• !
×

rasl_essaher

مدينة باجة و ببشتر و بجانة

حرف الباء
باجة
وأما باجة الأندلس فهي من أقدم مدائنها، بنيت في أيام الأقاصرة، وبينها وبين قرطبة مائة فرسخ، وهي من الكور المجندة، نزلها جند مصر وكان لواؤهم في الميسرة بعد جند فلسطين، وهم النازلون بشذونة، فحمل الأمير عبد الرحمن بن معاوية لواءهم، وأسقط جندهم، وأخمل ذكرهم؛ وكان سبب ذلك أن العلاء بن مغيث اليحصبى كان رئيس جند باجة، وفثار بها، وقام بها بدعوة بني العباس، ولبس السواد، ورفع راية سوداء، واجتمع إليه قيام من الناس؛ فقاتله عبد الرحمن بن معاوية في قريةٍ من قرى إشبيلية تعرف بالكرم حتى هزمه الإمام وقتله.
ومدينة باجة أقدم مدن الأندلس بنياناً، وأولها اختطاطاً، وإليها انتهى يوليش القيصر، وهو أول من سمى قيصر، وهو الذي سماها باجة، وتفسير باجة في كلام العجم الصلح وحوز باجة وخطتها واسعة، ولها معاقل موصوفة بالمنعة والحصانة.
ومنها الإمام القاضي أبو الوليد الباجى، سليمان بن خلف، شارح الموطا، الفقيه الأديب، العالم المتكلم، رحل إلى الحجاز والعراق، ولقى العلماء وتجول ثلاثة عشر عاماً، وصنف في الأصول والفروع.
وله " متقارب ":
إذا كنت أعلم علماً يقيناً ... بأن جميع حياتى كساعه
فلم لا أكون صيننا بها ... وأجعلها في صلاح وطاعه
(1/36)
____
ذكر ابن عساكر في تأريخه أنه توفي في سنة 474 بالمرية، وقبره في الرباط، على حاشية البحر.

ببشتر
بالأندلس، حصن منيع بينه وبين قرطبة ثمانون ميلاً، وهو حصن تزل عنه الأبصار، فكيف الأقدام، على صخرةٍ صماء منقطعةٍ، لها بابان يتوصل إلى أعلاهما من شعب يسلكه الراجل الخفيف، وطريقه عند الطلوع والهبوط على النهر، وأعلى الصخرة سهلة مربعة ذات مياهٍ كثيرةٍ تقطع الحجر، فينبعث الماء العذب، وينبط فيها الآبار بأيسر عملٍ وكدٍ.
وحصن ببشتر كان قاعدة العجم، كثير الديارات والكنائس والدواميس، ولهذا الحصن قرى كثيرة، وحصون خطيرة، وما حوله كثير المياه، والأشجار، والثمار، والكروم، وشجر التين، وأصناف الفواكه، والزيتون؛ وما بها الآن إلا نبذ مما كان، فإن فتنة ابن حفصون أتت على أكثر ذلك.

بجانة
بفتح الباء بعدها جيم مفتوحة مشددة بعدها ألف وبعد الألف نون.
مدينة بالأندلس، كانت في قديم الدهر من أشرف قرى أرش اليمن، وإنما سمى الإقليم أرش اليمن لأن بني أمية لما دخلوا الأندلس أنزلوا بني سراج القضاعيين في هذا الإقليم، وجعلوا إليهم حراسة ما يليهم من البحر وحفظ الساحل، فكان ما ضمنوا من مرسى كذا إلى مرسى كذا يسمى أرش اليمن، أي عطيتهم ونحلتهم.
(1/37)
____
وبقرب بجانة كان جامع الإقليم بالأعظم، إلا أنها كانت حارات مفترقة حتى نزلها البحريون وتغلبوا على ما كان فيها من العرب وصار الأمر لهم فجمعوها وبنوا سورها، وامتثلوا في ذلك ببنية قرطبة وترتيبها، وجعلوا على أحد أبوابها صورة تشا كل الصورة التي على باب القنطرة، فأمتها الناس من كل جهةٍ وانجفلوا إليها من كل ناحيةٍ، فارين من الفتن التي كانت إذ ذاك شاملةً، فكانت أمنا لمن قصدها، وحرماً لمن لجأ إليها، وكانت الميرة تجلب إليها من العدوة، وضروب المرافق والتجارات؛ وكان ذلك أيضاً من الأسباب الداعية إلى قصدها واستيطانها، وصار حولها أرباض كثيرة. ويدخلها من النهر جدولان، أحدهما بأعلى المدينة من جانب الشرق ويسقى بساتينها كلها، والثاني يشق الأرباض الجوفية، ويخرج عنها إلى الأرباض القبلية، حتى يقع في النهر هناك؛ وجامعها داخل المدينة، بناه عمر بن أسود، وفيه قبو على قبةٍ فيها أحدى عشر حنية، منضربة على أربعة عشر عموداً، فنقش أعاليه بنقوش عجيبة. وبغربى القبو ثلاث بلاطات أوسع من الشرقية على عمد صخرٍ، وفي الصحن بئر عذبة؛ وكان بمدينة بجانة إحدى عشر حماماً، وطرز حريرٍ ومتاجر رابحة، وكان يذهب الوادي الآتي من شرقيها كثيراً من أرباضها وأسواقها عند حمله.
وبشرقى بجانة على ثلاثة أميالٍ جبل شامخ فيه معادن غريبة، وفيه الحمة العجيبة الشأن، ليس لها نظير في الأندلس، في طيب مائها وعذوته وصفائه وبذرقته ونفعه عموم بركته، يقصدها أهل الأسقام والعاهات من جميع النواحي، فلا يكاد يخطئهم نفعها، وعليها من بناء الأول صهريج إلى جانب العين مربع واسع كانوا قد
(1/38)
____
بنوا على شرقيه قيوين، فأعلاهما هناك ظاهر إلى اليوم، والجدر الباقية حواليه، واتخذوا على ذلك الماء قريةً كثيرة الزيتون والأشجار وضروب الثمار، يسقى جميعها من هذا الماء، تعرف بقرية الحمة، وما فضل عن سقى هذه القرية يجتمع أسفلها في صهريجٍ عظيمٍ من بناء الأول أيضاً، فإذا تكامل فيه الماء سرب إلى قريةٍ متخذةٍ تسمى آبله، فسقيت بذلك الماء.
وبجوفي مدينة بجانة حمة أخرى أغزر من الحمة الأولى، أنجع في الأسقام، وأصلح للأبدان، وهم يزعمون أن جرى الأولى على الكبريت، وجرى هذه على النحاس؛ وتذكر الأعاجم أن ملك تدمير وملك ريه في غابر الدهر خطبا ابنة ملك أرش اليمن وما يليه، فشرطت ابنة الملك أن من بلغ ماء إحدى الحمتين حتى يدخله في دار سكنى أبيها وكان في موضع مدينة بجانة اليوم أنه أحق ببضعها؛ فجد كل واحدٍ منهما في ذلك وجهد جهده، وبنيا قنى يجلبون الماء فيها، فاعترض صاحب الحمة الجوفية خندق، ولم يكن بد من بناء قناطر عليه، فشغله ذلك حتى بلغ صاحب الحمة الشرقية ماءه، فزوجه الملك ابنته؛ وأثر ما حاولاه من ذلك باقٍ في الجانبين إلى اليوم؛ وبين بجانة والمرية خمسة أميال أو ستة أميال.

بواسطة : rasl_essaher
 0  0  567