• !
×

rasl_essaher

العوامل الخارجية التي تساهم في تشكيل سطح اليابس

العوامل الخارجية التي تساهم في تشكيل سطح اليابس.
أنواعها:
بالإضافة إلى العوامل التكتونية التي سبق شرحها؛ فإن الصخور التي يتكون منها سطح الأرض تخضع كذلك لفعل عوامل خارجية كثيرة ومتنوعة، يؤثر كل منها في الصخور بشكل خاص، وإن كان من النادر أن يكون تأثير أي منها مستقلًا عن تأثيره غيره، والغالب هو أن يعمل أكثر من عامل من هذه العوامل في المكان الواحد في وقت واحد، وليس المظهر الجيومورفولوجي لأي منطقة من المناطق إلا نتيجة لتضافر مجموعة معقدة من العوامل الباطنية والخارجية على حد سواء. ومن الواضح أن المقصود بالعوامل الخارجية هو العوامل التي لا علاقة لها بحركات الباطن؛ بل ترتبط بظروف المناخ والمياه الجارية والتغيرات الكيميائية والميكانيكية التي تحدث على السطح.
وتنقسم العمليات التي تقوم بها العوامل الخارجية في تشكيل سطح الأرض إلى ثلاثة أقسام رئيسية هي:
أولًا: عمليات التجوية Weathering:
ويقصد بها عمليات تفكك الصخور وتفتتها أو تحللها مع بقائها في أماكنها.
ثانيًا: عمليات النحت والنقل والإرساب:
وهي تمثل سلسلة من العمليات التي تبدأ بعملية نحت الصخور Erosin أو تجويتها، ثم نقل المواد المفتتة Transportation إلى أماكن أخرى بواسطة الرياح أو المياه أو الجليد أو غيرها، وتنتهي بترسيب هذه المواد في الأماكن الجديدة Deposition. وهذه العمليات هي التي يطلق عليها في مجموعها اسم "التعرية Denudation " ويطلق على العوامل التي تسببها اسم "عوامل التعرية"؛ وذلك على الرغم من أن العملية الأخيرة منها وهي عملية الإرساب ليست في الواقع عملية تعرية؛ بل إنها على العكس من ذلك
(1/178)
____
عملية تغطية وبناء Aggradation. ونظرًا لأن العمليتين الأولى والثانية وهما عمليتا النحت والنقل يؤديان إلى تآكل وتخفيض سطح الأرض؛ فإنهما هما اللتان يشملهما تعبير "التحات Degratation".
ثالثًا: الانهيارات التي تتعرض لها طبقات الصخور وتكوينات التربة:
وهي لا تعتبر من عمليات التعرية على الرغم من وجود بعض الشبه في النتائج التي تترتب على كل منها؛ وذلك بسبب اختلاف طبيعة كل منهما واختلاف العوامل التي تتدخل في حدوثهما.
(1/179)
____
أولاً: التجوية WEATHERING.
تعريفها:
المقصود بالتجوية هو تفكك الصخور وتفتتها أو تحللها وهي في موضعها in citu أي دون أن يتغير موضع المواد المفككة أو المفتتة أو المتحللة. ومن الواضح أن تفكك الصخور وتفتتها هما عمليتان آليتان أو طبيعيتان، أما تحللها أو تحلل معادنها؛ فهي عملية كيميائية، وبناء على ذلك فإن هناك نوعين من التجوية أحدهما آلي أو طبيعي والثاني كيميائي. وعلى الرغم من هذا التقسيم فمن النادر أن يحدث أي نوع منهما بمفرده، والغالب هو أنهما يحدثان معًا؛ ولكن قد يكون أحدهما سائدًا على الآخر ويكون تأثيره أكبر وأوضح منه. ويتوقف ذلك على مدى توفر الظروف الملائمة لأي منهما في البيئات المختلفة.
وتأخذ عمليات التجوية الآلية أشكالًا مختلفة من أهمها تقشر سطح الصخور وتفكك الصخر نفسه أو تفتته. أما عمليات التجوية الكيميائية فأهمها الذوبان والتأكسد وهو اتحاد المعادن مع الأكسوجين لتكوين أكاسيد، ثم التكربن وهو الذوبان في المياه المحملة بثاني أكسيد الكربون والتموء وهو التحلل بواسطة الماء.
