• !
×

rasl_essaher

مدينة بطليوس و بلاطة و بلطش وبلنسية

بطليوس
بالأندلس من إقليم ماردة، بينهما أربعون ميلاً، وهي حديثة الاتخاذ، بناها عبد الرحمن بن مروان المعروف بالجليقى بإذن الأمير عبد الله له في ذلك، فأنفذ له جملة من البناة، وقطعة من المال، فشرع في بناء الجامع باللبن والطابية، وبنى صومعته خاصةً بالحجر، واتخذ مقصورةً، وبنى مسجداً خاصاً بداخل الحصن، وابتنى الحمام الذي على باب المدينة، وأقام البناة عنده حتى ابتنوا له عدة مساجد؛ وكان سور بطليوس مبنيا بالتراب، وهو اليوم مبنى بالكلس والجندل، وبنى في سنة 421.
وهي مدينة جليلة في بسيطٍ من الأرض، ولها ربض كبير أكبر من المدينة في شرقيها، فخلا بالفتن، وهي على ضفة نهرها الكبير المسمى الغور، لأنه يكون في موضع يحمل السفن، ثم يغور تحت الأرض حتى لا توجد منه قطرة، فسمى الغؤور لذلك، وينتهي جريه إلى حصن ما رتلة، ويصب قريباً من جزيرة شلطيش؛ ومن بطليوس إلى إشبيلية ستة أيامٍ، ومنها إلى قرطبة ستة مراحل.

بلاطة
فحص بلاطة بالأندلس بين أشبونة وشنترين. يقول أهل أشبونة وأكثر أهل الغرب إن الحنطة تزرع بهذا الفحص، فتقيم في الأرض أربعين يوماً فتحصد، وإن الكيل الواحد منها يعطى مائة كيل، وربما زاد ونقص.
(1/46)
____
بلطش
بالأندلس، إقليم من أقاليم سرقسطة، ونهر هذا الإقليم يسقى مسافة عشرين ميلاً، وبقرب بلطش موضع ينفجر بالماء العذب أول ليلة شهر أغشت، ومن الغد إلى حد الزوال، ثم يبدو فيه القلوص والنقصان، فإذا غربت الشمس، جف إلى تلك الليلة من العام المستقبل، هذا دأبه أبداً.

بلنسية
في شرق الأندلس، بينها وبين قرطبة على طريق بجانة ستة عشر يوماً، وعلى الجادة ثلاثة عشر يوماً.
وهي مدينة سهلية، وقاعدة من قواعد الأندلس، في مستوٍ من الأرض، عامرة القطر، كثيرة التجارات، وبها أسواق وحط وإقلاع، وبينها وبين البحر ثلاثة أميال. وهي على نهرٍ جارٍ ينتفع به، ويسقى المزارع، ولها عليه بساتين، وجنات، وعمارات متصلة.
والسفن تدخل نهرها، وسورها مبنى بالحجر والطوابى، ولها أربعة أبواب، وهي من أمصار الأندلس الموصوفة، وحواضرها المقدمة، ولأهلها حسن زيٍ، وكرم طباع، والغالب عليهم طيب النفوس، والميل إلى الراحات، وهي في أكثر الأمور راخية الأسعار، كثيرة الفواكه والثمار، جامعة لخيرات البر والبحر، ولها أقاليم كثيرة، وهي في الجزء الرابع من قسمة قسطنطين.
