فِي تعرضه للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الْبَاب الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ بعد الْمِائَة فِي تعرضه للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ثَبت فِي صَحِيح مُسلم عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي فسمعناه يَقُول أعوذ بِاللَّه مِنْك ثمَّ قَالَ ألعنك بلعنة الله وَبسط يَده ثَلَاثًا كَأَنَّهُ يتَنَاوَل شَيْئا فَلَمَّا فرغ من الصَّلَاة قُلْنَا يَا رَسُول الله
(1/278)
____
قد سمعناك تَقول فِي الصَّلَاة شَيْئا لم نسمعك تَقوله قبل ذَلِك ورأيناك بسطت يدك قَالَ إِن عَدو الله إِبْلِيس جَاءَ بشهاب من نَار ليجعله فِي وَجْهي فَقلت أعوذ بِاللَّه ثَلَاث مَرَّات ثمَّ قلت ألعنك بلعنة الله التَّامَّة فَلم يسْتَأْخر ثَلَاث مَرَّات ثمَّ أردْت أَن آخذه وَالله لَوْلَا دَعْوَة أخينا سُلَيْمَان لأصبح موثقًا فلعب بِهِ ولدان أهل الْمَدِينَة وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الشَّيْطَان عرض لي فَشد عَليّ ليقطع الصَّلَاة عَليّ فأمكنني الله مِنْهُ فذعته وَلَقَد هَمَمْت أَن أوثقه إِلَى سَارِيَة حَتَّى تصبحوا فتنظروا إِلَيْهِ فَذكرت قَول سُلَيْمَان {وهب لي ملكا لَا يَنْبَغِي لأحد من بعدِي} فَرده الله خاسئا وَقد روى النَّسَائِيّ على شَرط البُخَارِيّ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي فَأَتَاهُ الشَّيْطَان فَأَخذه فصرعه فخنقه قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى وجدت برد لِسَانه على يَدي وَلَوْلَا دَعْوَة سُلَيْمَان لأصبح موثقًا حَتَّى يرَاهُ النَّاس وَرَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد من حَدِيث ابي سعيد وَفِيه فَأَهْوَيْت بيَدي فَمَا زلت أخنقه حَتَّى برد لعابه أُصْبُعِي هَاتين الْإِبْهَام وَالَّتِي تَلِيهَا
قَالَ الْحسن بن شادان أخبرنَا عُثْمَان بن أَحْمد الدقاق حَدثنَا يحيى ابْن جَعْفَر أَنبأَنَا ثَابت حَدثنَا اسحاق بن مَنْصُور أَنبأَنَا إِسْرَائِيل عَن أبي إِسْحَاق عَن أبي عُبَيْدَة عَن عبد الله قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر بِي الشَّيْطَان فَأَخَذته فخنقته حَتَّى أَنى لأجد برد لِسَانه على يَدي فَقَالَ أوجعتني أوجعتني فتركته وَقَالَ أَحْمد بن الْحسن بن الْجَعْد حَدثنَا مُحَمَّد ابْن بكار حَدثنَا خديج حَدثنَا أَبُو اسحاق عَن أبي عُبَيْدَة بن عبد الله عَن أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لقد مر عَليّ الْخَبيث فَأَخَذته فخنقته خنقا شَدِيدا حَتَّى قَالَ أوجعتني وَقَالَ ابْن أبي الدُّنْيَا حَدثنَا بشر بن الْوَلِيد حَدثنَا عُثْمَان بن مطر عَن ثَابت عَن أنس قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَاجِدا بِمَكَّة فجَاء إِبْلِيس فَأَرَادَ أَن يطَأ عُنُقه فلفحه جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بجناحه لفحة فَمَا اسْتَقَرَّتْ قدماه حَتَّى بلغ الْأُرْدُن
(1/279)
____
وروى مَالك فِي الْمُوَطَّأ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ رَأَيْت لَيْلَة أسرى بِي عفريتا من الْجِنّ يطلبني بشعلة نَار كلما الْتفت رَأَيْته فَقَالَ جِبْرِيل أَلا أعلمك كَلِمَات تقولهن فتطفئ شعلته ويخر لفيه قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بلَى فَقَالَ جِبْرِيل قل أعوذ بِوَجْه الله الْكَرِيم وبكلمات الله التامات الَّتِي لَا يجاوزهن بر وَلَا فَاجر من شَرّ مَا ينزل من السَّمَاء وَمَا يعرج فِيهَا وَمن شَرّ مَا ذَرأ فِي الأَرْض وَمن شَرّ مَا يخرج مِنْهَا وَمن فتن اللَّيْل وَالنَّهَار وَمن طوارق اللَّيْل وَالنَّهَار إِلَّا طَارق يطْرق بِخَير يَا رَحْمَن بَين فِي الحَدِيث الأول الِاسْتِعَاذَة من الشَّيْطَان ولعنه بلعنة الله وَلم يسْتَأْخر بذلك فَمد يَده إِلَيْهِ وَبَين فِي الحَدِيث الثَّانِي أَن مد الْيَد كَانَ لخنقه لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام دَفعته وَهَذَا دفع لعداوته بِالْفِعْلِ وَفِيه الخنق وَبِه اندفعت عداوته فَرده الله خاسئا وَأما الزِّيَادَة وَهُوَ ربطه إِلَى السارية وَهُوَ من بَاب التَّصَرُّف الملكي الَّذِي تَركه لِسُلَيْمَان فَإِن نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتَصَرَّف فِي الْجِنّ كتصرفه فِي الْإِنْس التَّصَرُّف عبد رَسُول الله يَأْمُرهُم بِعبَادة الله تَعَالَى وطاعته لَا يتَصَرَّف لأمر يرجع إِلَيْهِ وَهُوَ التَّصَرُّف الملكي فَإِنَّهُ كَانَ عبدا رَسُولا وَسليمَان نَبِي ملك وَالْعَبْد الرَّسُول أفضل من النَّبِي الْملك كَمَا أَن السَّابِقين المقربين أفضل من عُمُوم الْأَبْرَار أَصْحَاب الْيَمين وَالدَّلِيل على أَن العَبْد الرَّسُول أفضل من النَّبِي الْملك أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عرض عَلَيْهِ أَن يكون نَبيا ملكا أَو عبدا رَسُولا فَاخْتَارَ أَن يكون عبدا رَسُولا وَلَا يخْتَار لنَفسِهِ إِلَّا مَا هُوَ الْأَفْضَل فِي نفس الْأَمر وَقَوله فَمَا زلت اخنقه حَتَّى برد لعابه وَقَوله حَتَّى وجدت برد لِسَانه على يَدي فَهَذَا فعله فِي الصَّلَاة وَهُوَ مِمَّا احْتج بِهِ الْعلمَاء على جَوَاز مثل هَذَا فِي الصَّلَاة وَهُوَ كدفع الْمَار وَقتل الأسودين وَالصَّلَاة حَالَة الْمُسَابقَة وَقد تنَازع الْعلمَاء فِي شَيْطَان الْجِنّ إِذا مر بَين يَدي الْمُصَلِّي هَل يقطع الصَّلَاة على قَوْلَيْنِ هما قَولَانِ فِي مَذْهَب أَحْمد وَقد تقدم هَذَا فِي الْبَاب الَّذِي عقدناه لهَذِهِ الْمَسْأَلَة وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق
(1/280)