ومن الواضح أن عمليات التجوية مختلفة تمامًا عن عمليات التعرية، ومع ذلك فإن هناك علاقة قوية بينهما لأن كلا منهما تساعد الأخرى على القيام
(1/179)
____
بدورها. فمن المؤكد أن عوامل التعرية تستطيع أن تنحت الصخور التي أضعفتها أو فتتها التجوية بدرجة أكبر من نحتها الصخور التي لم تتأثر بها، كما أنه من المؤكد من ناحية أخرى أن إزالة عوامل التعرية للأجزاء الصخرية التي تفككت وتفتت بواسطة التجوية، أتؤدي إلى كشف سطوح جديدة من الصخر فتقوم التجوية بإضعافها وتفتيتها هي الأخرى، ومعنى ذلك أن هناك تضافرًا بين عمليات التجوية وعمليات التعرية على تشكيل سطح الأرض.
العوامل التي تتحكم في التجوية:
والعوامل التي تتحكم في التجوية كثيرة ومتشابكة، وليس من السهل أن نفصل الدور الذي يقوم كل عامل منها في تشكيل سطح الأرض عن الدور الذي يقوم به غيره من العوامل بما في ذلك عوامل التعرية، ومع ذلك فمن الممكن أن نقسم العوامل التي تؤثر في التجوية إلى أربعة أقسام هي:
1- تركيب الصخر Structure of the Rock
2- العوامل المناخية Climatic Factors
3- طوبراغرفية سطح الأرض Surface Topograhy
4- العوامل الحيوية Biological Factors.
(1/180)
____
ثانياً: التعرية DENUDATION OR EROSION.
تعريفها:
المقصود بالتعرية هو كشف السطح ونقل مواده من مكان إلى آخر، وهي تختلف اختلافًا جوهريًّا عن التجوية؛ فبينما لا تتضمن التجوية تحريك المواد التي تنتج عنها فإن التعرية تتضمن عمليات كثيرة تتلخص في نحت الصخور ونقل موادها من أماكنها. ومعنى ذلك أنها تؤدي وظيفتين متعارضتين إحداهما هي الكشف والهدم بواسطة نحت الصخور ونقل موادها، والثانية هي البناء بواسطة إرساب المواد المنقولة في أماكن جديدة؛ ولذلك فإن تسميتها بالتعرية فيه كثير من التجاوز، ولهذا السبب فإن كثيرًا من الكتاب الغربيين يستخدمون تعبير Denudation للدلالة على التعرية بمعناها الشامل الذي يتضمن الهدم والبناء معًا؛ بينما يستخدمون تعبير Erosion للدلالة على النحت والهدم.
وأهم عوامل التعرية بمعناها الشامل: هي الرياح والمياه الجارية ومياه البحار والجليد.
1- الرياح:
تساهم الرياح بطريق مباشر في تشكيل سطح الأرض، ويكون تأثيرها واضحًا بصفة خاصة في الأقاليم الصحراوية وشبه الصحراوية؛ لأن رياح هذه الأقاليم تكون قوية في أغلب الأوقات؛ ولأن سطح أرضها مكشوف ولا يحميه أي غطاء نباتي يستحق الذكر، ولهذا فقد أصبحت الرياح هي المسئولة عن تكوين كثير من الظاهرات الطوبرغرافية المنتشرة فيها؛ ولكن هذا لا يمنع من أن توجد في نفس هذه الأقاليم ظاهرات أخرى يرجع تكوينها إلى فعل المياه الجارية، كما سنبين عند الكلام على الدور الذي تقوم به هذه المياه في تشكيل سطح الأرض
ويتضمن دور الرياح في تشكيل سطح الأرض "وخصوصًا المناطق الجافة"
أربع عمليات محددة هي
1- النحت "أو البرد" Abrasion
2- الصقل بطريق الاحتكاك Attrition
(1/181)
____
شكل "68" بعض الأشكال الناتجة عن النحت بواسطة الرياح
شكل "69" كثيب هلالي
(1/182)
____
3- التذرية والنقل Deflation
4- الإرساب Deposition
وعلى الرغم من أن كل عملية من هذه العمليات تختلف في طبيعتها وفي وظيفتها عن العمليات الأخرى؛ فإنها جميعًا تؤدي أدوارها في وقت واحد. فعندها تقوم الرياح بنحت أو إزالة أجزاء من السطح، فإنها تحمل معها المواد الناعمة التي تكونت بسبب النحت والتجوية، ثم تقوم بترسيبها في أماكن جديدة. ومعنى ذلك أن الرياح تقوم بدورين متضادين أحدهما هو النحت والهدم، والثاني هو الإرساب والبناء، وأشهر الأشكال الجيومورفولوجية الناتجة عن النحت بواسطة الرياح هي المناضد والمسلات الصحراوية ومنخفضات كثير من الواحات، أما أشهر الأشكال الناتجة عن الإرساب الهوائي فهي الكثبان الرملية التي تأخذ غالبًا أشكالًا هلالية أو تأخذ أحيانًا أشكالًا طولية.
