فِي أَن الْجِنّ يتناكحون ويتناسلون
الْبَاب الرَّابِع عشر
فِي أَن الْجِنّ يتناكحون ويتناسلون
قَالَ الله تَعَالَى {لم يطمثهن إنس قبلهم وَلَا جَان} وَهَذَا يدل على أَنه يَتَأَتَّى مِنْهُم الطمث وَهُوَ الافتضاض يُقَال طمثها طمثا إِذا افتضها قَالَ ابْن جرير فِي تَهْذِيب الْآثَار وَاخْتلفُوا فِي الطمث فَقَالَ بَعضهم الطمث هُوَ الْجِمَاع الَّذِي يكون مَعَه تدمية من فرج الْأُنْثَى عَن الْجِمَاع ونقول ذَلِك الدَّم من فرج الْأُنْثَى عَن الْجِمَاع هُوَ الطمث وَقَالَ آخَرُونَ الطمث هُوَ الْمس بِالْمُبَاشرَةِ وَحكى ذَلِك قَائِل عَن الْعَرَب سَمَاعا أَنَّهَا تَقول مَا طمث هَذَا الْبَعِير حَبل قطّ بِمَعْنى مَا مَسّه حَبل قطّ وَقَالَ آخَرُونَ المطث هُوَ الْحيض نَفسه قَالَ وَالْآيَة مُحْتَملَة إِلَى وَجه الثَّلَاثَة قلت الْحيض بعيد واحتماله فِي الْمس ظَاهر وَالله أعلم وَقَالَ تَعَالَى {أفتتخذونه وَذريته أَوْلِيَاء من دوني وهم لكم عَدو} وَهَذَا يدل على أَنهم يتناكحون لأجل الذُّرِّيَّة قَالَ القَاضِي عبد الْجَبَّار الذُّرِّيَّة هم الْوَلَد والأهل ورقتهم لَا تمنع من كَانَ مَا يلده لطيفا أَلا ترى أَنا قد نرى الْحَيَوَان مَالا يتَبَيَّن للطافته إِلَّا بِالتَّأَمُّلِ وَلَا يمْنَع ذَلِك من أَن يتوالدوا إِذا كَانَ مَا يتوالدونه لطيفا قَالَ الزمحشري فِي الْكَشَّاف رُبمَا رَأَيْت فِي تضاعيف الْكتب العتيقة دويبة لَا يكَاد يحدها الْبَصَر الحاد إِلَّا إِذا تحركت فَإِذا سكنت فالسكون يواريها ثمَّ إِذا لوحت لَهَا بِيَدِك حادت عَنْهَا وتجنبت مضرتها فسبحان من يدْرك صُورَة تِلْكَ وأعضاءها
(1/60)
____
الظَّاهِرَة والباطنة وتفاصيل خلقتها ويبصر بصرها ويطلع على ضميرها وَلَعَلَّ فِي خلقه مَا هُوَ أَصْغَر مِنْهَا وأصغر {سُبْحَانَ الَّذِي خلق الْأزْوَاج كلهَا مِمَّا تنْبت الأَرْض وَمن أنفسهم وَمِمَّا لَا يعلمُونَ}
قلت فَهَذِهِ الدويبة لَا تمنعها اللطافة المفرطة فسبحان الْقَادِر على كل شَيْء من التوالد {إِنَّمَا أمره إِذا أَرَادَ شَيْئا أَن يَقُول لَهُ كن فَيكون}
(1/61)