الفصل الثاني: النمو الطبيعي للسكان
الفصل الثاني: النمو الطبيعي للسكان
مدخل
...
الفَصلُ الثَّاني: النّمُو الطبيعِي لِلسُّكان:
يعد النمو السكاني في العالم أبرز الظاهرات الديمغرافية المميزة في العصر الحديث حيث يمثل تحديا هاما للبشرية وخاصة بالنسبة للشعوب النامية التي يتزايد سكانها بمعدل كبير يزيد على معدل التزايد في التنمية الاقتصادية بها وتوفير الغذاء لسكانها، ويرتبط نمو السكان بالزيادة الطبيعية -وهي الفرق بين المواليد والوفيات- دون أن تدخل الهجرة في حسابها، ولذلك فإن دراسة النمو السكاني القائم على أساس الزيادة الطبيعية في بلد ما يسهم في تحديد المدة التي يستغرقها هذا البلد في الوصول إلى حجم معلوم إذا استمرت المعدلات بنفس مستواها، وإذا كان معدل الزيادة الطبيعية في دولة ما هو 10 في الألف فإنه يزيد بمعدل1 في المائة سنويا بطبيعة الحال وإذا استمر هذا المعدل ثابتا فإن عدد سكان هذه الدولة يتضاعف في مدى 70 عاما فقط ذلك لأن السكان يزيدون وفقا لمبدأ الفائدة المركبة وليس مبدأ الفائدة البسيطة أي أن القاعدة وهي حجم السكان في سنة الأساس تزيد سنويا بمقدار الزيادة خلال السنة السابقة1.
ويبين الجدول التالي عدد السنوات التقريبي الذي يتطلبه شعب ما كي يتضاعف عدده وفقا لمعدلات سنوية مختلفة للنمو الطبيعي وذلك بافتراض ثبات هذا المعدل من ناحية وأنه لا وجود لهجرة صافية من البلد أو إليه من ناحية أخرى. معدل الزيادة الطبيعية في المائة سنويا عدد السنوات اللازمة لتضاعف عدد السكان
3.5 24
2.5 29
2.0 35
1.5 47
1.0 70
0.5 140
وفي ضوء معدلات النمو السكاني للعالم سنة 1970 فإن سكانه سيتضاعفون في مدة 35 سنة، وتختلف قارات العالم النامي والمتقدم فيما بينها في هذا العدد وذلك انعكاسا لتباين معدلات النمو السكاني بها بطبيعة الحال وتتراوح المدة اللازمة لتضاعف السكان بين 24 سنة في أمريكا اللاتينية و27 سنة في أفريقيا و 31 سنة في آسيا مقابل 63 سنة في أمريكا الشمالية و 70 سنة في الاتحاد السوفيتي و88 سنة في أوروبا. أما فيما بين الدول فإن أدنى مدة تسود في الباكستان والفلبين وتايلاند "21" وأعلى مدة تسود في فنلنده والنمسا "175" سنة.
وتعتمد دراسة النمو السكاني على مقياس هام هو معدل النمو السكاني وهو يعد أساسا لدراسة درجة التغير في حجم السكان في إقليم ما في فترة زمنية محددة ويحسب هذا المعدل بطريقتين إحداهما هي حساب الفرق بين السكان في تعدادين مختلفين والأخرى هي تقدير معدل التغير من سجلات المواليد والوفيات والهجرة.
والطريقة الأولى التي تعتمد على جملة عدد السكان في تعدادين مختلفين هي الطريقة الشائعة لحساب معدل تغير السكان في المجتمع ويمكن الحصول على هذا المعدل باستخدام طريقتي المتوالية العددية والمتوالية الهندسية.
تطور النمو السكاني في العالم:
بلغ عدد سكان العالم في سنة 1976 نحو 4257 مليون نسمة وقد تطور عددهم تطورا كبيرا في الأجيال الثلاثة أو الأربعة الأخيرة وليس من السهل تقدير عدد سكان العالم في الفترات التاريخية القديمة قبل سنة 1650 التي تعد لدى كثير من الباحثين بداية التقدير المعقول للسكان وذلك اعتماد على تفسير الحقائق المستقاة من كتابات الرحالة والأجانب الذين امتدت إقامتهم بين الشعوب المختلفة.