ب- المياه الجارية:
إن الدور الذي تقوم به المياه الجارية في تشكيل سطح الأرض يفوق الدور الذي يقوم به أي عامل آخر من عوامل التعرية، بما في ذلك الرياح؛ لأن المياه الجارية يظهر أثرها في كل الأقاليم تقريبًا، بما في ذلك الأقاليم الجافة، ولأنها كذلك ذات قدرة كبيرة على النحت والنقل. ويبدو هذا واضحًا من كثرة الوديان التي حفرتها وضخامة أحجام الكثير منها، ومن اتساع السهول الفيضية التي كونتها، وغير ذلك من المظاهر الكثيرة للتعرية المائية، ونظرًا لأن الأمطار هي مصدر كل المياه الجارية؛ فمن الطبيعي أن يكون دور هذه المياه في تشكيل السطح في الأقاليم المطيرة أكبر منه في غيرها. وأكبر مظهر من مظاهر جريان المياه السطحية هو الأنهار؛ ولذلك فإنها تعتبر من أهم الموضوعات التي يوجه إليها الاهتمام في دراسة الجغرافيا الطبيعية لسطح الأرض.
وتقوم المياه الجارية بكثير من عمليات النحت والإرساب، وأهم مظاهر النحت التي تقوم بها على الإطلاق هي حفر الوديان النهرية بمختلف أشكالها وأحجامها، والمساقط المائية التي تعترض مجاريها في بعض المواضع، أما أهم مظاهر الإرساب فهي السهول الفيضية التي تتكون حول مجاري الأنهار والدلتاوات التي
(1/183)
____
تتكون عادة عند مصباتها، وكذلك الدلتاوات الأرضية التي تتكون في الأقاليم الجافة عند نهايات الأخوار التي لا تصل إلى البحر.
نشأة الأنهار Rivers:
ويبدأ تكوين أي نظام نهري عندما تسقط الأمطار على أية منطقة جديدة من الأرض، ولتكن منطقة ظهرت حديثًا من تحت ماء البحر بسبب ارتفاع الأرض أو هبوط منسوب سطح البحر؛ فبمجرد سقوط الأمطار على هذه المنطقة فإن مياهها تجري على حسب ما تفرضه انحدارات سطح الأرض، وينتج عن ذلك تكون مسارب وبرك صغيرة. وإذا استمر سقوط الأمطار فإن المسارب تلتقي ببعضها وبالبرك الصغيرة، ويتزايد عمق بعض المسارب على حساب بعضها الآخر، كما تأخذ البرك في الاستطالة بسبب نحت المياه لأطرافها العليا وأطرافها السفلى، وبسبب اختراق بعض المسارب الكبيرة لها. وبمرور الزمن تستولي المسارب القوية على مياه المسارب الضعيفة فتتزايد أحجامها، ويتكون منها عدد أقل من الأنهار لا تلبث أن تلتقي ببعضها، ويتكون منها نهر واحد كبير يسير نحو المصب، ويكون هذا النهر هو الرئيسي؛ بينما تكون الأنهار التي تغذيه روافد له. ويطلق على الشبكة التي تضم النهر وكل روافده تعبير النظام النهري River System.
