فِي تسخير الْجِنّ للإنس وطاعتهم لَهُم
الْبَاب الرَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ فِي تسخير الْجِنّ للإنس وطاعتهم لَهُم
قَالَ الله تَعَالَى {وَمن الشَّيَاطِين من يغوصون لَهُ ويعملون عملا دون ذَلِك وَكُنَّا لَهُم حافظين} وَقَالَ تَعَالَى {وَحشر لِسُلَيْمَان جُنُوده من الْجِنّ وَالْإِنْس وَالطير فهم يُوزعُونَ}
(1/137)
____
{وَمن الْجِنّ من يعْمل بَين يَدَيْهِ بِإِذن ربه وَمن يزغ مِنْهُم عَن أمرنَا نذقه من عَذَاب السعير يعْملُونَ لَهُ مَا يَشَاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعْمَلُوا آل دَاوُد شكرا} {وَالشَّيَاطِين كل بِنَاء وغواص وَآخَرين مُقرنين فِي الأصفاد} وَقَالَ تَعَالَى {قَالَ عفريت من الْجِنّ أَنا آتِيك بِهِ قبل أَن تقوم من مقامك} وَفِيمَا قصّ الله تَعَالَى من أَعمال الْجِنّ لِسُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام كِفَايَة قَوْله تَعَالَى {وَالشَّيَاطِين كل بِنَاء وغواص وَآخَرين مُقرنين فِي الأصفاد} روى ابْن أبي حَاتِم فِي تَفْسِيره بِسَنَدِهِ عَن قَتَادَة يعْملُونَ لَهُ مَا يَشَاء من محاريب وتماثيل وَقَالَ السّديّ وَمن الشَّيَاطِين كل بِنَاء من الْبناء الَّذِي يبْنى
قَوْله وغواص قَالَ قَتَادَة غواص يستخرجون الْحلِيّ من الْبَحْر وَقَالَ السّديّ الغواص الَّذِي يقوم فِي المَاء وَآخَرين مُقرنين فِي الاصفاد قَالَ قَتَادَة من مَرَدَة وَقَالَ ابْن عَبَّاس فِي وثاق وَقَالَ قَتَادَة مُقرنين فِي الأصفاد من السلَاسِل فِي أَيْديهم مصفودين مسخرين مَعَ سُلَيْمَان وَقَالَ السّديّ الأصفاد تجمع الْيَدَيْنِ إِلَى عُنُقه قَوْله تَعَالَى {هَذَا عطاؤنا فَامْنُنْ أَو أمسك بِغَيْر حِسَاب} قَالَ السّديّ اُمْنُنْ على من شِئْت مِنْهُم فَأعْتقهُ وَقَالَ ابْن عَبَّاس قَوْله {هَذَا عطاؤنا فَامْنُنْ} يَقُول أعتق من الْجِنّ من شِئْت وَأمْسك مِنْهُم من شِئْت وَقَالَ قَتَادَة هَؤُلَاءِ الشَّيَاطِين احْبِسْ مِنْهُم من شِئْت فِي وثاقك هَذَا أَو سرح من شِئْت مِنْهُم فَاتخذ عِنْده يدا اصْنَع مَا شِئْت لَا حِسَاب عَلَيْك فِي ذَلِك قَالَ السّديّ يمن على من يَشَاء مِنْهُم فيعتقه ويمسك من يَشَاء مِنْهُم فيستخدمه لَيْسَ عَلَيْهِ فِي ذَلِك حِسَاب
وَقَالَ شَاكر فِي كتاب الْعَجَائِب حَدثنَا مُحَمَّد بن عُمَيْر أَبُو عَزِيز حَدثنَا عمرَان بن مُوسَى بِمَكَّة حَدثنَا عَليّ بن مهْرَان حَدثنَا جرير ابْن عبد الحميد عَن سُفْيَان بن عبد الله ان عمر بن عبد الْعَزِيز سَأَلَ مُوسَى
(1/138)
____
ابْن نصير أَمِير الْمغرب وَكَانَ يبْعَث فِي الجيوش حَتَّى بلغ أَو سمع وجوب الشَّمْس عَن أعجب شَيْء رَآهُ فِي الْبَحْر فَقَالَ أنتهيت إِلَى جَزِيرَة من جزائر الْبَحْر فَإِذا نَحن بِبَيْت مَبْنِيّ وَإِذا نَحن فِيهَا بِسبع عشرَة جرة خضراء مختومة بِخَاتم سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فَأمرت بِأَرْبَع مِنْهَا فأخرجت وَأمرت بِوَاحِدَة مِنْهَا فنقبت فَإِذا شَيْطَان يَقُول وَالَّذِي أكرمك بِالنُّبُوَّةِ لَا أَعُود بعْدهَا أفسد فِي الارض ثمَّ نظر فَقَالَ وَالله مَا أرى بهَا سُلَيْمَان وَملكه فانساخ فِي الأَرْض فَذهب فَأمرت بالبواقي فَردَّتْ إِلَى مَكَانهَا وَقَالَ أَيْضا حَدثنَا عَبَّاس ابْن الْوَلِيد بن مزِيد البيروني حَدثنَا أبي عَن مُوسَى بن نصير وَكَانَ يَهُودِيّا من أهل الْكتاب فَأسلم فَأمر على الْمغرب فَخرج غازيا فِي الْبَحْر حَتَّى أَتَى بَحر الظلمَة واطلق المراكب على وجوهها تسير قَالَ فَسمع شَيْئا يقرع المراكب فَإِذا بحرار خضر مختمة فهاب أَن يكسر الْخَاتم فَأمر فَأخذ قلَّة مِنْهَا ثمَّ رَجَعَ فَنَظَرْنَا فَإِذا هِيَ مختمة فَقَالَ لبَعض اصحابه اقدحوها من اسفلها قَالَ فَلَمَّا أَخذ المقداح الْقلَّة صَاح صائح لَا وَالله يَا نَبِي الله لَا أَعُود قَالَ فَقَالَ مُوسَى هَذَا من الشَّيَاطِين الَّذين سجنهم سُلَيْمَان بن دَاوُد وَنفذ المقداح فِي الْقلَّة فَإِذا شخص على رجل الْمركب فَلَمَّا نظر إِلَيْهِم قَالَ أَنْتُم هم وَالله لَوْلَا نعمتكم على لفرقتكم
قلت ولى مُوسَى بن نصير غَزْو الْبَحْر لمعاوية وافتتح الأندلس وَجَرت لَهُ عجائب وَقيل لم يسمع فِي الْإِسْلَام بِمثل سَبَايَا مُوسَى بن نصير وكثرتهم وَالله تَعَالَى أعلم