(1/47)
____
وكان الروم تغلبوا على بلنسية قديماً، ثم أحرقوها عند خروجهم منها سنة495، فقال أبو إسحاق إبراهيم بن أبي الفتح بن خفاجة كامل:
عاثت بساحتك الظبى يادار ... ومحا محاسنك البلى والنار
فإذا تردد في جنابك ناظر ... طال اعتبار فيك واستعبار
أرض تقاذفت النوى بقطينها ... وتمخضت بخرابها الأقدار
فجعلت أنشد خير سادة أهلها ... لا أنت أنت ولا الديار ديار
وقال الأستاذ أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن خلصة البلنسى بسيط:
وروضة زرتها للانس مبتغياً ... فأوحشتنى لذكرى سادةٍ هلكوا
تغيرت بعدهم خرباً وحق لها ... مكان نوارها أن ينبت الحسك
لو أنها نطقت قالت لفقدهم ... بأن الخليط ولم يرثوا لمن تركوا
ثم في سنة 630، ملك الروم بلنسية صلحاً، واستولى عليها ملك أرغون جاقمه، وأكثر أدباؤها بكاؤها، والتأسف عليها نظماً ونثراً؛ فمن ذلك قول الكاتب أبي المطرف ابن عميرة، خاطب به الكاتب أبا عبد الله بن الأبار، جواباً عن رسالةٍ: طارحنى حديث موردٍ جف، وقطينٍ خف؛ فيا لله لأترابٍ درجوا، وأصحاب عن الأمطان خرجوا؛ قصت الأجنحة وقيل: طيروا، وإنما هو القتل أو الأسر أو تسيروا؛ فتفرقوا أيدي سبا، وانتشروا ملء الوهاد والربا؛ ففي كل جانبٍ عويل وزفره، وبكل صدرٍ غليل وحسره؛ ولكل عينٍ عبره، لا ترقأ من أجلها عبره؛
(1/48)
____
داء خاص بلادنا حين أتاها، وما زال بها حتى سجى على موتاها، وشجا ليومها الأطول كهلها وفتاها؛ وأنذر بها في القوم بحران أنيجه، يوم أثاروا أسدها المهيجه؛ فكانت تلك الحطمة طل الشؤبوب، وبا كورة البلاء المصبوب؛ اثكلتنا إخواناً أبكانا نعيهم، فالله أحوذيهم وألمعيهم؛ ذاك أبو ربيعنا، وشيخ جميعنا؛ سعد بشهادة يومه، ولم ير ما يسوءه في أهله وقومه؛ وبعد ذلك أخذ من الأم بالمخنق، وهي بلنسية ذات الحسن والبهجة والرونق؛ وما لبث أن أخرس من مسجدها لسان الأذان، وأخرج من جسدها روح الإيمان؛ فبرح الخفاء، وقيل على آثار من ذهب العفاء وانعطفت النوائب مفردةً ومركبةً كما تعطف الفاء؛ وأودت الخفة والحصافه، وذهب الجسر والرصافة؛ ومزقت الحلة والسهله، وأوحشت الجرف والرمله؛ ونزلت بالحارة وقعة الحره، وحصلت الكنيسة من جآذرها وظبائها على طول الحسره؛ فأين تلك الخمائل ونضرتها، والجداول وخضرتها؛ والأندية وأرجها، والأودية ومنعرجها؛ النواسم وهبوب مبتلها، والأصائل وشجوب معتلها؛ دار ضاحكت الشمس بحرها وبحيرتها، وأزهار ترى من أدمع الطل في أعينها ترددها وحيرتها؛ ثم زحفت كتيبة الكفر بزرقها وشقرها، حتى أحاطت بجزيرة شقرها؛ فآها لمسقط الرأس هوى نجمه، ولفادح الخطب سرى كلمه؛ وبالجنة أجرى الله تعالى النهر تحتها، وروضةٍ أجاد أبو إسحاق نعتها؛ وإنما كانت داره التي فييها دب، وعلى أوصاف محاسنها ألب، وفيها أتته منيته كما شاء وأحب؛ ولم تعدم بعده محبين قشيبهم إليها ساقوه، ودمعهم عليها أراقوه.
وله من رسالةٍ أخرى في المعنى: ثم ردف الخطاب الثاني بقاصمة المتون،
(1/49)
____
وقاضية المنون، ومضرمة الشجون، ومذرية ماء الشؤون؛ وهو الحادث في بلنسية دار النحر، وحاضرة البر والبحر؛ ومطمح أهل السياده، ومطرح شعاع البهجة والنضاده؛ أودى الكفر بإيمانها، وأبطل الناقوس صوت أذانها؛ ودهاها الخطب الذي أنسى الخطوب، وأذاب القلوب، وعلم سهام الأحزان أن تصيب، ودموع الأجفان أن تصوب؛ فيا ثكل الإسلام، ويا شجو الصلاة والصيام؛ يوم الثلاثاء، وما يوم الثلاثاء، يا ويح الداهية الدهياء، وتأخير الإقدام عن موقف العزاء؛ أين الصبر وفؤادي أنسيه، لم يبق لقومي على الرمى سيه؛ هيهات نجد ما مضى من اتنسية، من بعد مصابٍ حل في بلنسيه.
يا طول هذه الحسره! ألا جابر لهذه الكسره؟ أكل أو قاتنا ساعة العسرة؟ أخى! أين أيامنا الخوالي؟ وليالينا على التوالي؟ ولأية عيش نعم بها الوالي؟ ومسندات أنس يعدها الرواة من الغوالي؛ بعداً لك يا يوم الثلاثاء من صفر، ما ذنبك عندي بشيئ يغتفر؛ قد أشمت بالإسلام حزب من كفر، من أين لنا المفر كلا لأمفر.
كل رزءٍ في هذا الرزء يندرج، وقد اشتدت الأزمة فقل لي متى تنفرج، كيف انتفاعنا بالضحى والأصائل إذا لم يعد ذلك النسيم الأرج؛ ليس لنا إلا التسليم، والرضى بما قضاه الخلاق العليم.