ويختلف الشكل العام الذي ينتج عن اتصال روافد النهر الواحد بعضها ببعض وبالنهر الرئيسي على عوامل كثيرة؛ أهمها مظاهر السطح في المنطقة التي يوجد بها حوضه، وتركيبها الجيولوجي وما يوجد بها من انكسارات أو مناطق ضعف، مثل وجود طبقات صخرية لينة متتابعة مع طبقات أشد منها صلابة، ومن الواضح أننا لا يمكن أن نجد نظامين نهريين متشابهين تمام التشابه من حيث شكليهما العام؛ ومع ذلك فقد قسم الباحثون الأشكال العامة التي يمكن أن تأخذها النظم المختلفة إلى عدة أنواع رئيسية أهمها:
1- النظام السحري الذي يأخذ في النهاية شكل الشجرة، وفيه تلتقي الروافد ببعضها وبالنهر الرئيسي بزوايا حادة، وهو يتكون على المنحدرات التي تتكون من صخور متجانسة "شكل 7 أ"
(1/184)
____
2- شكل المستقيمات المتعامدة وفيه تلتقي الروافد ببعضها وبالنهر الرئيسي بزوايا قائمة، وهو يتكون في المناطق التي تتكون من طبقات صخرية متعاقبة ومتباينة في صلابتها؛ بحيث تميل الروافد إلى أن تسير مع خطوط الضعف التي توجد في مناطق التقاء الطبقات الصخرية "شكل 70ب"
شكل "70" نظام التصريف النهري الشجري أونظام المستقيمات المتعامدة "ب"
ج- مياه البحار:
تلعب حركات مياه البحار، وخصوصًا الأمواج أدوارًا هامة في تشكيل السواحل؛ فعلى الرغم من أن حركات المد والجزر، وحركات التيارات البحرية لها أدوار جيومورفولوجية.
وتتوقف قدرة الأمواج على النحت على عدة عوامل أهمها:
1- قوة الأمواج نفسها.
2- طبيعة صخور الشاطئ من حيث صلابتها وتناسق طبقاتها واتجاه مياهها وما يوجد بها من مناطق ضعف مثل الشقوق والمفاصل.
3- طبيعة الساحل من حيث كونه مكونًا من جروف قائمة أو مسطحات رملية منخفضة أو بطيئة الانحدار، ومن حيث كونه
(1/185)
____
محميًّا في خلجان هادئة المياه أو مكشوفًا للتصادم المباشر بالأمواج.
4- كمية ما تلتقطه الأمواج عند تحركها من مواد صخرية مثل قطع الصخور والحصى والرمال؛ فكلما زادت كمية هذه المواد وزادت أحجامها زادت قدرة الأمواج على تحطيم صخور الشاطئ ونحتها.
وأهم الأشكال الجيومورفولوجية التي تنتج عن حركات مياه البحار هي: الجروف والكهوف الساحلية والمسلات والأقواس البحرية والشواطئ الرملية والحصوية.
شكل "71" قوس بحري
(1/186)
____
شكل "72" مسلة بحرية
د- الجليد:
يعتبر الجليد من أهم العوامل التي لعبت في الماضي، ولا تزال تلعب في الحاضر، دورًا أساسيًّا في تشكيل سطح الأرض، ولا تزال آثار التعرية الجليدية القديمة ظاهرة حتى الآن في كثير من المناطق التي تدخل في الوقت الحاضر ضمن الأقاليم المعتدلة أو الحارة مثل جنوب إفريقيا وأستراليا والهند والبرازيل، وهي المناطق التي كانت أجزاء من قارة جندوانا القديمة. ومن الثابت أن كثيرًا من المظاهر الجيومورفولوجية في وسط أوروبا وشمالها، وفي وسط أمريكا الشمالية وشمالها قد تكونت بسب التعرية الجليدية التي قام بها الجليد أثناء زحفه على هذه المناطق خلال العصور الجليدية في البليستوسين.
ويقوم الجليد أثناء الحركة ببعض عمليات النحت والإرساب، وأهم الأشكال الناتجة عن النحت الجليدي هي الوديان "أو الأنهار" الجليدية. والفيوردات التي يقطعها الجليد في جوانب الجبال. أما أهم مظاهر الإرساب؛ فهي الركامات الجليدية التي تتكون من رواسب متنوعة يلقى بها الجليد عند انصهاره على جوانب الوديان أو عند نهاياتها أو في أواسطها.
