• !
×

rasl_essaher

فِي أَن إِبْلِيس هَل كَانَ من الْمَلَائِكَة

الْبَاب الرَّابِع وَالثَّمَانُونَ فِي أَن إِبْلِيس هَل كَانَ من الْمَلَائِكَة

قَالَ أَبُو الوفا على بن عقيل فِي كتاب الْإِرْشَاد إِن قيل لَك إِبْلِيس كَانَ من الْمَلَائِكَة أم لَا فَقل من الْمَلَائِكَة خلافًا لبَعض أَصْحَابنَا وَبِهَذَا قَالَ أَبُو بكر عبد الْعَزِيز لِأَن الْبَارِي سُبْحَانَهُ وَقَالَ {وَإِذ قُلْنَا للْمَلَائكَة اسجدوا لآدَم فسجدوا إِلَّا إِبْلِيس} وَالِاسْتِثْنَاء لَا يكون من غير الْجِنْس هَذَا هُوَ الْمَشْهُور فِي لُغَة الْعَرَب بِدلَالَة أَنه لَا يحسن قَول الْقَائِل فتح الخبازون إِلَّا فلَانا ويريدون فلَانا الْحداد وَلَا يحسن أَن يَقُول رَأَيْت النَّاس إِلَّا حمارا وان اسْتدلَّ مستدل على جَوَازه بقول الْقَائِل
(1/209)
____
. وبلدة لَيْسَ بهَا أنيس ... إِلَّا اليعافير وَإِلَّا العيس ...
فَقل اليعافير والعيس من جنس مَا يؤنس بِهِ وَإِنَّمَا استثناهما من الإيناس لَا من غير ذَلِك لِأَنَّهُ لم يجز لغير الأنيس ذكر لَا آدَمِيّ وَلَا جني وَلَا غير ذَلِك قَالَ وَالَّذِي يدل على صِحَة هَذَا وانه من الْمَلَائِكَة أَنه لَو لم يكن مِنْهُم لما حسن لومه وسبه بامتناعه لِأَن لَهُ أَن يَقُول أمرت وَقد كَانَ مناظرا على مَا هُوَ أقل من هَذَا فَلَمَّا عدل إِلَى قَوْله {أَنا خير مِنْهُ} علم أَنه انْصَرف الْأَمر إِلَيْهِ وَلِهَذَا لَو نَادَى السُّلْطَان لَا يفتح البزازون فَفتح الخبازون لم يحسن لومهم لأَنهم لم يدخلُوا تَحت النَّهْي فَإِن قَالُوا فقد خصّه باسم فَقَالَ إِلَّا إِبْلِيس كَانَ من الْجِنّ قيل الْجِنّ نوع من الْمَلَائِكَة يُقَال لَهُم الْجِنّ كَمَا يُقَال الكروبيون والروحانيون والخزنة والزبانية وهم كلهم جنس وَاحِد يشْتَمل على أَنْوَاع كالآدميين زنج وعرب وعجم فَلَو قَالَ قَائِل أمرت عَبِيدِي كلهم بِالطَّاعَةِ فأطاعوا إِلَّا فلَانا فَإِنَّهُ كَانَ من الزنج فعصاني لم يدل على ان عَبده الزنْجِي لَا يُشَارك عبيده فِي الجنسية وَإِن فارقهم فِي النوعية أنْتَهى وَقَالَ أَبُو يعلى رَأَيْت فِي تعليقات أبي اسحاق بن شاقلا يَقُول سَمِعت الشَّيْخ يَعْنِي أَبَا بكر وَقد سُئِلَ عَن إِبْلِيس أَمن الْمَلَائِكَة فَقَالَ أَمر بِالسُّجُود فلولا أَن إِبْلِيس مِنْهُم مَا كَانَ مَأْمُورا قَالَ أَبُو اسحاق فَقلت أجمعنا أَن الْمَلَائِكَة لَا تتناكح وَلَا لَهَا ذُرِّيَّة وَقد كَانَ لإبليس ذُرِّيَّة دلّ على أَنه من غَيرهَا وَظَاهر كَلَام أبي بكر عبد الْعَزِيز أَنه من جملَة الْمَلَائِكَة وَقد صرح أَبُو