الباب الثامن: سكان العالم
الباب الثامن: سكان العالم
الفصل الأول: توزيع السكان في العالم
مدخل
...
الفَصلُ الأول: توزيع السّكان فِي العالم:
يتوزع سكان العالم البالغ عددهم 4492 مليون نسمة في سنة 1981 على سطح اليابس الذي تبلغ مساحته 143 مليون كيلو متر مربع، ويتباين توزيعهم من قارة إلى أخرى بل وفي داخل القارة الواحدة حيث تتميز بعض المناطق بتركز سكاني شديد والبعض الآخر بندرة سكانية واضحة، وكقاعدة عامة فإن توزيع السكان على سطح الأرض يعد توزيعا غير متجانس سواء في التوزيع العددي المطلق أو في نسبته أو كثافته.
وتوضح الأرقام التالية صورة التوزيع السكاني على مستوى القارات سنة 1981:
القارة عدد السكان بالمليون %من سكان العالم
آسيا "بدون الاتحاد السوفيتي" 2608 58.1
أوروبا "بدون الاتحاد السوفيتي" 486 10.8
أفريقيا 486 10.8
أمريكا اللاتينية 366 8.1
أمريكا الشمالية 254 5.7
الأوقيانوسية 23 0.5
الاتحاد السوفيتي 268 6.0
الجملة 4492 100%
ويبدو من هذه الأرقام أن معظم سكان العالم يتركزون في العالم القديم، حيث تضم قارتا آسيا وأوروبا مجتمعتين ما يصل إلى 70% من سكان العالم، بل إن قارة آسيا بمفردها تضم أكثر من النصف، أما أوروبا بما فيها الاتحاد السوفيتي فيعيش فيها عدد يفوق مثيله في العالم الجديد ويقطن أفريقيا عشر سكان العالم، أما العالم الجديد -أي الأمريكتين- فيعيش به نحو 14% فقط.
ويبدو التباين في توزيع السكان وكثافتهم على مستوى الدول بوضوح، ففي قارة آسيا بما فيها الاتحاد السوفيتي، توجد خمس دول يعيش بها 2208 مليون نسمة -أي نصف سكان العالم بأسره سنة 1981، وهذه الدول هي جمهورية الصين الشعبية "985 مليون نسمة" والهند "688 مليون" والاتحاد السوفيتي "268 مليون" وإندونيسيا "149 مليون" واليابان "118 مليون"، وعلى النقيض تماما من ذلك فإن قارة أفريقيا يعيش بها 486 مليون نسمة يتوزعون على 55 دولة وهم دول القارة وبمتوسط حسابي يصل إلى حوالي 8 ملايين نسمة فقط للدولة الواحدة، وكقاعدة عامة فإنه في الوقت الذي يتركز فيه نصف سكان العالم في الدول الخمس المذكورة سالفا، فإن النصف الآخر يتوزع على 195 دولة ووحدة سياسية من دول العالم.
ونورد هنا الدول العشرين الأولى في حجم السكان في العالم سنة 1981:
الدولة عدد السكان بالمليون
1- الصين الشعبية 985
2- الهند 688
3- الاتحاد السوفيتي 268
4- الولايات المتحدة 230
5- إندونيسيا 149
6- البرازيل 121
7- اليابان 118
8- بنجلاديش 93
9- باكستان 89
10- نيجيريا 80
11- المكسيك 69
12- ألمانيا الغربية 61
13- إيطاليا 57
14- بريطانيا 56
15- فرنسا 54
16- فيتنام 55
17- الفلبين 48
18- تايلاند 48
19- تركيا 46
20- مصر 43
ويعيش في هذه الدول العشرين أكثر قليلا من ثلاثة مليارات من السكان أي ما يعادل ثلاثة أرباع سكان العالم، أما الربع الباقي من السكان فيتوزع على حوالي 180 دولة ووحدة سياسية أخرى.