(1/187)
____
ثالثاً: الانهيارات والانزلاقات الأرضية Landslides & Landdlips.
تعتبر عمليات الانهيار والانزلاق الأرضية التي تحدث على منحدرات الجبال من العمليات الشائعة في كل المناطق الجبلية، وهي ذات تأثير هام على تشكيل هذه المنحدرات وتشكيل السهول والوديان المجاورة لها. وتقوم هذه العمليات بأدوار متشابهة للأدوار التي تقوم بها عمليات التعرية المختلفة؛ ولكنها تختلف عنها في أنها لا تنقل المواد الصخرية تدريجيًّا؛ وإنما تقوم بنقل كميات ضخمة منها من المنحدرات المرتفعة إلى المنحدرات المنخفضة أو إلى السهول والوديان المجاورة دفعة واحدة وبشكل فجائي في كثير من الأحيان.
وتحدث هذه العمليات بأشكال مختلفة؛ فمنها ما يحدث بشكل انهيار أو سقوط مفاجئ لجزء من الحافة الجبلية، ومنها ما يحدث بشكل انزلاق للمواد المفككة التي تتجمع على المنحدرات أو بشكل زحف بطيء لقطاعات كبيرة من التربة، وعلى أساس طبيعة هذه العمليات وطرق حدوثها يمكننا أن نقسمها إلى الأشكال الآتية:
1- السقوط أو الانهيار الصخري Rockfall أو Rockslide ويقصد به السقوط أو الانهيار المفاجئ لجزء من الحافة الجبلية على الأرض المنخفضة المجاورة لها.
2- انزلاق الحطام Debris Side ويقصد به انزلاق المواد الصخرية المفككة التي تتراكم على سطح الحافة.
3- الجريان الطيني Mudflow ويقصد به انزلاق المواد الطينية.
4- زحف التربة Soil- creep.
(1/188)
____
2-4-4- توازن القشرة الأرضية Isostacy of the Earth,s Crust.
في سنة 1889 اقترح الباحث الجيولوجي الأمريكي داتون C.E.Dutton نظريته التي حاول أن يفسر بها الطريقة التي تتوازن بها كتل اليابس المكونة من السايال SIAL فوق طبقة السيما SIMA. وقد اشتهرت هذه النظرية باسم نظرية التوازن Theory of Isostacy. وقد أدخل هذا التعبير في دراسة قشرة الأرض بعد أن أثبتت دراسات الزلازل والمغناطيسية أن كتل السايال التي تتكون منها كتل اليابس والتي يبلغ متوسط كثافتها 2.7 تتعمق في طبقة السيما التي يبلغ متوسط كثافتها 3.4 إلى أعماق تتناسب طرديًّا مع أحجامها، وإن هذا التعمق هو الذي يؤدي إلى بقائها في حالة توازن بنفس الطريقة التي تتوازن بها الأجسام المختلفة التي تطفو فوق سطح السوائل؛ فكلما كان الجسم ثقيلًا كان الجزء الغاطس منه في السائل كثيرًا؛ نظرًا لأن مواد السيما شديدة الصلابة جدًّا فإن تعمق كتل السايال فيها يحدث ببطء شديد، وتستغرق عمليات التوازن في هذه الحالة وقتًا طويلًا جدًّا بخلاف ما يحدث عند توازن الأجسام التي تطفو فوق السوائل.
شكل "73" نظرية التوازن
(1/189)
____
وبناء على نظرية التوازن فإن كتل اليابس تتعمق في طبقة السيما إلى أعماق تتناسب مع أحجامها وأوزانها؛ ولذلك فإن هذا التعمق يكون كبيرًا في مناطق الجبال منه في مناطق السهول أو المنخفضات، وكلما زادت ضخامة الجبال كان تعمقها أكبر. وتكون الأجزاء المتعمقة في السيما. بمثابة جذور تحفظ لهذه الجبال أو لكتل اليابس عمومًا توزانها، وقد يصل امتداد هذه الجذور إلى حوالي 40 كيلو مترًا في السيما. وهذا هو ما يحدث في مناطق الجبال الانثائية الكبرى في مختلف القارات، أما في المناطق السهلية فإن هذا التعمق يكون محدودًا جدًّا بسبب قلة سمك طبقة السيما، وصغر وزنها بالنسبة لهما في مناطق الجبال.