بكر فِي كتاب التَّفْسِير أَنه من الْمَلَائِكَة وَحكى الِاخْتِلَاف فِيهِ وانه لَو لم يكن من الْمَلَائِكَة خرج عَن أَن يكون مَأْمُورا بِالسُّجُود لِأَن السُّجُود انْصَرف إِلَى الْمَلَائِكَة وَقد أجمعنا على أَنه كَانَ مَأْمُورا بِهِ وَهُوَ قَول الْأَكْثَر من الْمُفَسّرين ابْن عَبَّاس وَغَيره وَقَول ابْن مَسْعُود وَجَمَاعَة من الصَّحَابَة وَسَعِيد بن الْمسيب وَآخَرين وَبِه قَالَ جمَاعَة من الْمُتَكَلِّمين قَالَ أَبُو الْقَاسِم الْأنْصَارِيّ وَهُوَ مَذْهَب شَيخنَا أبي الْحسن وَظَاهر كَلَام ابي اسحاق انه لَيْسَ من الْمَلَائِكَة وَأَنه من الْجِنّ لِأَنَّهُ اعْترض
(1/210)
____
على أبي بكر بِالدَّلِيلِ وَهُوَ قَول ابي الْحسن الْبَصْرِيّ قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ لم يكن إِبْلِيس من الْمَلَائِكَة طرفَة عين قَالَ أَبُو يعلى فَإِن قيل فقد قَالَ تَعَالَى {إِلَّا إِبْلِيس كَانَ من الْجِنّ} قَالَ قبل هَذَا إِخْبَار عَمَّا كَانَ مستترا فِيهِ من مَعْصِيّة الله عز وَجل وَمُخَالفَة أمره لِأَن اشتقاق الْجِنّ من الاستتار وَمِنْه قَوْله فِي الْجَنِين جَنِين لاستتاره فِي بطن أمه وَمِنْه سمي الْمَجْنُون مَجْنُونا لِأَنَّهُ قد ستر بالخبال عقله وَجَوَاب آخر وَهُوَ أَن أَبَا بكر قد ذكره فِي كتاب التَّفْسِير فِي كِتَابه عَن ابْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود جعل إِبْلِيس على ملك سَمَاء الدُّنْيَا وَكَانَ من قَبيلَة من الْمَلَائِكَة يُقَال لَهُم الْجِنّ وَإِنَّمَا سموا الْجِنّ لأَنهم خزان الْجنَّة وَكَانَ إِبْلِيس مَعَ ملكه خَازِنًا وَأما مَا احْتج بِهِ أَبُو اسحاق من أَن إِبْلِيس لَهُ الشَّهْوَة فقد حدثت لَهُ الشَّهْوَة بعد أَن مُحي من ديوانهم كَمَا حدثت الشَّهْوَة فِي هاروت وماروت بعد أَن هبطا إِلَى الأَرْض وَقيل إنَّهُمَا هويا امْرَأَة وَقد كَانَا ملكَيْنِ وَإِذا ثَبت أَنه من الْمَلَائِكَة وَأَنه محى من ديوانهم لما كَانَ مِنْهُ من الْعِصْيَان وَكَذَلِكَ هاروت وماروت انْتهى
رَأْي الْمُؤلف
قلت وَقد ذكر الطَّبَرِيّ فِي تَارِيخه قَول ابْن عَبَّاس فَقَالَ حَدثنَا الْقَاسِم بن الْحسن حَدثنَا الْحُسَيْن بن دَاوُد حَدثنِي حجاج عَن ابْن جريج قَالَ قَالَ ابْن عَبَّاس كَانَ إِبْلِيس من أشرف الْمَلَائِكَة وَأكْرمهمْ قَبيلَة وَكَانَ خَازِنًا على الْجنان وَكَانَ لَهُ سُلْطَان سَمَاء الدُّنْيَا وَكَانَ لَهُ سُلْطَان الأَرْض وَبِه عَن ابْن جريج عَن صَالح مولى التَّوْأَمَة وَشريك بن أبي نمر أَحدهمَا أَو كِلَاهُمَا عَن ابْن عَبَّاس قَالَ إِن من الْمَلَائِكَة قَبيلَة من الْجِنّ كَانَ إِبْلِيس مِنْهَا وَكَانَ يسوس مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض حَدثنِي مُوسَى بن هَارُون الهمدني حَدثنَا عَمْرو بن حَمَّاد حَدثنَا أَسْبَاط بن نصر عَن السّديّ فِي خبر ذكره عَن ابي مَالك وَعَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس وَعَن مرّة الْهَمدَانِي عَن عبد الله بن مَسْعُود وَعَن أنَاس من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعل إِبْلِيس ملك سَمَاء الدُّنْيَا وَكَانَ من قَبيلَة من الْمَلَائِكَة يُقَال لَهُم الْجِنّ وَإِنَّمَا سموا الْجِنّ لأَنهم خزان الْجنَّة وَكَانَ إِبْلِيس مَعَ ملكه خَازِنًا وَقَالَ أَبُو بكر
(1/211)
____
الْقرشِي حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن سعيد حَدثنَا نصر بن عَليّ حَدثنَا نوح بن قيس عَن أبي يسر بن جزور عَن قَتَادَة قَالَ كَانَ إِبْلِيس عَاشر عشرَة من الْمَلَائِكَة على الرّيح
قَالَ الطَّبَرِيّ حَدثنَا أَبُو كريب عُثْمَان بن سعيد حَدثنَا بشر بن عمار عَن أبي روق عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ إِبْلِيس من حَيّ من أَحيَاء الْمَلَائِكَة يُقَال لَهُم الْجِنّ خلقُوا من نَار السمُوم من بَين الْمَلَائِكَة قَالَ وَكَانَ اسْمه الْحَارِث يَعْنِي بِالْعَرَبِيَّةِ قَالَ وَكَانَ خَازِنًا من خزان الْجنَّة قَالَ وخلقت الْمَلَائِكَة كلهم من نور غير هَذَا الْحَيّ قَالَ وخلقت الْجِنّ الَّذين ذكرُوا فِي الْقُرْآن من مارج من نَار وَهُوَ لِسَان النَّار الَّذِي يكون فِي طرفها إِذا التهبت قَالَ وَخلق الْإِنْسَان من طين فَأول من سكن الأَرْض بَنو الْجِنّ فأفسدوا فِيهَا وسفكوا الدِّمَاء وَقتل بَعضهم بَعْضًا فَبعث الله إِلَيْهِم إِبْلِيس وَمن مَعَه حَتَّى ألحقهم بجزاير البحور وأطراف الْجبَال فَلَمَّا فعل إِبْلِيس ذَلِك اغْترَّ فِي نَفسه وَقَالَ قد صنعت شَيْئا لم يصنعه أحد قَالَ فَاطلع الله على ذَلِك من قلبه وَلم يطلع عَلَيْهِ الْمَلَائِكَة الَّذين كَانُوا مَعَه
قلت وَيدل على قَول ابْن شاقلا مَا رَوَاهُ ابْن أبي الدُّنْيَا عَن عَليّ ابْن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم حَدثنَا أَبُو صَالح حَدثنِي مُعَاوِيَة بن صَالح أَن الْعَلَاء بن الْحَارِث حَدثهُ عَن ابْن شهَاب أَنه سُئِلَ عَن إِبْلِيس قَالَ إِبْلِيس من الْجِنّ وَهُوَ أَبُو الْجِنّ كَمَا أَن آدم من النَّاس وَهُوَ أَبُو النَّاس وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم
(1/212)


بواسطة : rasl_essaher
 0  0  266