وتبين الأرقام التالية التوزيع الكلي لعدد دول العالم حسب فئات الحجم السكاني لها:
الفئة بالمليون عدد الدول
250 مليون نسمة فأكثر 3
100 - 250 4
50 - 100 8
25 - 50 15
10 - 25 26
5 - 10 17
1 - 5 44
أقل من مليون 72
الجملة 199
وإذا كانت دول العالم تتباين حسب حجم السكان بكل منها فإنها تختلف أيضا حسب مستوى التقدم الحضاري الذي يعكسه متوسط نصيب الفرد من الخدمات والدخل القومي، ويمكن أن ينقسم العالم -بصفة عامة- في هذا المجال إلى قسمين غير متساويين أحدهما يتمثل في الدول المتقدمة Developed Countries والآخر في الدول النامية -أو دول العالم الثالث- Developing Countries ويتوزع سكان العالم على هذين النمطين بالصورة التالية سنة 1979:
سكان الدول المتقدمة 1238 مليون نسمة بنسبة 25.5%
سكان الدول النامية 3292 مليون نسمة بنسبة 74.5%
ومعنى ذلك أن الدول المتقدمة يعيش بها نحو ربع سكان العالم بينما الدول النامية تحظى بالنسبة الكبرى حيث يعيش بها ثلاثة أرباع سكان العالم.
مقاييس كثافة السكان وتوزيعهم
مدخل
...
مقاييس كثافة السكان وتوزيعهم:
يهتم دارس السكان بمعرفة حجم السكان في مساحة محددة؛ وذلك بهدف تحليل صورة التوزيع السكاني في الدولة أو في الإقليم أو المحافظة أو حتى المركز الإداري؛ وذلك لأن توزيع السكان لا يتوزع بانتظام في المجتمعات المختلفة، ويرتبط ذلك بعدد من العوامل الطبيعية والاقتصادية والاجتماعية والتي يختلف كل منها في أهميته النسبية من مكان لآخر، وتتداخل هذه العوامل مع بعضها البعض في شكل مترابط ومعقد في معظم الأحوال في تحديد تركز السكان في مجتمع ما وتشتتهم في مجتمع آخر حتى يبدو سكان منطقة ما نتاجا للتفاعل بين النظم الحضارية وباقي النظم الأخرى في المجتمع.
ويلجأ الباحث السكاني في محاولة للوصول إلى تحديد رقم معين يبين العلاقة العددية بين السكان والمساحة التي يعيشون فيها إلى استخدام بعض المقاييس البسيطة على النحو التالي:
أ- الكثافة الحسابية أو الخام Crude Density:
وهي أبسط أنواع المقاييس المستخدمة في دراسات السكان وتعني ببساطة جملة عدد السكان في وحدة مساحية معينة وتأخذ بذلك الصيغة التالية:
جملة عدد السكان في منطقة ما
المساحة الكلية لهذه المنطقة
مثال: كثافة السكان في مصر سنة 1976= 38228000 = 38 نسمة في الكيلو متر المربع
1001449 وهذا النوع من الكثافة الخام لا يعطي إلا فكرة بسيطة عن مدى تركز السكان في الإقليم، وتتناسب فائدته تناسبا عكسيا مع حجم المساحة الأرضية فكلما كبرت المساحة كلما كان مدلول الكثافة الخام سطحيا وعاما، ومن هنا فإن قيمتها تبدو في مقارنة المناطق الصغيرة المساحة والمتجانسة في ظروفها الطبيعية والاقتصادية مثل مقارنة كثافة السكان في قرى مصر أو مراكزها وأقسامها الإدارية أو محافظاتها في وادي النيل والدلتا حيث تكون الفروق البيئية والبشرية قليلة، وعلى العموم فإن كثافة السكان الخام لا يمكن النظر إليها على أنها مقياس ضغط سكاني حيث إنها لا تعبر عن علاقات وظيفية بين السكان والمساحة التي يشغلونها ومن ثم فهي ذات أهمية قليلة في دراسة العلاقة بين السكان والموارد.
ب- الكثافة الفيزيولوجية Physiological Density:
أدت العيوب المرتبطة بالكثافة الخام للسكان إلى محاولة تنقية كل من البسط أو المقام في هذه النسبة أو تنقيتهما معا، ومن ثم محاولة قصر المقام على الأراضي المأهولة بالسكان فقط دون اعتبار للأراضي غير المسكونة أو الخالية من السكان، وبهذا يمكن حساب كثافة السكان في الأراضي الزراعية فقط والتي تعرف بالكثافة الفيزيولوجية وتكون صيغتها حينئذ كالتالي:
جملة عدد السكان في منطقة ما
مساحة الأراضي الزراعية في هذه المنطقة
38228000
مثال: الكثافة الفيزيولجية في مصر سنة 1976: = =
35580
1074 نسمة في الكيلو متر المربع.
ومن هنا فإن حساب الكثافة الفيزيولوجية يستبعد تماما الأراضي الصحراوية والأراضي البور التي لم تستغل في الزراعة ومعنى ذلك أننا ننسب حجم السكان إلى مساحة الأرض الزراعية المنتجة وليس إلى المساحة الكلية للارض أيا كانت.