وقد اختلف تقدير العلماء لسكان العالم فيما قبل بداية القرن العشرين "جدول رقم2" ويعد تقدير كارسو ندرز Saunders أبرز هذه التقديرات وقد قدر عدد سكان العالم في سنة 1650 بنحو 545 مليون نسمة إلا أنه يبدو أن معدل النمو السنوي للسكان قد تضاعف فيما بين عامي 1650 و 1850 فتعدى السكان الألف مليون نسمة ثم تضاعف مرة أخرى في العشرينات من القرن العشرين ثم مرة ثالثة فيما بعدها حتى وصل عدد السكان إلى 2500 مليون نسمة سنة 1950 ثم 3635 مليون نسمة سنة 1970 ومعنى ذلك أن سكان العالم قد تضاعفوا خلال القرن الحالي وتزايد خلال الخمسينات فقط بما يصل إلى قرابة 500 مليون نسمة وهذا الرقم يعادل إجمالي سكان العالم في منتصف القرن السابع عشر، وتربو الزيادة السنوية في الوقت الحاضر على 80 مليون نسمة في المتوسط يضافون إلى حجم سكان العالم سنويا وإذا استمر معدل النمو السكاني بمستواه الحالي فإن سكان العالم سيتضاعفون حوالي ست مرات خلال مائة عام، ولقد قدر خبراء الأمم المتحدة أن سكان العالم سيصل عددهم إلى رقم يتراوح بين 6000 مليون إلى 7000 مليون نسمة سنة 2000.
ويكون الآسيويون حتى بدون الاتحاد السوفيتي غالبية سكان العالم على امتداد الفترات التاريخية المختلفة وحتى الوقت الحاضر ويليهم في ذلك قارة أوروبا بما فيها الاتحاد السوفيتي وإن كانت نسبة الزيادة لدى السكان الأوروبيين قد قلت في العصر الحديث عما كانت عليه من قبل وذلك ناتج عن انخفاض الزيادة الطبيعية لديهم من ناحية وتعرض القارة الأوروبية لهجرات خارجة إلى قارات العالم الجديد من ناحية أخرى، وقد أسهمت هذه الهجرات في تزايد أعداد سكان هذه القارات التي تمثلهم أمريكا الشمالية وأمريكا اللاتينية أوضح تمثيل ابتداء من منتصف القرن التاسع عشر ثم استراليا في أواخره.
شكل "149" نمو السكان في العالم
جدول رقم "2"
تقديرات سكان العالم في السنوات 1650 - 1976 بالملايين1
أ- a.thompson, w., lewis, D., Population Problems, op.cit, P.384.
ب- B. U. N. Demographic Year book, 1960 and 1970.
ج- U. S. Dept. of Commerce, World Population, 1981.
عوامل النمو السكاني في العصر الحديث:
تضافرت مجموعة من العوامل أدت إلى التزايد السكاني الكبير الذي يشهده العالم في العصر الحديث، وكان من أبرزها تلك الثورة الزراعية في وسائل الإنتاج الزراعي وأساليبه، وقد تمكن البشر بواسطتها من مواجهة أثر الكوارث التي كانت تقلل من أعداد السكان في الماضي، وقد بدأت الثورة الزراعية الحقيقية في دول الغرب منذ أوائل القرن الثامن عشر في إنجلترا وبعض الدول الأوروبية ثم ما لبثت أن انتشرت نحو دول أخرى في العالم بل إن هذه الثورة ما زالت مستمرة في بعض الدول النامية التي أخذت بأساليبها حديثا.
وقد واكب هذه الثورة الزراعية انقلاب صناعي كذلك في القرن الثامن عشر كان له أبرز الأثر في زيادة الإنتاج وتطور وسائل النقل وكان أبرز مظاهر هذا الانقلاب اختراع الآلة البخارية سنة 1698 وما أدخل عليها من تعديلات في السنوات التالية ثم ما لبث استخدام البخار أن انتشر بعد ذلك كطاقة رئيسية في الآلات ولم ينته الربع الأول من القرن التاسع عشر حتى بدأ استخدامها في النقل بالسكك الحديدية وبالسفن.
وكان أثر هذه الوسائل التقنية في الزراعة والصناعة والنقل في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر بالغا في زيادة قدرة الإنسان على إنتاج الغذاء والضروريات الأساسية الأخرى وأهم من ذلك كله ساعد التحسن في فنون النقل على فتح أراضٍ جديدة شاسعة خاصة في نصف الكرة الغربي والأوقيانوسية وما ترتب على ذلك من هجرة سكانية ضخمة إليها حتى إن أمريكا الشمالية مثلا كان يسكنها قبل وفود الأوروبيين إليها في القرن السابع عشر والسنين التالية عدد يتراوح بين 500.000 إلى مليون نسمة من الهنود الحمر ولكنها تحتوي اليوم ما يزيد على مائتي مليون نسمة.
وفي خلال الفترة من 1650 - 1850 كان تطور الأساليب الجديدة في الزراعة والصناعة والنقل والاستقرار السياسي النسبي من العوامل الهامة التي أدت إلى تزايد سكان الغرب زيادة جعلت روبرت توماس مالثوس يكتب نظريته المشهورة في الفترة من 1800 - 1802 محذرا عن عواقب التزايد السكاني والصراع بينه وبين الموارد الغذائية السائدة.
وقد بدت معدلات المواليد في دول شمال وغرب أوروبا في الهبوط منذ سنة 1850 وبدأت كثير من الدول الأوروبية في التحصين ضد بعض الأمراض الوبائية مثل الجدري كما ساعد النقل على تلبية الاحتياجات الغذائية في الأماكن البعيدة وأدى ذلك كله إلى انخفاض معدل الوفيات في هذه الدول الغربية حيث هبط في دول غرب أوروبا من 24 في الألف سنة 1850 إلى 16 في الألف سنة 1900 مما يعكس التقدم الصحي الذي بدأ يميز هذه الدول1.
ومعنى ذلك أن الطفرة السكانية في العصر الحديث قد نتجت عن الزيادة الطبيعية الكبيرة والتي نتجت بدورها عن انخفاض معدل الوفيات مع بقاء معدلات المواليد ثابتة أو انخفاضها انخفاضا طفيفا في بعض مناطق العالم ولقد أوضحت الإحصاءات أن الانخفاض السريع في معدلات الوفاة كان سببا رئيسيا للتزايد السكاني السريع في العصر الحديث وقد ارتبط انخفاض معدلات الوفاة بارتفاع في متوسط أعمار الأفراد فمنذ مائتي عام مثلا كان لا ينتظر الوليد الجديد أن يعيش أكثر من 35 - 40 سنة وذلك حتى في البلاد التي كانت الظروف الصحية ملائمة بها، أما في الوقت الحاضر فقد ارتفع أمد الحياة وتجاوز 65 سنة في بلاد متعددة وما زال في اتجاهه نحو التزايد في معظم دول العالم بفضل التقدم العلمي الكبير الذي تصدى لكثير من أسباب الوفيات وخاصة في الأعمار المبكرة والتي تكون نسبة عالية من جملة الوفيات.
وقد بدأ الانخفاض الواضح في معدلات الوفيات في دول شمال أوروبا في وقت مبكر من القرن التاسع عشر، واستمر هذا الانخفاض بعد ذلك حتى صار المتوسط الحالي للوفيات في دولها حوالي 10 في الألف -وهو يعد أقل من ثلث المعدل الذي كان سائدا في أوائل القرن التاسع عشر، كذلك نتج عن انخفاض معدل الوفيات في أمريكا اللاتينية وآسيا وأفريقيا بدرجة ملحوظة في العقود الأخيرة مع ارتفاع معدلات المواليد أن أصبحت هذه القارات تعاني من النمو السريع للسكان حتى إن معدل النمو في كثير من دولها يبلغ ضعف معدل النمو العالمي.
والواقع أن الدول الأوروبية لم تشهد في تاريخها معدلا للنمو السكاني كالذي تشهده حاليا كثير من الدول النامية، فقد كانت قمة الزيادة الطبيعية في إنجلترا وويلز 14 في الألف وإسكنديناوه 12 في الألف وتعد بذلك نصف معدل الزيادة الطبيعية السائد في كثير من الدول النامية في الوقت الحاضر والسبب الرئيسي كما سبق القول هو الهبوط الكبير في معدل الوفيات، ففي موريشيوس مثلا تزايد أمد الحياة من 33 إلى 51 سنة في فترة ثمانية أعوام فقط بعد الحرب العالمية الثانية في الوقت الذي استغرقت فيه السويد 130 سنة لتحقق هذه النتيجة كذلك فإن نجاح سري لانكا "سيلان سابقا" في القضاء على الملاريا قلل من معدل الوفيات من 22 إلى 10 في الألف فقط في الفترة من 1945 - 1952 فقط وربما يكون الهبوط في معدل الوفيات مؤثرا في خفض الخصوبة على المدى الطويل من خلال ارتفاع معدلات البقاء للأطفال.
