• !
×

rasl_essaher

الفصْلُ الأَوَّلُ حَقُّ الدُّعَاءِ وَفَضْلُهُ

الفصْلُ الأَوَّلُ
حَقُّ الدُّعَاءِ وَفَضْلُهُ
أَخِي الْقَارِئَ الْحَبِيبَ! إِنَّ الدُّعاءَ قَدْ حَوَى حَقِيقَةَ الْعِبَادَة، فَهُوَ: إِظْهَارُ الْعَبْدِ الاْفتِقَارَ إِلَى اللهِ، وَإِنَّ النَّاظِرَ - نَظْرَةَ تَدَبُّرٍ - لِلنُّصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ يَجِدُهَا مُتَضَافِرَةً دَاعِيَةً لِفَهْمٍ ثَاقِبٍ لِحَقِّ الدُّعَاءِ وَفَضْلِهِ، وَإِنَّ لِكُلِّ حَقٍ حَقِيقَةً، كَمَا أنَّ لِكُلّ فَضْلٍ مَزِيدَ أَجْرٍ، وَبَيْنَ يَدَيْكَ - أَخِي الْقَارِئَ - بَعْضٌ مِنْ حَقِّ الدُّعَاءِ وَفَضْلِهِ، أُبَيِّنُهُ بِمَا يَأْتِي:
(1/15)
____
الدُّعاءُ هُوَ حَقِيقَةُ الْعِبَادَةِ:
قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [لقمَان: 30].
وقال تعالى: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ }. [لقمَان: 32]
وقال سبحانه: {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السَّجدَة: 16].
وقال عزَّ وجلَّ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي
(1/16)
____
أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ
}. [غَافر: 60]
وقال تبارك شأنه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البَقَرَة: 186].
وقال تبارك وتعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا }. [نُوح: 10 - 12]
(1/17)
____
وقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ» (1).

الدُّعاءُ شفاعةُ الأنبياءِ في الآخرةِ:
قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ يَدْعُو بِهَا، فَأُرِيدُ إِنْ شَاءَ اللهُ أَنْ أَخْتَبِئَ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لأمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (2).

الدُّعاءُ صلاةٌ:
قال تعالى: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً}. [الإسرَاء: 110] قالت عائشةُ رضي الله عنها: (أُنْزِلَ ذَلِكَ فِي الدُّعَاءِ) (3).

(1) أخرجه أبو داود؛ كتاب الوتر، باب: الدُّعاء، برقم (1479)، عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما. والترمذي؛ كتاب الدعوات، باب: منه «الدعاء مخّ العبادة»، برقم (3372) عنه أيضاً.
(2) متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أخرجه البخاريّ؛ كتاب التوحيد، باب: في المشيئة والإرادة، برقم (7474). ومسلم، كتاب الإيمان، باب: اختباء النبيّ صلى الله عليه وسلم دعوة الشفاعة لأمته، برقم (198).
(3) أخرجه البخاريّ، كتاب التفسير، باب: [الإسرَاء: 110] {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا}، برقم (4723) عن عائشة رضي الله عنها. ومسلم، كتاب الصلاة، باب: التوسط في القراءة في الصلاة الجهريّة، برقم (447) عنها أيضاً. واللفظ للبخاري.
(1/18)
____
وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}. [الأحزَاب: 56]
وقال سبحانه {وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلاَ إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ} [التّوبَة: 99].
وقال تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ}. [التّوبَة: 103]
وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ دَعَا لَهُمْ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِمْ» (4). ومعنى الصَّلاةِ - فيما ذُكِرَ آنفًا - الدُّعاءُ بالرَّحمةِ (5).

(4) أخرجه البخاريّ، كتاب الزكاة، باب: صلاة الإمام ودعائه لصاحب الصدقة، برقم (1497)، عن عبد الله ابن أبي أوفى رضي الله عنهما. ومسلم؛ كتاب الزكاة، باب: الدُّعاء لمن أتى بصدقة، برقم (1078) عنه أيضاً. واللفظ لمسلم.
(5) أفاده النووي في الأذكار، باب الأذكار المتعلقة بالزكاة.
(1/19)
____
الدُّعاءُ توبةٌ:
قال تعالى: {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ
}. [البَقَرَة: 37] وهو دعاء كما لا يخفى.