والكثافة الفيزيولوجية تفوق الكثافة الخام للسكان دائما وتعد مصر من الأمثلة التقليدية على ذلك في الدراسات السكانية، حيث يسكن 99% من جملة سكانها البالغ عددهم 38228000 نسمة -في تعداد 1976- في مساحة تصل إلى 3558 كيلو مترا مربعا أي بنسبة 3.5% من جملة مساحتها التي تبلغ 1.001.449 كيلو مترا مربعا، ولذلك فإن الكثافة الخام لسكان مصر تصل إلى 38 نسمة في الكيلو متر المربع، بينما تقفز الكثافة الفيزيولوجية إلى 1074 نسمة في الكيلو متر المربع، وتعد في الواقع من أعلى الكثافات في دول العالم. وليس ذلك فقط بل إنها في تزايد مستمر كما تبين الأرقام التالية في الجدول رقم"1".
جدول رقم"1"
كثافة السكان في مصر
سنة الكثافة الخام الكثافة الفيزيولوجية
التعداد نسمة في الكيلو متر المربع نسمة في الكيلو متر المربع
1882 7 196
1897 10 280
1907 11 325
1917 13 371
1927 14 410
1937 16 466
1947 19 546
1960 26 733
1966 30 845
1976 38 1074
ورغم أهمية الكثافة الفيزيولوجية فإنه ينبغي التعامل معها بحذر ذلك لأن الأراضي غير الزراعية -والتي لا تدخل في المقام- قد تكون مستغلة في أوجه نشاط اقتصادي آخر مثل التعدين أو الغابات أو المراعي وغير ذلك وبالإضافة إلى ذلك فإن الأراضي الزراعية التي ينسب إليها عدد السكان تتباين في قدراتها الإنتاجية سواء في نوع المحاصيل المنزرعة وقيمتها وعدد المواسم الزراعية في السنة الواحدة وغير ذلك، كذلك فإن السكان يختلفون مهنيا وثقافيا وحضاريا مما يصعب معه الوصول إلى صورة دقيقة للعلاقة بين توزيع السكان والأرض الزراعية، ومع ذلك فإن الكثافة الفيزيولوجية تعد تطويرا للكثافة الخام وتعطي صورة أفضل لهذه العلاقة.
أنماط التوزيع السكاني في العالم
مدخل
...
أنماط التوزيع السكاني في العالم
يبدو واضحا من دراسة خريطة توزيع السكان في العالم أنها تتباين تباينا كبيرا من قارة لأخرى "الشكل التالي"، كذلك فإن مدى التباين في داخل القارة الواحدة كبير هو الآخر، ففي أمريكا الشمالية توجد أكثف المناطق في وسط شرقها، وفي أمريكا الجنوبية توجد في منطقة البمبا وجنوب شرق البرازيل وبعض نويات العمران في المرتفعات الغربية وفي أفريقيا تتمثل بؤرات التركز السكاني في مصر ونيجيريا أما في أوروبا فإن الإقليم الشمالي الغربي بها هو أكثف الأقاليم على الإطلاق خاصة في تلك المساحة الممتدة من الجزر البريطانية إلى وسط ألمانيا وتتمثل مناطق الكثافة العالية في الاتحاد السوفيتي في منطقة أوكرانيا، أما آسيا فإن أقاليمها الشرقية والجنوبية تعد أكثر مناطق العالم ازدحاما بالسكان، وفي استراليا يعيش معظم السكان في الجنوب الشرقي قرب السواحل.
وبالرغم من أن العالم يمكن تقسيمه إلى عدة مناطق متفاوتة في درجة الكثافة والتوزيع العددي للسكان بها، إلا أنه يمكن النظر إلى صورة التوزيع السكاني على الأرض من خلال نطاقين رئيسيين أحدهما يتميز بالتشتت والتبعثر والآخر بالتركز والازدحام، وفيما بينهما توجد مناطق انتقالية تعد امتدادا لكلا النطاقين.