وعلى أساس هذه النظرية يمكننا أن نتصور ما يحدث إذا استطاعت عوامل التعرية أن تمحو منطقة جبلية وتنقل تكويناتها إلى منطقة أخرى. إن الذي يحدث في هذه الحالة هو أن المنطقة التي تراكمت عليها التكوينات تهبط تدريجيًّا بسبب الثقل الواقع عليها؛ فيزداد تبعًا لذلك العمق الذي تصل إليه جذورها في طبقة السيما؛ بينما يتناقص تعمق جذور المنطقة التي أزيلت تكويناتها في طبقة السيما بسبب تناقص حجمها ووزنها. ومعنى ذلك أن هناك عمليات توازن مستمرة في قشرة الأرض، وأن هذه العمليات مرتبطة بما يطرأ على السطح من تغيرات بسبب عمليات النحت والنقل والإرساب، أو بسبب أي عوامل أخرى، ومع ذلك فإن عمليات التوازن التي تعقب هذه التغيرات تكون غالبًا بطيئة جدًّا؛ بحيث لا تظهر آثارها إلا بمرور آلاف السنين. وذلك بسبب شدة صلابة السيما، ولهذا فإن ظهور نتائج عمليات التوازن يتخلف عن ظهور نتائج النقل والإرساب بوقت طويل.
وقد صادفت نظرية التوازن كثيرًا من النجاح منذ ظهورها، خصوصًا وأنها استطاعت أن تقدم تفسيرات معقولة لبعض الظاهرات الطبيعية التي كان من الصعب تفسيرها قبل ذلك ومن أمثلتها ما يأتي:
1- أن الأبحاث الجيولوجية وعمليات مسح الأراضي في المناطق الجبلية أوضحت أن قوة جذب الجبال للثقل المغناطيسي أقل مما كان مقدرًا لها، "حتى مع الأخذ بعين الاعتبار أن السايال التي تتكون منها الجبال قليلة الكثافة وقليلة الجاذبية
(1/190)
____
نسبيًّا"؛ فالمعروف أن الثقل المغناطيسي يتأثر في المناطق الجبلية بقوتين إحداهما هي قوة الجاذبية الأرضية التي تجذبه رأسيًّا، والثانية هي قوة جذب الجبال التي تشده أفقيًّا؛ فينحرف عن الاتجاه الرأسي بزاوية كان المفروض أن تكون متناسبة مع حجم الجبال. ولم يكن من السهل -قبل ظهور نظرية التوازن- معرفة السبب في صغر زاوية الانحراف عما كان مقدرًا، أما بعد ظهور هذه النظرية فقد أمكن تفسير هذه الظاهرة على أساس أن كتل السايال التي تتكون منها الجبال لا تقتصر على الجزء الذي يظهر منها على السطح؛ بل إنها تشمل كذلك الجذور التي تتعمق في السيما والتي تؤدي، بسبب قلة كثافتها نسبيًّا، إلى تقليل الجاذبية الأفقية عما كان يمكن أن يحدث لو أن السيما كانت ممتدة بدون انقطاع تحت الجبال حتى السطح.
2- أن أقدم الطبقات الرسوبية التي تتكون منها دلتاوات بعض الأنهار مثل نهر المسيسبي ونهر النيل قد وجدت على أعماق كبير جدًّا؛ بحيث يصعب التصور بأنها أرسبت فيها، ولكن من الممكن تفسير ذلك على أساس نظرية التوازن، بأن التراكم المستمر للرواسب هو الذي أدى بمرور الزمن إلى تزايد الثقل الواقع على الطبقات القديمة وإلى هبوطها بالتدريج إلى مستوى أدنى من المستويات التي أرسبت فيها في المراحل الأولى لتكون الدلتا.
(1/191)


بواسطة : rasl_essaher
 0  0  410