الدُّعاءُ المقبولُ جالبٌ للنفعِ دافعٌ للضُّرِّ في الدَّارَيْنِ:
قال تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً
(1/20)
____
وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ *}. [البَقَرَة: 201]
وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم، لمَّا طلبَتْ منه أمُّ سُلَيْمٍ رضي الله عنها الدُّعاءَ لأنسٍ رضي الله عنه: «اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ، وَوَلَدَهُ، وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتَهُ» (6).
وكان عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ «يَدْعُو فِي الصَّلاَةِ فَيَتَعَوَّذُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَفِتْنَةِ الْمَمَاتِ، وَمِنَ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ» (7).

(6) متفق عليه من حديث أنس رضي الله عنه: أخرجه البخاريّ؛ كتاب الدعوات، باب: الدُّعاء بكثرة المال والولد والبركة، برقم (6378). ومسلم؛ كتاب فضائل الصحابة، باب: من فضائل أنس ابن مالك، برقم (2480).
(7) متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها: أخرجه البخاريّ؛ كتاب الأذان، باب: الدُّعاء قبل السلام، برقم (832). ومسلم؛ كتاب المساجد، باب: ما يستعاذ منه في الصلاة، برقم (589).
(1/21)
____
الدُّعاءُ سِمَةُ المُحسنين:
قال تعالى: {وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}. [الأعرَاف: 56]

الدُّعاءُ أكرمُ شيءٍ على اللهِ تعالى:
قال صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللهِ تَعَالَى مِنَ الدُّعَاءِ» (8).
وقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالى حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْراً [خَائِبَتَيْنِ]» (9).

(8) أخرجه الترمذي؛ كتاب الدعوات، باب: ما جاء في فضل الدُّعاء، برقم (3370) عن أبي هريرة رضي الله عنه. وقال: " حسن غريب".
(9) أخرجه أبو داود؛ كتاب الصلاة، باب: الدعاء، برقم (1488) عن سلمان الفارسي رضي الله عنه. والترمذي، كتاب الدعوات، باب: «إن الله حييّ كريم»، برقم (3556)، عنه أيضاً، وقال: "حسن غريب، ورواه بعضهم ولم يرفعه". اهـ. وما بين الحاصرتين زيادة عند الترمذي.
(1/22)
____
الدُّعاءُ قد يردُّ القضاءَ:
قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَرُدُّ الْقَضَاءَ إِلاَّ الدُّعَاءُ، وَلاَ يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ إِلاَّ البِرُّ» (10). وقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ؛ فَعَلَيْكُمْ عِبَادَ اللهِ بِالدُّعَاءِ» (11).

دعاءُ المؤمنِ مستجابٌ يقيناً، وتجارةٌ رابحةٌ عاجِلاً أو آجِلاً:
قال عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: «مَا عَلَى الأَرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللهَ تَعَالَى بِدَعْوَةٍ إِلاَّ آتَاهُ اللهُ إِيَّاها -[إِمَّا أَنْ يُعَجِّلَهَا وَإمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ]- أَوْ صَرَفَ عَنْهُ

(10) أخرجه الترمذي، كتاب القدر، باب: ما جاء لا يرد القدر إلا الدعاء، برقم (2139) عن سلمان رضي الله عنه. وقال: " حسن غريب ".
(11) أخرجه الترمذيُّ؛ كتاب: الدعوات، باب: من فُتِح له منكم باب الدعاء، برقم (3548)، عن ابن عمر رضي الله عنهما.
(1/23)
____
مِنَ السُّوءِ مِثْلَهاَ، مَا لَمْ يَدْعُ بإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِِمٍ، قَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: إِذاً نُكْثِرُ، قَالَ صلى الله عليه وسلم: «اللهُ أَكْثَرُ» (12).
اللهمَّ ما أكثَرْنا من دعائِك فأكثِرْ لَنا استجابةً؛ بتعجُّلٍ، أو ادِّخارٍ، أو صَرْفِ سُوءٍ، يا ربَّ العالمين.

(12) أخرجه الترمذي؛ كتاب الدعوات، باب في انتظار الفرَج وغير ذلك، برقم (3573)، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه. وأحمد في مسنده (2/ 448)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، واللفظ المختار للترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. وما بين الحاصرتين زيادة عند أحمد.
(1/24)


بواسطة : rasl_essaher
 0  0  327