• !
×

rasl_essaher

بنبابش و بنبلونة وبنشكلة و البونت وبيارة و بيّاسة

بنبابش
مدينة في بلاد الإفرنجة، عامرة، كثيرة الأهل، سورها بالآجر والكلس، وبها نحو من خمسمائة حداد، يعملون الدروع والسيوف والبيضات والرماح؛ وهو بلد واسع الخطة، كثير الخير، وتنتهي أحوازها في الجوف إلى البحر المحيط مسيرة ثلاثة أيامٍ، وأهل بنبابش يزعمون أنهم من الإفرنج، يشبهونهم في صفتهم وملابسهم وهيئتهم وأخلاقهم.

بنبلونة
مدينة بالأندلس، بينها وبين سرقسطة مائة وخمسة وعشرون ميلاً، بها كانت دار مملكة غرسية بن شانجه سنة 330، وهي بين جبالٍ شامخةٍ، وشعاب غامضةٍ،
(1/55)
____
قليلة الخيرات، أهلها فقراء، جاعة لصوص، وأكثرهم متكلمون بالبشقية لا يفهمون؛ وخيلهم أصلب الدواب حافراً الخشونة بلادهم، ويسكنون على البحر المحيط في الجوف.

بنشكلة
حصن بالأندلس، وبالقرب من طركونة، منيع على ضفة البحر، وهو عامر آهل، وله قرى وعمارات ومياه كثيرة، وبه عين ثرة تريق في البحر، ويقابل مرسى بنشكلة من بر العدوة جزائر بنى مزغناى، بينه وبينها ستة مجارٍ.

البونت
هي قرية من أعمال بلنسية، ينسب إليها صاحب الوثائق المجموعة، عبد الله بن فتوح بن عبد الواحد.

