• !
×

rasl_essaher

فِي دُخُول الْجِنّ فِي بدن المصروع

الْبَاب الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ فِي دُخُول الْجِنّ فِي بدن المصروع

أنكر طَائِفَة من الْمُعْتَزلَة كالجبائى وأبى بكر الرازى مُحَمَّد بن زَكَرِيَّا الطَّبِيب وَغَيرهمَا دُخُول الْجِنّ فى بدن المصروع وأحالوا وجود روحين فى جَسَد مَعَ إقرارهم بِوُجُود الْجِنّ إِذْ لم يكن ظُهُور هَذَا فى الْمَنْقُول عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كظهور هَذَا وَهَذَا الذى قَالُوهُ خطأ وَذكر ابو الْحسن الأشعرى فى مقالات أهل السّنة وَالْجَمَاعَة أَنهم يَقُولُونَ إِن الْجِنّ تدخل فى بدن المصروع كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {الَّذين يَأْكُلُون الرِّبَا لَا يقومُونَ إِلَّا كَمَا يقوم الَّذِي يتخبطه الشَّيْطَان من الْمس} قَالَ عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل قلت لأبى إِن قوما يَقُولُونَ إِن الْجِنّ لَا تدخل فى بدن الْإِنْس قَالَ
(1/158)
____
يَا بنى يكذبُون هُوَ ذَا يتَكَلَّم على لِسَانه قلت ذكر الدارقطنى فى الْجُزْء الذى انتقاه من حَدِيث أَبى سهل بن زِيَاد لفرقد السنحى عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس أَن امْرَأَة جَاءَت بِابْن لَهَا إِلَى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت يَا رَسُول الله إِن ابنى بِهِ جُنُون وَأَنه يَأْخُذهُ عِنْد غدائنا وعشائنا فَمسح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَدره ودعا لَهُ فتفتفه فَخرج من جَوْفه مثل الجرو الْأسود فسعى رَوَاهُ أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمى فى أَوَائِل مُسْنده فتفتفه اى قيأه وسيأتى إِن شَاءَ الله تَعَالَى عَن قريب حَدِيث أم أبان الذى رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره وَفِيه قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخرج عَدو الله وَهَكَذَا حَدِيث أُسَامَة بن زيد وَفِيه اخْرُج يَا عَدو الله فإنى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَقَالَ القاضى عبد الجبار إِذا صَحَّ مَا دللنا عَلَيْهِ من رقة أجسامهم وَأَنَّهَا كالهواء لم يمْتَنع دُخُولهمْ فى أبداننا كَمَا يدْخل الرّيح وَالنَّفس المتردد الذى هُوَ الرّوح فى أبداننا من التخرق والتخلخل وَلَا يُؤدى ذَلِك إِلَى اجْتِمَاع الْجَوَاهِر فى حيّز وَاحِد لِأَنَّهَا لَا تَجْتَمِع إِلَّا على طَرِيق الْمُجَاورَة لَا على سَبِيل الْحَال وَإِنَّمَا تدخل فى أجسامنا كَمَا يدْخل الْجِسْم الرَّقِيق فى الظروف
فَإِن قيل إِن دُخُول الْجِنّ فى أجسامنا إِلَى هَذِه الْمَوَاضِع يُوجب تقطيعها أَو تقطيع الشَّيَاطِين لِأَن الْمَوَاضِع الضيقة لَا يدخلهَا الْجِسْم إِلَّا ويتقطع الْجِسْم الدَّاخِل فِيهَا قيل لَهُ إِنَّمَا يكون مَا ذكرته إِذا كَانَت الْأَجْسَام الَّتِى تدخل فى الْأَجْسَام كثيفة كالحديد والخشب فَأَما إِذا كَانَت كالهواء فَالْأَمْر بِخِلَاف مَا ذكرته وَكَذَلِكَ القَوْل فى الشَّيَاطِين إِنَّهُم لَا يَتَقَطَّعُون بدخولهم فى الْأَجْسَام لأَنهم إِمَّا أَن يدخلُوا بكليتهم فبعضهم مُتَّصِل بِبَعْض فَلَا يَتَقَطَّعُون وَإِمَّا أَن يدخلُوا بعض أجسامهم إِلَّا أَن بَعضهم مُتَّصِل بِبَعْض فَلَا يتقطع أَيْضا وَهَذَا مثل أَن تدخل الْحَيَّة فى جحرها كلهَا أَو يدْخل بَعْضهَا وَبَعضهَا يبْقى خَارج الْجُحر لِأَن ذَلِك لَا يُوجب تقطعها وَلَيْسَ لأحد أَن يَقُول مَا أنكرتم إِذا حصل الجنى فى الْمعدة أَن يكون قد أكلناه كَمَا إِذا حصل الطَّعَام فِيهَا كُنَّا آكلين لَهُ وَذَلِكَ لِأَن الْأكل هُوَ معالجة مَا يُوصل بالمضغ والبلع وَلَيْسَ
