مدينة بربشتر و برذال وبرذيل
بربشتر
هي مدينة من بلاد بريطانية بالأندلس، وهي حصن على نهرٍ مخرجه من عين قريبةٍ منها، وبربشتر من أمهات مدن الثغر الفائقة في الحصانة والامتناع، وقد
(1/39)
____
غزاها على غرةٍ، وقلة عددٍ من أهلها، وعدةٍ، أهل غاليش والروذمانون، وكان عليهم رئيس يسمى ألبيطش، وكان في عسكره نحو أربعين ألف فارسٍ، فحصرها أربعين يوماً حتى افتتحها، وذلك في سنة 456، فقتلوا عامة رجالها، وسبوا فيها من ذرارى المسلمين ونسائهم مالا يحصى كثرةً؛ ويذكر أنهم اختاروا من أبكار جوارى المسلمين وأهل الحسن منهن خمسة آلاف جارية، فأهدوهن إلى صاحب القسطنطينية، وأصابوا فيها من الأموال والأمتعة ما يعجز عن وصفه، وتخلفوا فيها من جلة رجالهم وأهل البأس منهم من وثقوا بضبطه لها، ومنعه إياها، واستوطنوها بالأهل والولد وجعلوها ثغراً من ثغورهم، ثم انصرفوا عنها.
وفي ذلك يقول الفقيه الزاهد ابن العسال من قصيدة كامل:
ولقد رمانا المشركون بأسهمٍ ... لم تخط لكن شأنها الصماء
هتكوا بخيلهم قصور حريمها ... لم يبق لا جبل ولا بطحاء
جاسوا خلال ديارهم فلهم بها ... في كل يومٍ غارة شعراء
باتت قلوب المسلمين برعبهم ... فحماتنا في حربهم جبناء
كم موضع غنموه لم يرحم به ... طفل ولا شيخ ولا عذراء
ولكم رضيع فرقوا من أمه ... فله إليها ضجة وبغاء
ولرب مولودٍ أبوه مجدل ... فوق التراب وفرشه البيداء
ومصونةٍ في خدرها محجوبةٍ ... قد أبرزوها ما لها استخفاء
(1/40)
____
وعزيز قومٍ صار في أيديهم ... فعليه بعد العزة استخذاء
لولا ذنوب المسلمين وأنهم ... ركبوا الكبائر ما لهن خفاء
ما كان ينصر للنصارى فارس ... أبداً عليهم فالذنوب الداء
فشرارهم لا يختفون بشرهم ... وصلاح منتحلى الصلاح رياء
ثم تداعت لأخذها ممالك الأندلس، وجمع أحمد بن سليمان بن هود صاحب سرقسطة وجهاتها أهل الثغور، ونهد إليها في جمع كثيفٍ، ذوى جدٍ وحدٍ، ففتحها الله عز وجل على يديه عنوةً، فقتل المقاتلة وسبى النساء والذرية، ودخل منها سرقسطة نحو خمسة آلاف سبيةٍ مختارةٍ، ونحو ألف فرسٍ وألف درع، وأموال كثيرة، وثياب جليلة، وعدة وسلاح؛ وكان افتتاحه لها لثمانٍ خلون من جمادى الأولى سنة457، ولذلك تسمى بالمقتدر بالله، وكانت مدة ملك النصارى لها تسعة أشهرٍ
برذال
مدينة من إقليم برغش، كاملة شاملة بضروب النعم كثيرة الفواكه، بينها وبين البحر اثنا عشر
برذيل
في بلاد جليقية، وإقليم برذيل من أشرف أقاليم تلك الناحية، وهو كثير الكروم والفاكهة والحبوب، وهي مدينة كبيرة مبنية بالكلس والرمل، وهي على نهرٍ عجاج يسمى جرونة، وربما عطبت مراكب المجوس فيه عند الأهوال لاتساعه وانخراقه، وبين هذه المدينة وموقع نهرها في البحر مائة وخمسون ميلاً؛ وأهل برذيل في
(1/41)
____
أخلاقهم ولباسهم على أخلاق الجليقيين؛ وبجوفي مدينة برذيل بنيان منيف على سوارٍ ساميةٍ جليلةٍ هو قصر طيطش، وفي سواحل هذه المدينة يوجد العنبر.