• !
×

rasl_essaher

فِي نعي الْجِنّ عبد الله بن جدعَان وَفِيه قصَّة إِصَابَته الْكَنْز

الْبَاب الموفي سبعين فِي نعي الْجِنّ عبد الله بن جدعَان وَفِيه قصَّة إِصَابَته الْكَنْز

قَالَ عبد الله بن مُحَمَّد بن عبيد حَدثنِي أبي حَدثنَا هِشَام بن مُحَمَّد قَالَ أَخْبرنِي مَعْرُوف بن خَرَّبُوذ عَن أبي الطُّفَيْل عَامر بن وائلة قَالَ أَخْبرنِي شيخ من أهل مَكَّة عَن الْأَعْشَى بن إلْيَاس بن زُرَارَة التَّمِيمِي حَلِيف بني عبد الدَّار قَالَ خرجت مَعَ نفر من قُرَيْش نُرِيد الشَّام فنزلنا بواد يُقَال لَهُ وَادي عَوْف فعرسنا بِهِ فَاسْتَيْقَظت فِي بعض اللَّيْل فَإِذا أَنا بقائل يَقُول ... أَلا هلك النساك غيث بني فهر ... وَذُو الباع وَالْمجد التليد وَذُو الْفَخر ...
فَقلت فِي نَفسِي وَالله لأجيبنه فَقلت ... أَلا أَيهَا الناعي أَخا الْجُود وَالْفَخْر ... من الْمَرْء تنعاه لنا من بني فهر ...
(1/194)
____
فَقَالَ ... نعيت ابْن جدعَان بن عَمْرو أَخا الندى ... وَذَا الْحسب القدموس والمنصب الْقَهْر ...
فَقلت ... لعمري لقد نوهت بالسيد الَّذِي ... لَهُ الْفضل مَعْرُوفا على ولد النَّضر ...
فَقَالَ ... مَرَرْت بنسوان يخمشن أوجبهَا ... صياحا عَلَيْهِ بَين زَمْزَم وَالْحجر ...
فَقلت ... مَتى إِن عهدي فِيهِ مُنْذُ عرُوبَة ... وَتِسْعَة أَيَّام لغرة ذَا الشَّهْر ...
فَقَالَ ... ثوى مُنْذُ أَيَّام ثَلَاث أَيَّام كوامل ... مَعَ اللَّيْل أَو فِي اللَّيْل أَو وضح الْفجْر ...
فَاسْتَيْقَظت الرّفْقَة فَقَالُوا من تخاطب فَقلت هَذَا هَاتِف ينعى ابْن جدعَان فَقَالُوا وَالله لَو بَقِي اُحْدُ بشرف أَو عز أَو كَثْرَة مَال لبقي عبد الله بن جدعَان فَقَالَ ذَلِك الْهَاتِف ... أرى الْأَيَّام لَا تبقى عَزِيزًا ... لعزته وَلَا تبقي ذليلا ...
فَقلت ... وَلَا تبقى من الثقلَيْن شغرا ... وَلَا تبقي الحزون وَلَا السهولا ...
قَالَ فَنَظَرْنَا فِي تِلْكَ اللَّيْلَة فرجعنا إِلَى مَكَّة فوجدناه قد مَاتَ كَمَا قَالَ
قلت عبد الله بن جدعَان بن عَمْرو بن كَعْب بن سعد بن تيم يكنى أَبَا زُهَيْر هُوَ ابْن عَم عَائِشَة الصديقة كَانَ فِي ابْتِدَاء أمره صعلوكا وَكَانَ مَعَ ذَلِك شريرا لَا يزَال يجني الْجِنَايَات فيعقل عَنهُ أَبوهُ وَقَومه حَتَّى أبغضته عشيرته ونفاه أَبوهُ وَحلف أَن لَا يؤويه أبدا لما أثقله من الْغرم وَحمله من الدِّيات فَخرج فِي شعاب مَكَّة حائرا يتَمَنَّى نزُول الْمَوْت بِهِ فَدخل فِي شقّ جبل يَرْجُو أَن يكون فِيهِ مَا يقْتله ليستريح فَإِذا ثعبان عَظِيم لَهُ عينان تقدان كالسراجين فَحمل عَلَيْهِ الثعبان فأفرج لَهُ فانساب عَنهُ مستديرا بدارة عِنْدهَا بَيت فخطا خطْوَة أُخْرَى فَصَعدَ بِهِ الثعبان وَأَقْبل اليه كالسهم فأفرج لَهُ
(1/195)
____
فانساب فَوَقع فِي نَفسه أَنه مَصْنُوع فأمسكه فَإِذا هُوَ مَصْنُوع من ذهب وَعَيناهُ ياقوتتان فَكَسرهُ وَأخذ عَيْنَيْهِ وَدخل الْبَيْت فَإِذا جثث طوال على سرر لم ير مثلهم طولا وعظما وَعند رؤوسهم لوح من فضَّة فِيهِ تاريخهم فَإِذا هم رجال من مُلُوك جرهم وَآخرهمْ موتا الْحَارِث بن مضاض صَاحب الْقرْيَة الطَّوِيلَة وَإِذا عَلَيْهِم ثِيَاب لَا يمس مِنْهَا شَيْء إِلَى أنتثر كالهباء من طول الزَّمن قَالَ ابْن هِشَام كَانَ اللَّوْح من رُخَام وَكَانَ فِيهِ أَبُو نفيلة بن عبد المدان ابْن خشرم بن عبد ياليل بن جرهم بن قحطان بن هود نَبِي الله عِشْت خَمْسمِائَة عَام وَقطعت غور الأَرْض بَاطِنهَا وظاهرها فِي طلب الثروة وَالْمجد وَالْملك فَلم يكن ذَلِك ينجيني من الْمَوْت وَتَحْته مَكْتُوب ... قد قطعت الْبِلَاد فِي طلب الثروة ... وَالْمجد قالص الأثواب