(1/159)
____
كلما يحصل فى الْمعدة نَكُون لَهُ آكلين وَلَا يكون المَاء بحصوله فى الْمعدة مَأْكُولا فَإِن قيل يجوز أَن يدخلُوا فى الْأَحْجَار قيل نعم إِذا كَانَت مخلخلة كَمَا يجوز دُخُول الْهَوَاء فِيهَا فَإِن قيل فَيجب على مَا ذكرْتُمْ دُخُول الشَّيْطَان وَزَوجته فى جَوف الآدمى فينكحها فتحبل وتلد فَيكون لَهُم فِي جَوف الْوَاحِد منا أَوْلَاد قيل قد أجَاب أَبُو هَاشم عَن هَذَا السُّؤَال بِأَن ذَلِك لَا يمْتَنع فى الْأَجْسَام الرقَاق كَمَا لَا يمْتَنع ذَلِك فى الْأَجْسَام اللطاف أَلا ترى أَنه رُبمَا يجْتَمع فى الْجوف من الدُّود وَنَحْوهَا شئ عَظِيم كثير وَكَذَلِكَ الرَّقِيق من الْأَجْسَام غير مُمْتَنع هَذَا مِنْهُ قَالَ إِلَّا أَنه لَا يقطع الْولادَة عَلَيْهِم لأَنهم مختارون فَرُبمَا لم يختاروا أَن يتوالدوا فى أَجْوَاف الْإِنْس كَمَا لَا نَخْتَار نَحن أَن نتوالد فى الْأَسْوَاق والمساجد بل نَخْتَار فعل ذَلِك فى مَوَاضِع مَخْصُوصَة فَلَا يمْتَنع أَن تكون هَذِه حَالهم وَإِذا صَحَّ مَا ذَكرْنَاهُ سقط هَذَا الِاعْتِرَاض قَالَ القاضى عبد الجبار بعد مَا قدم حَدِيث الشَّيْطَان يجرى من ابْن آدم مجْرى الدَّم هَذَا لَا يَصح إِلَّا أَن تكون أجسامهم رقيقَة على مُقْتَضَاهُ ونظائرذلك من الْأَخْبَار المروية فى هَذَا الْبَاب من أَنهم يدْخلُونَ فى أبدان الْإِنْس وَهَذَا لَا يجوز على الْأَجْسَام الكثيفة قَالَ ولشهرة هَذِه الْأَخْبَار وظهورها عِنْد الْعلمَاء قَالَ أَبُو عُثْمَان عَمْرو بن عُبَيْدَان الْمُنكر لدُخُول الْجِنّ فى أبدان الْإِنْس دهرى أَو يجِئ مِنْهُ دهرى
قَالَ عبد الجبار وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِأَنَّهَا قد صَارَت فى الشُّهْرَة والظهور كشهرة الْأَخْبَار فى الصَّلَاة وَالصِّيَام وَالْحج وَالزَّكَاة وَمن أنكر هَذِه الْأَخْبَار الَّتِى ذَكرنَاهَا كَانَ رادا والراد على الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا لَا سَبِيل إِلَى علمه إِلَّا من جِهَته كَافِر وَمن لَا يعلم أَن المعجزات لَا يقدر عَلَيْهَا إِلَّا الله عز وَجل وَحده لم يَصح لَهُ أَن يعلم أَن الْأَجْسَام لَا يَفْعَلهَا إِلَّا الله عز وَجل وَمن لم يعلم ذَلِك لم يُمكنهُ إِثْبَات قَادر لنَفسِهِ وَلَا عَالم لنَفسِهِ وَلَا وحى لنَفسِهِ وَمن لم يُمكنهُ إِثْبَات هَذَا لم يكنه إِثْبَات فَاعل الْأَجْسَام وَإِذا لم يُمكنهُ ذَلِك وهى مَوْجُودَة لم يُمكنهُ أَن يثبتها محدثة وَإِذا لم يُمكنهُ أَن يثبتها محدثة وهى مَعَ ذَلِك مَوْجُودَة فَلَا بُد من أَن تكون قديمَة وَمن كَانَ هَذَا حَاله كَانَ دهريا أَو جَاءَ مِنْهُ دهرى على مَا قَالَ وَفَسَاد قَوْله على مَا ذَكرْنَاهُ من
(1/160)
____
هَذَا التَّرْتِيب فَهَذَا معنى قَوْله دهرى أَو يجِئ مِنْهُ دهرى وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم الأنصارى وَلَو كَانُوا كثافا يَصح ذَلِك أَيْضا مِنْهُم كَمَا يَصح دُخُول الطَّعَام وَالشرَاب فى الْفَرَاغ من جِسْمه فَيجب تَصْحِيح ذَلِك وتأويله الْمس مِنْهُ عَلَيْهِ وَقَالَ قَائِلُونَ إِن معنى سلوكهم فى الْإِنْس إِنَّمَا هُوَ بإلقاء الظل عَلَيْهِم وَذَلِكَ هُوَ الْمس وَمِنْه الصرع والفزع وَذَلِكَ أَيْضا مِمَّا يَدْفَعهُ الْعقل غير أَنه ورد السّمع بسلوكهم فى الْإِنْس وَوضع الشَّيْطَان رَأسه على الْقلب وَالله تَعَالَى أعلم

بواسطة : rasl_essaher
 0  0  293