يسلكه أهل الأندلس في مسيرهم ومجيئهم من الشرق إليه على البر لا يركبون بحراً، وأنه أوغل في بلاد إفرنجة حتى انتهى إلى مفازةٍ كبيرةٍ وأرضٍ سهلةٍ ذات آثارٍ، فأصاب فيها ضمناً عظيماً قائماً كالسارية مكتوبة فيه بالنقر كتابة عربية قرئت فإذا هي: يا بني إسماعيل انتهيتم فارجعوا! فهاله ذلك وقال: ما كتب هذا إلا بمعنى! وشاور أصحابه في الإعراض عنه وجوازه إلى ما وراءه، فاختلفوا عليه، فأخذ برأي جمهورهم وانصرف بالناس وقد أشرفوا على قطع البلاد وتقصى الغاية.
(1/27)

بواسطة : rasl_essaher
 0  0  432