• !
×

rasl_essaher

فِي بَيَان صُرَاخ الشَّيْطَان يَوْم أحد

الْبَاب الموفي اربعين بعد الْمِائَة فِي بَيَان صُرَاخ الشَّيْطَان يَوْم أحد

قَالَ مُحَمَّد بن سعد لما رَجَعَ من حضر بَدْرًا من الْمُشْركين إِلَى مَكَّة وجدوا العير الَّتِي قدم بهَا أَبُو سُفْيَان بن حَرْب مَوْقُوفَة فِي دَار الندوة فمشت اشراف قُرَيْش إِلَى أبي سُفْيَان وَقَالُوا نَحن طيبو الْأَنْفس أَن تجهزوا بِرِبْح هَذِه العير جَيْشًا إِلَى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَبُو سُفْيَان فَأَنا أول من أجَاب إِلَى ذَلِك وَبَنُو عبد منَاف فَبَاعُوهَا فَصَارَت ذَهَبا وَكَانَت الف بعير وَخمسين ألف دِينَار فَسلم إِلَى أهل العير رُؤُوس أَمْوَالهم وأخرجوا أرباحهم وَكَانُوا يربحون فِي تِجَارَتهمْ لكل دِينَار دِينَارا قَالَ ابْن اسحاق ففيهم كَمَا ذكر لي أنزل الله تَعَالَى {إِن الَّذين كفرُوا يُنْفقُونَ أَمْوَالهم ليصدوا عَن سَبِيل الله} إِلَى قَوْله {يحشرون} فاجتمعت قُرَيْش لِحَرْب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بأحابيشها وَمن اطاعها من قبائل كنَانَة وَأهل تهَامَة
(1/293)
____
قَالَ ابْن سعد وَكتب الْعَبَّاس إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُخْبِرهُمْ كُله فَأخْبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سعد بن الرّبيع بِكِتَاب الْعَبَّاس قَالَ ابْن اسحاق وَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ألف من أَصْحَابه حَتَّى إِذا كَانُوا بِالسَّوْطِ بَين الْمَدِينَة وَأحد انْخَذَلَ عَنهُ عبد الله بن أبي بِثلث النَّاس وتعبى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِلْقِتَالِ وَهُوَ فِي سَبْعمِائة رجل وتعبأت قُرَيْش وَهِي فِي ثَلَاثَة آلَاف رجل وَمَعَهُمْ مِائَتَا فرس قَالَ ابْن عقبَة وَلَيْسَ فِي الْمُسلمين فرس وَاحِد وَقَالَ الْوَاقِدِيّ لم يكن مَعَ الْمُسلمين يَوْم أحد من الْخَيل إِلَّا فرس لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفرس لأبي بردة قَالَ ابْن اسحاق وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من يَأْخُذ هَذَا السَّيْف بِحقِّهِ فَقَامَ إِلَيْهِ رجال فأمسكه عَنْهُم ثمَّ قَامَ أَبُو دُجَانَة سماك بن حَرْب فَقَالَ وَمَا حَقه يَا رَسُول الله قَالَ أَن تضرب بِهِ حَتَّى ينحني قَالَ أَنا آخذه بِحقِّهِ فَأعْطَاهُ إِيَّاه وَكَانَ أَبُو دُجَانَة رجلا شجاعا يختال عِنْد الْحَرْب إِذا كَانَت وَحين رَآهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتبختر قَالَ إِنَّهَا لمشية يبغضها الله إِلَّا فِي مثل هَذَا الْيَوْم وَقَالَ ابْن هِشَام حَدثنِي غير وَاحِد أَن الزبير بن الْعَوام قَالَ وجدت فِي نَفسِي حِين سَأَلت السَّيْف فمنعته واعطاه أَبَا دُجَانَة فَقلت وَالله لأنظرن مَا يصنع فاتبعته فَأخذ عِصَابَة لَهُ حَمْرَاء فعصب رَأسه فَقَالَت الْأَنْصَار أخرج أَبُو دُجَانَة عِصَابَة الْمَوْت وَهَكَذَا كَانَ يَقُول إِذا عصب بهَا فَجعل لَا يلقى أحدا إِلَّا قَتله قَالَ ابْن اسحاق وَقَاتل مُصعب بن عُمَيْر دون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى قتل وَكَانَ الَّذِي قَتله ابْن قميئة اللَّيْثِيّ وَهُوَ يَظُنّهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرجع إِلَى قُرَيْش فَقَالَ قتلت مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا قتل مُصعب أعْطى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرَّايَة عليا وَقَالَ ابْن سعد قتل مُصعب فَأخذ اللِّوَاء ملك فِي صُورَة مُصعب وَحَضَرت الْمَلَائِكَة الْهَزِيمَة لَا شكّ فِيهَا قَالَ وصرخ صارخ يَعْنِي لما قتل مُصعب بن عُمَيْر أَلا إِن مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد قتل قَالَ الرَّاوِي فانكفأنا وانكفأ الْقَوْم علينا بعد أَن أصبْنَا أَصْحَاب اللِّوَاء حَتَّى مَا يدنوا مِنْهُ أحد من الْقَوْم قَالَ ابْن سعد فَلَمَّا قتل أَصْحَاب اللِّوَاء انْكَشَفَ الْمُشْركُونَ منهزمين لَا يلوون وَنِسَاؤُهُمْ يدعونَ بِالْوَيْلِ وتبعهم الْمُسلمُونَ يضعون السِّلَاح فيهم حَيْثُ سَارُوا وَثَبت أَمِير الرُّمَاة عبد الله بن جُبَير فِي نفر يسير
(1/294)
____
دون الْعشْرَة مَكَانَهُ وَانْطَلق بَاقِي الرُّمَاة يتبعُون الْعَسْكَر وَحمل خَالِد بن الْوَلِيد وتبعة عِكْرِمَة بن أبي جهل وحملوا على من بَقِي من الرُّمَاة فَقَتَلُوهُمْ وَقتلُوا أَمِيرهمْ عبد الله بن جُبَير وانتفضت صُفُوف الْمُسلمين ونادى إِبْلِيس أَن مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد قتل وَاخْتَلَطَ الْمُسلمُونَ فصاروا يقتلُون على غير شعار وَثَبت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَرْمِي عَن قوسه حَتَّى صَار شظايا وَيَرْمِي بِالْحجرِ وَثَبت مَعَه عِصَابَة من أَصْحَابه أَرْبَعَة عشر رجلا سَبْعَة من الْمُهَاجِرين فيهم أَبُو بكر الصّديق وَسَبْعَة من الْأَنْصَار حَتَّى تحاجزوا وروى البُخَارِيّ لم يبْق مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا اثْنَي عشر رجلا قَالَ أَبُو طَلْحَة وَكَانَ يَوْم بلَاء وتمحيص أكْرم الله فِيهِ من أكْرم بِالشَّهَادَةِ من الْمُسلمين حَتَّى خلص الْعَدو إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ابْن اسحاق فَحَدثني حميد الطَّوِيل عَن أنس بن مَالك قَالَ كسرت ربَاعِية النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم أحد وشج وَجهه فَجعل الدَّم يسيل على وَجهه فَجعل يمسح الدَّم وَيَقُول كَيفَ يفلح قوم خضبوا وَجه نَبِيّهم وَهُوَ يَدعُوهُم إِلَى رَبهم فَأنْزل الله تَعَالَى {لَيْسَ لَك من الْأَمر شَيْء أَو يَتُوب عَلَيْهِم أَو يعذبهم فَإِنَّهُم ظَالِمُونَ} وَذكر ابْن اسحاق قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين سمع الصَّارِخ يصْرخ بقتْله هُوَ إزب الْعقبَة هَكَذَا قيد فِي هَذَا الْمَوْضُوع بِكَسْر الْهمزَة وَإِسْكَان الزَّاي وَقد تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ
قَالَ السُّهيْلي وَيُقَال للموضوع الَّذِي صرخَ مِنْهُ الشَّيْطَان جبل عينين وَلذَلِك قيل لعُثْمَان أفررت يَوْم عينين وعينان أَيْضا بلد عِنْد الجيزة وَبِه عرف خُلَيْد بن عينين الشَّاعِر قَالَ ابْن هِشَام وَوَقع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أُصِيب فِي حُفْرَة من الْحفر الَّتِي عَملهَا أَبُو عَامر فَأخذ عَليّ ابْن أبي طَالب بيد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرَفعه طَلْحَة بن عبيد الله حَتَّى اسْتَوَى قَائِما ومص مَالك بن سِنَان الْخُدْرِيّ وَالِد أبي سعيد الدَّم من وَجهه ثمَّ أزدرد دَمه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَن عِيسَى بن صلحة عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ أَن أَبَا عُبَيْدَة بن الْجراح نزع إِحْدَى الحلقتين من وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَقَطت ثنيته ثمَّ نزع الْأُخْرَى فَسَقَطت ثنيته الْأُخْرَى فَكَانَ سَاقِط الثنيتين قَالَ ابْن اسحاق وَكَانَ أول من عرف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد الْهَزِيمَة وَقَول
(1/295)
____
النَّاس قتل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا ذكر ابْن شهَاب الزُّهْرِيّ كَعْب بن مَالك قَالَ عرفت عَيْنَيْهِ يزهران من تَحت المغفر فناديت بِأَعْلَى صوتي يَا معشر الْمُسلمين أَبْشِرُوا هَذَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَشَارَ إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن اسْكُتْ فَلَمَّا عرف الْمُسلمُونَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهضوا بِهِ ونهض مَعَهم نَحْو الشّعب وَمَعَهُ أَبُو بكر وَعمر وَعلي وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر والْحَارث بن الصمَّة فَلَمَّا انْتَهوا إِلَى فَم الشّعب خرج عَليّ حَتَّى مَلأ درقته من المهراس فجَاء بِهِ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليشْرب مَه فَوجدَ لَهُ ريحًا فعافه وَلم يشرب مِنْهُ وَغسل عَن وَجهه الدَّم وصب على رَأسه وَهُوَ يَقُول اشْتَدَّ غضب الله على من أدْمى على وَجه نبيه وَذكر عمر مولى غفرة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى الظّهْر يَوْم أحد قَاعِدا من الْجراح الَّتِي أَصَابَته وَصلى الْمُسلمُونَ خَلفه قعُودا وَلما أنصرف أَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه نَادَى أَن مَوْعدكُمْ بدر للعام الْقَابِل فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لرجل من أَصْحَابه نعم هُوَ بَيْننَا وَبَيْنكُم موعد
تَعْلِيق وَبَيَان
قلت غَزْوَة أحد فِي شَوَّال فِي السّنة الثَّالِثَة من الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة وَأما غَزْوَة بدر الْموعد فَفِي ذِي الْقعدَة فِي السّنة الرَّابِعَة وَهِي الْغَزْوَة الصُّغْرَى من غزوات بدر وَهِي ثَلَاث
الأولى فِي ربيع الأول فِي السّنة الثَّانِيَة وتعرف بغزوة طلب كرز ابْن جَابر وَكَانَ أغار على سرح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَالثَّانيَِة وَهِي الْعُظْمَى فِي شهر رَمَضَان فِي السّنة الثَّانِيَة أَيْضا
وَالثَّالِثَة هِيَ الصُّغْرَى الْمَذْكُورَة نقل ذَلِك شَيخنَا الْعَلامَة أَبُو الْحسن المارديني الْحَنَفِيّ فِي مُخْتَصر السِّيرَة رَضِي الله عَنهُ
(1/296)


بواسطة : rasl_essaher
 0  0  734