بيارة
مدينة بالأندلس، قريبة من بلكونة، بينهما عشرة أميال، وكان ميناها على النهر الأعظم معقوداً بالرصيف، وكانت المحجة العظمى عليها من باب نربونة إلى بابها إلى باب قرطبة، وحنية بابها باقية لم تتثلم وهي عالية، لا يدرك أعلاها فارس بقناته، وكانت من بناء ركارد بن لويلد ملك القوط، وهو الذي جمع الفرق، وقطع الشعوب، وبث الاختلاف، وقدم ثمانين أسقفاً على ثمانين مدينة، وكان مستقره طليطلة، وهو الذي بنى الكنائس الجليلة في نواحي الأندلس، وهو الذي قال بالتثليث.
(1/56)
____
بيّاسة
بالأندلس أيضاً: بينها وبين جيان عشرون ميلاً، وكل واحدةٍ منهما تظهر من الأخرى؛
وبياسة على كديةٍ من ترابٍ، مطلةٍ على النهر الكبير المنحدر إلى قرطبة، وهي مدينة ذات أسوارٍ وأسواقٍ ومتاجر، وحولها زراعات، ومستغلات الزعفران بها كثيرة.
وفي سنة 623، ملك الروم بياسة يوم عرفة من ذي حجتها، وكان صاحب جيان إذ ذاك عبد الله بن محمد بن عمر بن عبد المؤمن، قد تغير له عبد الله العادل بن المنصور، صاحب إشبيلية، فخافه فخرج إلى بياسة ودخلها، وكلم أهلها في مساعدته وامتناعه بهم، إلى أن يأخذ لنفسه الأمان، فساعدوه على مراده، ومنعوه عن رأيه، فجهز إليه العادل العساكر، وقدم عليهم إدريس بن المنصور؛ فلما نزلوا بظاهر بياسة مكثوا عليها أياماً، والزمان شاتٍ، فلم يغنوا شيئاً؛ وأرد عبد الله صاحب بياسة تفريق ذلك الجمع بما أمكن، فداخله بأن صالحة على أن يدفع له ابناً صغيراً ليكون رهينة لديه بطاعته؛ فوجد إدريس السبيل إلى الانصراف عنه، وكان أكبر همه؛ إذ قد جهده وأصحابه شدة البرد ونزول المطر، إلى ما كانوا يخافونه من مد النهر، ووصول روم طليطلة، الذين كانوا أولياء لصاحب بياسة، وأنصاراً له؛ فخاف أن يدعو بهم، فيلبوه، إذ كان حصل من أنفسهم محلاً كثيراً لشجاعته؛ فارتحل أبو العلاء لذلك، ورأى أنه قد صنع شيئاً، وأنه قد أقام عذره فلما وصل إلى إشبيلية، استقصر فعله، واستهجن رأيه، وبقي عندهم كالخامل المتخوف.
(1/57)
____
ثم جهزوا بعده جيشاً آخر إلى بياسة، قدموا عليه عثمان بن أبي حفص، فسار حتى بلغ قبلى بياسة، خلف النهر الكبير، على خمسة أميال من بياسة، فبرز إليهم دون المائة من فرسان عبد الله صاحب بياسة، ومن الروم الذين معه؛ فلما رأوهم انهزموا، وولوا الأدبار، ولم يجتمع منهم أحد؛ وبقى صاحب بياسة ببلده، ولا أحد يرومه، إلى أن تملك قرطبة ومالقة وغيرهما؛ وكاد يستولى على الأمر لو ساعده القدر، وخرج فأوقع بأهل إشبيلية بفحص القصر سنة622، وقتل منهم نحواً من ألفي رجل، وانصرف عنها مكسوراً مفلولاً.
وقد كان أدخل الروم قصبة بياسة وأسكنهم فيها، والمسلمون معهم في سائر المدينة، وكان دفعه القصبة إليهم على سبيل الرهن في مال كان تعين لهم عليه؛ فبقوا في القصبة ساكنين، والمسلمون في البلد يداخلونهم ويعاملونهم، وهو إذ ذاك في قرطبة مقيم؛ فلما غزا إشبيلية وانصرف عنه مفلولاً مكسوراً، ثار به أهل قرطبة؛ إذ توهموا أنه يريد إدخال النصارى مدينتهم، فخرج عنهم فاراً إلى الحصن المدور فأقام هناك، وبقيت قصبة بياسة بيد الروم وغلق الرهن، وأحب أهل بياسة إخراج الروم عن قصبتهم، فداخلوا صاحب جيان عمر بن عيسى بن أبي حفص بن يحيى، وسألوه المسير إليهم في جموعه، فجاءهم بحشوده ومعه محمد بن يوسف المسكدالي، فدخلوا بياسة، وأما من كان بالقصبة من الروم فلم ينالوا شيئاً، وأما من كان منهم بالمدينة فأتى عليها القتل بعد أن أبلوا في الدفاع، إلا أنهم غلبوا بالكثرة، وبقي أهل القصبة لا يستطيع أحد الوصول إليهم لحصانتها، ولو أراد الله تعالى لوفق هذا الوالي المقام؛ فإن أهل
(1/58)
____
القصبة لم يكن عندهم شئ يقتاتونه إلا ما يأتيهم من المدينة مياومةً، فلو مكث عليه يوماً أو يومين لضاقوا وخرجوا؛ ولم يكن أهل ملتهم نصروهم إلا في مدةٍ بعيدة لبعد المسافة، لكن أبى المقدار إلا أن يفرغ في يومه ذلك، ولم يختر على المبيت ليلةً واحدةً وظن أن الفجاج ترميه بالخيل والرجال، فقال لأهل البلد: أنا راجع؛ فمن أحب أن يخرج فليخرج، ومن أحب أن يقعد فليقعد! فرغبوه أن يمكث يوماً أو يومين فأبى عليهم إلا الرجوع في يومه، فلم يكن لأهل البلد بد من فراق بلدهم والخروج عن نعمتهم فتفرقوا في البلاد، وبقي الروم في جميع المدينة، وملكوها كلها.
ومن أهل بياسة الأديب التأريخى أبو الحجاج يوسف بن إبراهيم البياسى، مصنف كتاب الإعلام لحروب الإسلام، وغيره من تصانيفه.

بواسطة : rasl_essaher
 0  0  714