أقاليم التوزيع السكاني المبعثر:
تعد المناطق الجافة والغطاءات القطبية والجبال المرتفعة والغابات الكثيفة أقاليم التبعثر السكاني على خريطة العالم فتبدو الصحاري مناطق بيضاء شاسعة على خريطة السكان لندرة المياه وبالتالي ندرة الحياتين النباتية والحيوانية وهناك إقليمان صحراويان شاسعان في نطاق الرياح التجارية في كل من نصفي الكرة وإن كانت صحراء النصف الشمالي أكبر بكثير من مثيلتها في النصف الجنوبي. ولا يتوزع السكان في هذه الصحاري إلا في جيوب منعزلة حيث تتوفر المياه كما في مصر، التي تبدو كواحة طويلة تعتمد على
شكل "147" توزيع السكان في العالم مياه النيل وهي بالرغم من كثافة السكان العالية بها فإنها لا تمثل إلا منطقة ضئيلة للتركز السكاني في الصحاري؛ ذلك لأن الصحاري بصفة عامة تعد أقل مناطق العالم كثافة للغاية حتى إن بعض مناطقها تصل الكثافة بها إلى فرد واحد لكل عشرة كيلو مترات مربعة ومع ذلك ففي بعض الواحات يتركز السكان بدرجة عالية من الكثافة لا تتمشى مع مواردها المحلية، ويحدث ذلك عندما توجد المياه بكميات وفيرة.
وتساعد الأمطار التي تسقط في بعض المناطق الجافة على قيام حياة رعوية تمد أعدادا قليلة من السكان باحتياجاتهم الرئيسية، ففي إستبس القرغيز تتفوق أعداد الحيوانات على عدد السكان وحتى على حواف الصحراء الاسترالية فإن القطعان الضخمة من الأغنام التي تزيد على 50.000 رأس لا تتطلب سوى عمل حوالي 15 شخصا فقط. وفي بعض الحالات القليلة يجذب استخراج المعادن السكان إلى قلب الصحراء حيث تنشأ مدن صغيرة تعدينية في هذه البيئة القاحلة وحيث يعتمد العاملون في هذه المدن على جلب احتياجاتهم من الغذاء والماء من خارج هذه البيئة. وقد ساعد التعدين على خلق مدن صحراوية وتضخمها مثل تعدين الذهب في الصحراء الاسترالية "كالجورلي" والولايات المتحدة "كربيل كريك Cripple Creek" كذلك في قلب صحراء شبه الجزيرة العربية ساعد استخراج النفط على قيام مراكز عمرانية مشابهة تعتمد على الخارج.
أما البرودة فإن تأثيرها على توزيع السكان أقل من الجفاف ومع ذلك فإن شعوب القنص والصيد البدائية في النطاق القطبي قليلة العدد وتقل أعدادهم بالاتجاه شمالا حتى إن عددا قليلا من الإسكيمو الذين يصيدون عجول البحر لديهم القدرة على اختراق الأصقاع الشمالية حتى خط عرض 54 - 81 شمالا. أما في نصف الكرة الجنوبي فإن العمران البشري يبتعد كثيرا عن القطب الجنوبي حيث تبتعد تيراد لفويجو عن القارة المتجمدة الجنوبية بحوالي 600 أو 800 كيلو متر.
وتتمثل مناطق التركز البشري في الشمال البارد لدى بعض الجماعات مثل الإسكيمو واللاب والصامويد وغيرها، ولا يتجاوز عدد السكان شمال خط عرض 65 درجة شمالا مليون نسمة فقط وتبلغ مساحة النطاق القطبي وشبه القطبي قرابة 27 مليون كيلو متر مربع، ومن هذا النطاق ألاسكا ومساحتها 1.6 مليون كيلو متر مربع وسكانها 130.000 نسمة وشمال كندا ومساحتها 6 ملايين كيلو متر مربع وسكانه أقل من 100.000 نسمة وجرينلندا ومساحتها 2.2 مليون كيلو متر مربع وسكانها 25.000 نسمة والنطاق القطبي السوفيتي ومساحته 6 ملايين كيلو متر مربع وسكانه قرابة نصف مليون نسمة وانتاركتيكا في الجنوب ومساحتها 12 مليون كيلو متر مربع ولا يسكنها إلا عدد محدود من علماء الأرصاد الجوية وبعض رجال القواعد العسكرية ومعنى ذلك أن حوالي 20% من جملة مساحة اليابس لا يقطنه سوى 0.02% من جملة سكان العالم1.
وترجع ندرة السكان في النطاقات القطبية إلى قسوة مناخها وعدم ملاءمة الظروف الفسيولوجية للجسم البشري في الأحوال العادية فهذه المناطق تعد أقاليم شتاء دائم ولا يتعدى أكثر الشهور حرارة بها 10 درجات مئوية فوق الصفر وتظل الحرارة من - 30 درجة إلى - 60 درجة مئوية في معظم شهور السنة.
