• !
×

rasl_essaher

مدخل كتاب طرسوس صفحة من جهاد المسلمين في الثغور

الكتاب: طرسوس صفحة من جهاد المسلمين في الثغور
المؤلف: جميل عبد الله محمد المصري
الناشر: الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة
الطبعة: السنة العشرون - العددان السابع والسبعون والثامن والسبعون -محرم - جماد الآخر 1408هـ/1988م
عدد الأجزاء: 1
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]
المدخل
...
طَرَسوس صفحة من جهاد المسلمين في الثغور
بقلم الدكتور/ جميل عبد الله المصري
الأستاذ المشارك
في كلية الدعوة وأصول الدين
الحمد لله، بعث رسوله صلى الله عليه وسلم بالهدى، ودينا لحق، ليظهره على الدين كله، وأيده بصحابة كرام، اختارهم على علم، وخصّهم بصحبته، فحملوا الأمانة، وسّلموها إلى من بعدهم من التابعين، الذين سلّموها إلى من بعدهم، وهكذا إلى أن وصلتنا نقية.
وبعد:
فقد سار الفتح الإسلامي وفق خطة راشدة مستنيرة، اتضحت معالمها على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قائد هذه الأمة، وسار عليها الخلفاء الراشدون، وخلفاء بني أمية، وبني العباس. هذه الخطة تهدف إلى تثبيت الدعوة في الداخل، وتبليغها، ومدّها في أقطار الأرض، وتعتمد المحافظة على شخصية الفرد المسلم ودمه، فلا مجازفة، ولا امتداد بالفتح، إلا بعد إقامة قواعد ثابتة للمسلمين، تتولّى إقامة حياة إسلامية، فتنطلق منها الدعوة إلى غيرها. وتبعا لذلك، فقد كانت بلاد الإسلام كلّها ثغور، وكلّ أهلها مثاغرون، فكل مسلم على ثغرة من ثغور الإسلام، كما قال صلى الله عليه وسلم: "أنت على ثغرة من ثُغَر الإسلام، فلا يؤتين من قبلك".
وأهم طرق تبليغ الدعوة: الجهاد في سبيل الله، وهو فرض على المسلمين، وكانت كل مدينة من مدن المسلمين مركزا من مراكز نشر الدعوة، ومعسكرا لمواصلة الفتوح، هذا دور المدن التي مصّرها المسلمون في العراق، والشام، وفارس، ومصر، وشمال إفريقيا، وتركستان، والهند، وآسيا الصغرى.
ومنذ العهد الأموي انتقلت مراكز الجهاد إلى الحدود، وتكفل جند الدولة بالجهاد-ذلك الجند المرصود في العاصمة دمشق، أو المقيم في الأمصار الإسلامية (كالبصرة، والكوفة، والفسطاط، والقيروان....) أو على الأطراف في الثغور. ولم يتغيّر هذا الوضع في عهد الدولة العباسية الأولى. واستمر أهل الإِيمان يخرجون للرباط في نواحي الحدود،
(1/103)
____
ويشتركون في الجهاد، حسبة لله وتطوعا، ولم تخل بلاد الإسلام أبداً من أفذاد يتطوعون للرباط، أو الجهاد، ويخفّون إلى مناطق الثغور والسواحل، للاشتراك في ذلك العمل الجليل مع الجند، أو الانفراد به. وطَرَسوس من المدن التي مصّرها المسلمون في العهد العباسي في آسيا الصغرى، وقامت بدور جهادي بطولي هو موضوع بحثنا هذا بإذن الله.
وطرسوس: بفتح الطاء والراء1، من مدن آسيا الصغرى، على ساحل البحر الأبيض المتوسط إلى الشمال الغربي من أنطاكيا، من ثغور الشام المشهورة، مع المصيصة2 ويبعد عنها مضيق البوسفور أكثر من 450 ميلا في خط مستقيم قاطعا هضبة آسيا الصغرى الجبلية3 وكانت قاعدة للهجوم الإسلامي على القسطنطينية4، منذ تمصيرها، براً أو بحرا، إذ تشرف على المدخل الجنوبي للدرب المشهور عبر جبال طوروس المعروف بأبواب قليقية5. فكان بينها وبين حدّ الروم جبال منيعة متشعبة من اللكام6. كما كان يشقها نهر البردان (نهر كودنس) 7 ومنبعه من جبل في شمال طرسوس يعرف بالأقرع، ويصب في بحر الروم، (البحر الأبيض المتوسط) غير بعيد عن المصبّ الحديث لنهر سيحان.
وفي ناحية الغرب وعلى مرحلة من طرسوس نهر اللامس، الذي شهد أحداث الفداء بين المسلمين والروم8 مرات كثيرة.
__
1 ياقوت- معجم البلدان- 28/4، ابن حوقل 64.
2 ياقوت 28/4، القزويني ص 219، قدامة بن جعفر ص 186 ابن خرداذبة- المسالك والمالك ص 253. وذكر ابن عبد العقد الفريد 7/279 أنها من الشام الخامسة، حيث قسم الشامات إلى خمس وهي غير ما نتعارف عليه اليوم:
الأولى: فلسطين، ومن مدنها غزة والرملة، وعسقلان، وبيت المقدس
الثانية: الأردن ومن مدنها طبرية، وبيسان..
الثالثة: الغوطة ومن مدنها دمشق وطرابلس الشام.
الرابعة: حمص. ومدينتها العظمى حمص.
الخامسة: قنسرين، ومن مدنها حلب وانطاكية، وطرسوس.
3 بلدان الخلافة الشرقية ص 169.
4 نفسه ص 169، انظر ابن خلكان 4/62، 5/350.
5 بلدان الخلافة الشرقية ص 164.
6 ابن حوقل ص 122.
7 ياقوت 4/28، بلدان الخلافة الشرقية165.
8 بلدان الخلافة 165
(1/104)


بواسطة : rasl_essaher
 0  0  981