وقال في رسالةٍ أخرى في المعنى: وأجريت خبر الحادثة التي محقت بدر التمام، وذهبت بنضارة الأيام: فيا من حضر يوم البطشه، وعزى في أنسه بعد تلك الوحشه؛ أحقاً إنه دكت الأرض، ونزف المعين والبرض؛ وصوح روض المنى، وصرح الخطب وما كنى؟ أبن لي كيف فقدت رجاحة الأحلام، وعقدت مناحة الإسلام؛
(1/50)
____
وجاء اليوم العسر، وأوقدت نار الحزن فلا تزال تستعر؛ حلم ما نرى؟ بل ما رأى ذا حالم، طوفان يقال عنده لا عاصم، من ينصفنا من الزمان الظالم، الله بما يلقى الفؤاد عالم؛ بالله أي نحوٍ تنحو، ومسطورٍ تثبت وتمحو؛ وقد حذف الأصلى والزائد، وذهبت الصلة والعائد؛ وباب التعجب طال، وحال البائس لا تخشى الانتقال؛ وذهبت علامة الرفع، وفقدت سلامة الجمع؛ والمعتل أعدى الصحيح، والمثلث أردى الفصيح؛ وامتنعت العجمة من الصرف، وأمنت زيادتها من الحذف؛ ومالت قواعد الملة، وصرنا إلى جمع القله؛ وللشرك صيال وتخمط، ولقرنه في شركه تخبط؛ وقد عاد الدين الى غربته، وشرق الإسلام بكربته؛ كأن لم يسمع بنصر ابن نصيرٍ، وطرق طارقٍ بكل خيرٍ؛ ونهشات حنشٍ وكيف أعيت الرقى، وأذالت بليل السليم يوم الملتقى، ولم تخبر عن المروانية وصوائفها، وفتى معافر وتعفيره للأوثان وطوائفها: لله ذلك السلف، لقد طال الأسى عليهم والأسف.
وقال في رسالةٍ أخرى: وما الذي نبغيه، وأي أمل لا نطرحه ونلغيه؛ بعد الحادثة الكبرى، والمصيبة التي كل كبدٍ لها حرى، وكل عينٍ من أجلها عبرى: لكن هو القضاء لا يرد، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
ومما قاله في ذلك من المنظوم قوله كامل:
ما بال دمعك لا ينى مدراره ... أم ما لقلبك لا يقر قراره
أللوعةٍ بين الضلوع لظاعنٍ ... سارت ركائبه وشطت داره
أم للشباب تقاذفت أوطانه ... بعد الدنو وأخفقت أوطاره
أم للزمان أتى بخطب فادح ... من مثل حادثة خلت أعصاره
(1/51)
____
بحر من الأحزان عب عبابه ... وارتج ما بين الحشا زخاره
في كل قلبٍ منه وجد عنده ... أسف طويل ليس تخبو ناره
أما بلنسية فمثوى كافرٍ ... حفت به في عقرها كفاره
زرع من المكروه حل حصاده ... عند الغدو غداة لج حصاره
وعزيمة للشرك جعجع بالهدى ... أنصارها إذ خانه أنصاره
قل كيف تثبت بعد تمزيق العدا ... آثاره أم كيف يدرك ثاره
ما كان ذاك المصر إلا جنة ... للحسن تجرى تحته أنهاره
طابت بطيب بهاره آصاله ... وتعطرت بنسيمه أشجاره
أما السرار فقد غداه وهل سوى ... قمر السماء يزول عنه سراره
قد كان يشرق بالهداية ليله ... والآن أظلم بالضلال نهاره
ودجا به ليل الخطوب بصبحه ... أعيا على أبصارنا إسفاره
ومما صدر عن الكاتب أبي عبد الله محمد بن الأبار في ذلك من رسالةٍ: وأما الأوطان المحبب عهدها بحكم الشباب، المشبب فيها بمحاسن الأحباب: فقد ودعنا معاهدها وداع الأبد، وأخنى عليه الذي أخنى على لبد؛ أسلمها الإسلام، وانتظمها الانتثار والاصطلام؛ حين وقعت أنسرها الطائره، وطلعت أنحسها الغائرة؛ فغلب على الجذل الحزن، وذهب مع المسكن السكن: بسيط
كزعزع الريح صك الدوح عاصفها ... فلم يدع من جنى فيها ولا غصن
واهاً وواهاً يموت الصبر بينهما ... موت المحامد بين البخل والجبن
أين بلنسية ومغانيها، وأغاريد ورقها وأغانيها؛ أين حلى رصافتها وجسرها،
(1/52)