أما في الجبال فيقل عدد السكان بالارتفاع، ولذا فإن الجبال الشاهقة غير معمورة دائما فلا يعيش في هضبة التبت سكان على مستويات أعلى من 15000 قدم وفي سويسرة فإن المناطق التي تعلو على 3300 قدم لا تحوي سوى 5% فقط من جملة سكان البلاد والمناطق التي تزيد على 5000 قدم لا يعيش بها سوى 0.5% من السكان. وفي البيئة الباردة فإن عدد السكان يتناقص في مناسيب ارتفاعات أقل من البيئات الأخرى ففي سكوتلاند وويلز تبدأ ندرة السكان على ارتفاع عدة مئات من الأقدام عن سطح البحر وعلى ذلك فإن الجبال تتباين في دورها في توزيع السكان حسب العروض التي توجد بها حيث يتركز السكان في المناسيب التي تلائم ظروفها الطبيعية معيشتهم وقد يكون استخراج المعادن من المناطق الجبلية المرتفعة سببا في جذب السكان وتركزهم في هذه المرتفعات ففي بيرو يتم استخراج المعادن الثمينة في مدينة سيرودي باسكو Cerro de Pasco "14270 قدم وبوتوسي Potosi "13350 قدم" وأورورو Ouroro "12350 قدم".
كذلك فإن هناك مناطق جبلية لعبت دورا هاما في جذب اللاجئين إليها وأدى ذلك إلى ارتفاع الكثافة السكانية بصورة غير عادية كما في جبال القبائل في الجزائر وجبال الألب الترانسلفانية ومع كل ذلك فإنه رغم جذب الجبال في بعض الأقاليم للسكان فإنها تدخل ضمن المناطق المبعثرة على خريطة السكان في العالم.
أما المناطق الغابية فيصعب إقامة مراكز عمرانية بها وكانت غابات النطاق المعتدل خالية من السكان يوما ما، واليوم فإن غابات الأمازون الشاسعة لا يوجد بها إلا عدد قليل للغاية من السكان نسبيا بالمقارنة مع المناطق المرتفعة الخالية من الغابات والتي تتراوح كثافة السكان بها من 80 - 100 نسمة في الميل المربع، ويمكن ملاحظة نفس التناقض في الفلبين حيث تكون الجبال المغطاة بالغابات غير مسكونة بينما تكون السهول الخالية من الغابات والتي تسود فيها الزراعة كثيفة السكان.
وتتميز كل هذه الأقاليم المبعثرة السكان بملمح مشترك هو العمران غير المنتظم ذو النمط المشتت Sporadic ومثل هذا التبعثر يجعل من الحديث عن الكثافة أمرا غير ذي معنى وذلك لأن هناك مساحات واسعة غير مسكونة على الإطلاق، بينما توجد نقط صغيرة هي التي يتركز فيها السكان وأحسن الأمثلة على ذلك تلك البؤرات الكثيفة السكان الممثلة في الواحات المبعثرة في صحاري أفريقيا وغرب آسيا وهذه مناطق تتصف بمزايا تعوضها عن الجفاف البيئي فهي ذات تربات خصبة فيضية منقولة أو محلية وبمناخ مشمس ودافئ أو بتوافر مورد للمياه وهي سمات يتميز بها نطاق الواحات الذي يمتد من البنجاب حتى بكتريانا "Bactriana" شمال أفغانستان وفي غرب آسيا من العراق حتى ساحل سوريا ولبنان "الهلال الخصيب" وفي مصر التي عرفت الزراعة منذ عهود قديمة وشهدت ثورة اقتصادية في القرن التاسع عشر تمخضت عنها زيادة ضخمة في عدد السكان من 4.4 مليون نسمة سنة 1846 إلى 14 مليونا 1927 ثم إلى 38 مليونا 1976.