وسريت الْبِلَاد قفرا لقفر ... بقناتي وقوتي واكتسابي
فَأصَاب الردى سَواد فُؤَادِي ... بسهام من المنايا صعاب
فانقضت شرتي واقصر جهلي ... واستراحت عواذلي من عتابي
وَدفعت السفاه بالحلم لما ... نزل الشيب فِي مَحل الشَّبَاب
صَاح هَل رَأَيْت أَو سَمِعت براع ... رد فِي الضَّرع مَا قرى فِي الحلاب ...
وَإِذا فِي وسط الْبَيْت كوم عَظِيم من الْيَاقُوت واللؤلؤ وَالذَّهَب وَالْفِضَّة والزبرجد فَأخذ مِنْهُ مَا أَخذ ثمَّ علم على الشق بعلامة وأغلق بَابه بِالْحِجَارَةِ وَأرْسل إِلَى أَبِيه بِالْمَالِ الَّذِي خرج بِهِ يسترضيه ويستعطفه وَوصل عشيرته كلهم وسادهم وَجعل ينْفق من ذَلِك الْكَنْز وَيطْعم النَّاس وَيفْعل الْمَعْرُوف فَلَمَّا كبر وهرم أَرَادَ بَنو تَمِيم أَن يمنعوه من تبذير مَاله ولاموه فِي الْعَطاء فَكَانَ يَدْعُو الرجل فَإِذا دنا مِنْهُ لطمه لطمة خَفِيفَة ثمَّ يَقُول قُم فَأَنْشد لطمتك واطلب دِيَتهَا فَإِذا فعل أَعطَتْهُ بَنو تَمِيم من مَال ابْن جدعَان حَتَّى يرضى وَذكر ابْن قُتَيْبَة فِي غَرِيب الحَدِيث أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ كنت أستظل بِظِل جَفْنَة عبد الله بن جدعَان صَكَّة عمى يَعْنِي بالهاجرة قَالَ ابْن قُتَيْبَة كَانَت جفنته يَأْكُل مِنْهَا الرَّاكِب على الْبَعِير وَسقط فِيهَا صبي فغرق أَي مَاتَ وَكَانَ أُميَّة بن أبي الصَّلْت قبل أَن يمدحه اتى بني الديَّان من بني الْحَارِث بن كَعْب فراى طَعَام بني عبد المدان مِنْهُم لباب الْبر والشهد
(1/196)
____
وَالسمن وَكَانَ ابْن جدعَان يطعم التَّمْر والسويق ويسقي اللَّبن فَقَالَ أُميَّة ... وَلَقَد رَأَيْت الفاعلين وفعلهم ... فَرَأَيْت أكْرمهم بني الديَّان
الْبر يلبك بالشهاد طعامهم ... لَا مَا تعللنا بَنو جدعَان ...
فَبلغ شعره عبد الله بن جدعَان فَأرْسل ألفي بعير إِلَى الشَّام تحمل إِلَيْهِ الْبر والشهد وَالسمن وَجعل مناديا يُنَادي على الْكَعْبَة إِلَّا هلموا إِلَى جَفْنَة عبد الله ابْن جدعَان فَقَالَ أُميَّة عِنْد ذَلِك ... لَهُ دَاع بِمَكَّة مشمعل ... وَآخر فَوق كعبتها يُنَادي
إِلَى ردح من الشيزا عَلَيْهَا ... لباب الْبر يلبك بالشهاد ...
وَفِي صَحِيح مُسلم أَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن ابْن جدعَان كَانَ يطعم الطَّعَام ويقري الضَّيْف فَهَل يَنْفَعهُ ذَلِك يَوْم الْقِيَامَة فَقَالَ لَا لِأَنَّهُ لم يقل يَوْمًا رب اغْفِر لي خطيئتي يَوْم الدّين وروى ابْن اسحاق ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لقد شهِدت فِي دَار عبد الله بن جدعَان حلفا مَا أحب أَن لي بِهِ حمر النعم وَلَو دعيت إِلَيْهِ فِي الْإِسْلَام لَأَجَبْت المُرَاد بِهِ حلف الفضول وَكَانَ فِي ذِي الْقعدَة قيل المبعث بِعشْرين سنة وَالله أعلم

بواسطة : rasl_essaher
 0  0  1051