• !
×

rasl_essaher

فِي بَيَان حُضُور الشَّيْطَان وقْعَة بدر

الْبَاب التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ بعد الْمِائَة فِي بَيَان حُضُور الشَّيْطَان وقْعَة بدر

قَالَ الله تَعَالَى {وَإِذ زين لَهُم الشَّيْطَان أَعْمَالهم وَقَالَ لَا غَالب لكم الْيَوْم من النَّاس وَإِنِّي جَار لكم فَلَمَّا تراءت الفئتان نكص على عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيء مِنْكُم إِنِّي أرى مَا لَا ترَوْنَ إِنِّي أَخَاف الله وَالله شَدِيد الْعقَاب} قَالَ ابْن اسحاق حَدثنِي مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ وَعَاصِم بن عمر بن قَتَادَة وَعبد الله ابْن أبي بكر وَيزِيد بن رُومَان عَن عُرْوَة بن الزبير وَغَيرهم من عُلَمَائِنَا عَن ابْن عَبَّاس كل قد حَدثنِي بعض الحَدِيث فَاجْتمع حَدِيثهمْ فِيمَا سقت من حَدِيث بدر قَالَ لما سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأبي سُفْيَان مُقبلا من الشَّام ندب الْمُسلمين اليهم وَقَالَ هَذِه عير قُرَيْش فِيهَا أَمْوَالهم فاخرجوا
(1/290)
____
إِلَيْهَا لَعَلَّ الله ينفلكموها فَانْتدبَ الْمُسلمُونَ فخف بَعضهم وَثقل بَعضهم وَذَلِكَ أَنهم لم يَظُنُّوا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يلقِي حَربًا وَكَانَ أَبُو سُفْيَان حِين دنا من الْحجاز يتجسس الْأَخْبَار وَيسْأل من يلقى من الركْبَان حَتَّى قيل لَهُ إِن مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد اسْتنْفرَ أَصْحَابه لَك وأميرك فحذر عِنْد ذَلِك فاستأجر ضَمْضَم بن عَمْرو الْغِفَارِيّ فَبَعثه إِلَى مَكَّة وَأمره أَن يَأْتِي قُريْشًا ويستنفرهم إِلَى أَمْوَالهم ويخبرهم أَن مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد عرض لَهَا فِي أَصْحَابه فَخرج ضَمْضَم سَرِيعا إِلَى مَكَّة فَصَرَخَ بِبَطن الْوَادي وَاقِفًا على بعيره وَقد جدع بعيره وحول رَحْله وشق قَمِيصه يَقُول يَا معشر قُرَيْش اللطيمة اللطيمة أَمْوَالكُم مَعَ أبي سُفْيَان قد عرض لَهَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أَصْحَابه لَا أرى أَن تدركوها الْغَوْث الْغَوْث فتجهز النَّاس سرَاعًا فَكَانُوا بَين رجلَيْنِ إِمَّا خَارج وَإِمَّا باعث مَكَانَهُ رجلا وأوعيت قريس فَلم يتَخَلَّف من أَشْرَافهَا أحد الا أَبُو لَهب بن عبد الْمطلب قد تخلف وَبعث مَكَانَهُ الْعَاصِ بن هِشَام بن الْمُغيرَة وَكَانَ قد لَاطَ لَهُ بأَرْبعَة آلَاف دِرْهَم كَانَت لَهُ عَلَيْهِ أفلس بهَا فاستأجره على أَن يجْرِي عَنهُ بَعثه وتخلف أَبُو لَهب قَالَ ابْن اسحاق وحَدثني عبد الله بن أبي نجيح بن أُميَّة بن خلف وَقد أجمع على الْقعُود وَكَانَ شَيخا جَلِيلًا ثقيلا فَأَتَاهُ عقبَة بن أبي معيط وَهُوَ جَالس فِي الْمَسْجِد فِي قومه بمجمرة يحملهَا فِيهَا نَار وهجم حَتَّى وَضعهَا بَين يَدَيْهِ ثمَّ قَالَ لَهُ يَا أَبَا عَليّ استجمر فَإِنَّمَا أَنْت من النِّسَاء فَقَالَ قبحك الله وقبح مَا جِئْت بِهِ قَالَ ابْن اسحاق وَلما فرغوا من جهازهم وَأَجْمعُوا السّير ذكرُوا ماكان بَينهم وَبَين بني بكر بن عبد مَنَاة بن كنَانَة بن الْحَارِث فَقَالُوا إِنَّا نخشى أَن يَأْتُونَا من خلفنا فتبدى لَهُم إِبْلِيس فِي صُورَة سراقَة بن مَالك بن جشم الْكِنَانِي المدلجي وَكَانَ من أَشْرَاف بني كنَانَة فَقَالَ أَنا جَار لكم من أَن تَأْتيكُمْ كنَانَة من خلفكم بِشَيْء تكرهونه فَخَرجُوا سرَاعًا وَذكر ابْن عقبَة وَابْن عَائِذ فِي هَذَا الْخَبَر وَأَقْبل الْمُشْركُونَ وَمَعَهُمْ إِبْلِيس فِي صُورَة سراقَة فَحَدثهُمْ أَن بني كنَانَة وَرَاءَهُمْ قد أَقبلُوا لنصرهم وَأَنه لَا غَالب لكم الْيَوْم من النَّاس وَإِنِّي جَار لكم قَالَ ابْن اسحاق وَعُمَيْر بن وهب والْحَارث بن هِشَام هُوَ الَّذِي راى إِبْلِيس حِين نكص على عَقِبَيْهِ عِنْد نزُول الْمَلَائِكَة وَقَالَ {إِنِّي أرى مَا لَا ترَوْنَ} فَلم يزل حَتَّى أوردهم ثمَّ أسلمهم فَفِي ذَلِك يَقُول حسان