أقاليم التوزيع السكاني الكثيف:
تبدو على خريطة العالم أربع مناطق كثيفة السكان تفصلها عن بعضها البعض صحاري أو بحار، وهذه المناطق هي شرق الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا والهند والصين واليابان وتقع كلها في نصف الكرة الشمالي وبالتحديد بين مدار السرطان وخط عرض 69 درجة شمالا، وهي تحوي أكثر من ثلاثة أرباع سكان العالم ومن بين هذه المناطق نشأت الولايات المتحدة منذ قرابة مائتي عام فقط. وفيما عدا اليابان فإن هذه المناطق تتميز بسمة مشتركة، في أنها كلها مناطق ذات سهول واسعة تتكون من أودية نهرية مثل الهوانجهو واليانجتسي كيانج والجانج وسهل شمال وشرق أوروبا ثم أودية المسيسبي وروافده كذلك فهي دول أنهار كبرى وقريبة من البحر وأصبحت كلها من مناطق إنتاج الحبوب بوفرة سواء إنتاج القمح والذرة والأرز وتعد أوروبا وأمريكا الشمالية منطقتان للتركز السكاني يفصلهما المحيط الأطلسي الشمالي ولكنهما في الواقع امتداد لبعضهما؛ ذلك لأن سكان أمريكا الشمالية من أصول أوروبية ولها نفس المستوى الحضاري.
توزيع السكان في أوروبا:
أوروبا من القارات التي يأخذ توزيع السكان فيها نمطا متدرجا منتظما حيث منطقة الكثافة العظمى بها في الشمال الغربي وتقل بالاتجاه شمالا وشرقا وجنوبا، وباستثناء سكان الاتحاد السوفيتي فإن عدد سكانها يبلغ 486 مليون نسمة يعيش ثلثا هذا الرقم في مناطق عالية الكثافة وليست هناك مساحات واسعة خالية السكان أو فجوات متسعة ذات تخلخل سكاني واضح كما تبدو صورة السكان في شبه القارة الهندية مثلا وهذا التجمع السكاني الأوروبي الضخم كان منبعا للهجرة الخارجية من القارة والتي غيرت من صورة التوزيع السكاني في العالم الجديد وفي الأمريكتين واستراليا بل وفي بعض مناطق أفريقيا كذلك.
وبالرغم من الحقيقة المعروفة من أن أوروبا قد شهدت هجرة خارجية على نطاق واسع في القرنين الأخيرين -بخلاف أي قارة أخرى- إلا أنها أكثر القارات ازدحاما "تعد آسيا أكثر سكانا إلا أن بها مناطق واسعة تخلو من السكان" وقد يكون ارتفاع كثافة السكان في أوروبا راجعا إلى أنها لا تضم مناطق صحراوية جافة، مع صغر المساحة الواقعة في النطاق البارد في شمالها ثم توافر الموارد المعدنية الطبيعية والغابات والتربة الخصبة في نطاق العروض الوسطى، كذلك فإن سكان هذه القارة موزعون توزيعا غير عادل ومع ذلك فإنها أكثر القارات تجانسا في توزيعهم بالمقارنة بباقي القارات، يرجع ذلك إلى ضآلة مناطق التخلخل السكاني فيها بصفة عامة فإن منطقة الكثافة السكانية العالمية بها تمتد من وسط بريطانيا عبر شمال شرق فرنسا والأراضي المنخفضة وتستمر حتى الحدود الغربية للاتحاد السوفيتي وهناك مناطق أخرى ذات كثافة عالية مثل حوض البو في إيطاليا وحوض الرون الأدنى في فرنسا.
وتبدو درجة التباين في مستويات الكثافة إذا ما قورنت بعض الدول بغيرها فتعتبر هولندا أكثر الدول كثافة حيث تصل إلى 800 نسمة في الميل المربع وتليها بلجيكا "750" ثم بريطانيا "543" وألمانيا "500" وإيطاليا "425" ثم فرنسا "203".
ويرتبط توزيع السكان في أوروبا بعامل التضاريس حيث تعد المناطق السهلية أكثر ملاءمة للسكنى مما يترتب عليه تركز واضح للسكان وأوضح الأمثلة على ذلك تلك المنطقة السهلية الممتدة من غرب فرنسا خلال الأراضي المنخفضة وشمال ألمانيا مشتملة على أجزاء من جنوب شرق إنجلترا وكذلك في مناطق السهول الصغرى مثل سهل البو وسهل الرون ومنخفضات جنوب إسبانيا وقد تكون بعثرة السكان وتخلخلهم في المرتفعات الأوروبية -هضابا كانت أم جبالا- ناتجة عن برودتها بالنسبة للسهول المجاورة مما يجعلها أقل ملاءمة للزراعة ومن ثم للتركز السكاني كذلك يبدو أن هناك ارتباطا قويا في شمال غرب أوروبا بين توزيع السكان وحقول الفحم والتي تتصل اتصالا سهلا بمناجم الحديد ومن ثم كونت أساسا مبكرا لقيام الصناعة.
شكل "148" أكثف المناطق سكانا في أوروبا