____
ومنزلا عطائها ونصرها؛ أين أفياؤها تندى غضاره، وركاؤها تبدو من خضاره؛ أين جداولها الطفاحة وخمائلها، أين جنائبها النفاحة وشمائلها؛ شد ما عطل من قلائد أزهارها نحرها، وخلعت شعشعانية ضحاها بحيرتها وبحرها؛ فأية حيلةٍ لا حيلة في صرفها مع صرف الزمان، وهل كانت حتى بانت إلا رونق الحق وبشاشة الإيمان؛ ثم لم يلبث داء عقرها، أن دب إلى جزيرة شقرها؛ فأمر عذبها النمير، وذوى غصنها النضير؛ وخرست حمائم أدواحها، وركدت نواسم أرواحها؛ ومع ذلك اقتحمت دانيه، فنزحت قطوفها وهي داينة؛ ويالشاطبة وبطحائها، من حيف الأيام وإنحائها؛ ولهفاه ثم لهفاه على تدمير وتلاعها، وجيان وقلاعها؛ وقرطبة ونواديها، وحمص وواديها؛ كلها رعى كلأها، ودهى بالتفريق والتمزيق ملأها؛ عض الحصار أكثرها، وطمس الكفر عينها وأثرها؛ وتلك إلبيرة بصدد البوار، وريه في مثل حلقة السوار؛ ولا مرية في المرية وخفضها على الجوار؛ وإلى بنيات لواحق بالأمهات، ونواطق بهاك لأول ناطقٍ بهات؛ ما هذا النفخ بالمعمور، أهو النفخ في الصور، أم النفر عارياً من الحج المبرور؛ وما لأندلس أصيبت بأشرافها، ونقصت من أطرافها؛ قوض عن صوامعها الأذان، وصمت بالنواقيس فيها الآذان؛ أجنت ما لم تجن الأصقاع، أعقت الحق فحاق بها الإيقاع؛ كلا بل دانت للسنة، وكانت من البدع في أحصن جنه؛ هذه المروانية مع اشتداد أركانها، وامتداد سلطانها؛ ألقت حب آل النبوة في حبات القلوب، وألوت ما ظفرت من خلعةٍ ولا قلعةٍ بمطلوب؛ إلى المرابطة بأقصى الثغور، والمحافظة على معالي الأمور، والركون إلى الهضبة المنيع، ة والروضة المريعه، من معاداة الشيعه، وموالاة الشريعه؛ فليت شعرى بم استوثق
(1/53)
____
تمحيصها، ولم تعلق بعموم البلوى تخصيصها؛ اللهم غفراً! طالما ضر ضجر، ومن الأنباء ما فيه مزدجر؛ جرى بما لم نقدره المقدور، فما عسى أن ينفث به المصدور؛ وربنا الحكيم العليم، فحسبنا التفويض له والتسليم؛ ويا عجبا لبنى الأصفر، أنسيت مرج الصفر، ورميها يوم اليرموك بكل أغلب غضفر؛ دع ذا فالعهد به بعيد، ومن اتعظ بغيره فهو سيعد؛ هلا تذكرت العامرية وغزواتها، وهابت العامرية وهبواتها.
ومما قاله في ذلك من المنظوم، قصيدته السينية التي أولها: بسيط.
أدرك بخيلك خيل الله أندلسا يقول فيها:
يا للجزيرة أضحى أهلها جزاراً ... للحادثات وأمسى جدها تعسا
يا للمساجد عادت للعدى بيعاً ... وللنداء يرى أثناءها جرسا
لهفى عليها إلى استرجاع فائتها ... مدارساً للمثانى أصبحت درساً
كانت حدائق للأحداق مونقةً ... فصوح النضر من أدواحها وعسا
وحال ما حولها من منظر عجبٍ ... يستجلس الركب أو يستركب الجلسا
محا محاسنها طاغ أتيح لها ... ما نام عن هضمها حيناً ولا نعسا
ورج أرجاءها لما أحاط بها ... فغادر الشم من أعلامها خنسا
مدائن حلها الإشراك مبتسما ... جذلان وارتحل الإيمان مبتئسا
وصيرتها العوادي العائثات بها ... يستوحش الطرف منها ضعف ما أنسا
(1/54)
____
وفي بلنسيةٍ منها وقرطبة ... ما ينسف النفس أو ما ينزف النفسا
وهي طويلة.
وفي بلنسية، يقول أبو عبد الله بن عياش طويل:
بلنسية بيني عن القلب سلوةً ... فإنك روض لا أحن لزهرك
وكيف يحب المرء داراً تقسمت ... على صارمي جوع وفتنة مشرك
وانتقض من هذا القول أبو الحسن بن حريق فأجاب وافر:
بلنسية نهاية كل حسن ... حديث صح في شرق وغرب
فإن قالوا محل غلاء سعرٍ ... ومسقط ديمتى طعن وضرب
فقل هي جنة حفت رباها ... بمكروهين من خوفٍ وحرب

بواسطة : rasl_essaher
 0  0  781