(1/291)
____
. سرنا وَسَارُوا إِلَى بدر لحينهم ... لَو يعلمُونَ يَقِين الْعلم مَا سَارُوا
دلاهما بغرور ثمَّ أسلمهم ... إِن الْخَبيث لمن وَالَاهُ غرار ...
وَذكر غير ابْن اسحاق أَن الْحَارِث بن هِشَام تشبث بإبليس وَهُوَ يرى أَنه سراقَة بن مَالك فَقَالَ إِلَى أَيْن يَا سراق أَيْن تَفِر فلكمه لكمة طَرحه على قَفاهُ ثمَّ قَالَ {إِنِّي أَخَاف الله رب الْعَالمين} قَالَ السُّهيْلي ويروى أَنهم رَأَوْا سراقَة بِمَكَّة بعد ذَلِك فَقَالُوا لَهُ يَا سراقَة أخرمت الصَّفّ وأوقعت فِينَا الْهَزِيمَة فَقَالَ وَالله ماعلمت بِشَيْء من أَمركُم حَتَّى كَانَت هزيمتكم وَمَا شهِدت وَمَا علمت فَمَا صدقوه حَتَّى أَسْلمُوا وسمعوا مَا أنزل الله فِيهِ فَعَلمُوا أَنه كَانَ إِبْلِيس تمثل لَهُم وَقَول اللعين {إِنِّي أَخَاف الله} لِأَن الْكَافِر لَا يخَاف الله إِلَّا أَنه لما رأى جنود الله تنزل من السَّمَاء فخاف أَن يكون الْيَوْم الْموعد الَّذِي قَالَ الله سُبْحَانَهُ فِيهِ {يَوْم يرَوْنَ الْمَلَائِكَة لَا بشرى يَوْمئِذٍ للمجرمين} وَقبل أَيْضا إِنَّمَا خَافَ أَن تُدْرِكهُ الْمَلَائِكَة لما رأى من فعلهَا بحزبه الْكَافرين وَذكر قَاسم بن ثَابت فِي الدَّلَائِل أَن قُريْشًا حِين تَوَجَّهت إِلَى بدر مر هَاتِف من الْجِنّ على مَكَّة فِي الْيَوْم الَّذِي أوقع بهم الْمُسلمُونَ وَهُوَ ينشد بأنفذ صَوت وَلَا يرى شخصه ... أزار الحنيفيون بَدْرًا وقيعة ... سينقض مِنْهَا ركن كسْرَى وقيصرا
أبادت رجَالًا من لؤَي وأبرزت ... خرائد يضربن الترائب حسرا
فياويح من أَمْسَى عَدو مُحَمَّد ... لقد جَار عَن قصد الْهدى وتحيرا ...
فَقَالَ قَائِلهمْ من الحنيفيون فَقَالُوا هُوَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه يَزْعمُونَ أَنهم على دين إِبْرَاهِيم الحنيف ثمَّ لم يَلْبَثُوا أَن جَاءَهُم الْخَبَر الْيَقِين وَقد بوبنا على هَذِه الأبيات فِيمَا تقدم لمناسبة ذَلِك الْموضع بالأخبار واعدناها فِي هَذَا الْبَاب لتعلقها بِقصَّة بدر وَلَيْسَ الْغَرَض هَا هُنَا إِلَّا ذكر إِبْلِيس وتبديه لقريش دون سِيَاق الْغَزْوَة بكمالها إِذْ لَيْسَ مَوْضُوع هَذَا الْكتاب إِلَّا ذكر الْجِنّ وَالشَّيَاطِين بَقِي مِمَّا يتَعَرَّض إِلَى ذكره قَوْله تَعَالَى {وَينزل عَلَيْكُم من السَّمَاء مَاء ليطهركم بِهِ وَيذْهب عَنْكُم رجز الشَّيْطَان}
قَالَ السُّهيْلي كَانَ الْعَدو قد أحرزوا المَاء دون الْمُسلمين وحفروا الْقلب لأَنْفُسِهِمْ وَكَانَ الْمُسلمُونَ قد أَحْدَثُوا واجنب بَعضهم وهم لَا يصلونَ
(1/292)
____
إِلَى المَاء فوسوس الشَّيْطَان لَهُم أَو لبَعْضهِم وَقَالَ تَزْعُمُونَ أَنكُمْ على الْحق وَقد سبقكم أعداؤكم إِلَى المَاء وَأَنْتُم عطاش وتصلون بِلَا وضوء وَمَا ينْتَظر أعداؤكم إِلَّا أَن يقطع الْعَطش رِقَابكُمْ وَتذهب قواكم فيتحكموا فِيكُم كَيفَ شَاءُوا فَأرْسل الله السَّمَاء فَحلت عزاليها فتطهروا وَرووا وتلبدت الأَرْض لأقدامهم وَكَانَت رمالا وسبخات فتثبتت فِيهَا أَقْدَامهم وَذهب عَنْهُم رجز الشَّيْطَان ثمَّ نهضوا إِلَى أعدائهم وحازوا الْقلب الَّتِي كَانَت لِلْعَدو فعطش الْكفَّار وَجَاء النَّصْر من عِنْد الله وَقبض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَبْضَة من الْبَطْحَاء وَرَمَاهُمْ بهَا فَمَلَأ عُيُون جَمِيع الْعَسْكَر فَذَلِك قَوْله تَعَالَى {وَمَا رميت إِذْ رميت وَلَكِن الله رمى} وَالله الْهَادِي للحق

بواسطة : rasl_essaher
 0  0  718