ونظرا لتباين معدلات المواليد والوفيات بين مناطق العالم الجغرافية فإنها تختلف كذلك في معدلات نمو السكان بها ففي خلال الخمسينات من هذا القرن كان أقل معدل للنمو السكاني "0.8%" سنويا سائدا في أوربا وخاصة في شمالها وغربها وكذلك في الاتحاد السوفيتي وأمريكا الشمالية حيث بلغ معدل النمو واحدا في المائة سنويا.
ويبين الجدول رقم "3" التباين في معدلات النمو السكاني في أقاليم العالم المختلفة، ويمكن تقسيم العالم إلى نطاقين كبيرين أحدهما يتمثل في الدول المتقدمة في أوروبا وأمريكا الشمالية والاتحاد السوفيتي حيث ينخفض معدل النمو السكاني بها والنطاق الآخر هو القارات النامية آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وتعد أمريكا اللاتينية المدارية أكثر مناطق العالم في معدل النمو السكاني وتليها أفريقيا ثم آسيا حيث زاد معدل النمو بها على 2% سنويا وهو بذلك يبلغ ضعف مثيله في الدول المتقدمة وتعتبر الأوقيانوسية من القارات المتقدمة ولكنها ذات معدل نمو مرتفع وذلك ناتج عن الأثر القوي الذي أحدثته الهجرة التي تسهم بحوالي 30% من جملة نمو السكان.
جدول رقم 3 المعدلات الحيوية في العالم سنة 1976 1
المصدر:
U.S. Dept. of Commerce, world Population, 1977
وتسهم هذه الأنماط المتعددة في معدلات النمو السكاني في تزايد السكان في أقاليم العالم بدرجات متفاوتة باستثناءات نادرة متمثلة في بعض المجتمعات البدائية مثل الفويجيين وبعض قبائل وسط أفريقيا والأوقيانوسية وغيرهم من الجماعات التي تتناقص في أعدادها نتيجة للتغيرات التي اعترضت حياتها الاقتصادية والبيئية ولذلك فإن معدل النمو السكاني الحالي في العالم لم يسبق أن شهدته البشرية من قبل على امتداد التاريخ البشري، وقد سبق القول بأن سكان العالم قد واصلوا نموهم وتزايدهم من 100 مليون نسمة سنة 1850 إلى 2000 مليون نسمة سنة 1940 ثم إلى 4000 مليون نسمة سنة 1975 وتبلغ الزيادة السنوية في الوقت الحاضر قرابة 80 مليون نسمة، أي أن عددا مشابها لسكان فرنسا أو إنجلترا يضاف إلى سكان العالم سنويا.
مراحل النمو السكاني
مدخل
...
مراحل النمو السكاني:
سبق القول بأن الارتباط بين معدل المواليد والوفيات هو الذي يؤدي إلى تغير حجم السكان بصفة أساسية وذلك لأن الفرق بين هذين المعدلين -والذي يعبر عنه بالزيادة الطبيعية- هو العامل الأساسي في نمو السكان ويزيد معدل المواليد على معدل الوفيات في كل دول العالم ولكن الفرق بينهما يختلف من دولة لأخرى كما أنه يختلف بين أقاليم الدولة الواحدة بل وبين الطبقات الاجتماعية في داخل الإقليم الواحد ولذلك فإن لكل دولة نمط خاص للنمو السكاني وإذا كانت هناك دولتان تتشابهان في معدلات النمو بها فإنهما قد وصلتا إلى هذا التشابه نتيجة ظروف ديموغرافية متشابهة في صورتها العامة ولكنها تختلف في التفاصيل التي أثرت في اتجاه النمو بها.
وقد أدت دراسة النمو السكاني إلى محاولة تقسيمه إلى مراحل رئيسية أو دورات ديموغرافية تتميز كل منها بسمات خاصة معتمدة على تطور المواليد والوفيات وتعرف هذه النظرية بنظرية النمو الطبيعي للسكان أو بالنظرية الديموغرافية الانتقالية Demographic Transitional Theory وقد أقيمت على أساس تجارب بيولوجية معملية في بادئ الأمر أجريت على بعض الكائنات وقام بها ريموند بيرل واستنتج أن النمو الطبيعي يحدث في دورات مميزة ففي خلال الدورة الواحدة وفي مساحة معينة ووسط معين فإن النمو يبدأ بطيئا ثم ما يلبث أن يتزايد بالتدريج وبنسبة ثابتة حتى يصل إلى منتصف الدورة وبعد هذه النقطة فإن الزيادة المطلقة بالنسبة للوحدة الزمنية تصبح أقل حتى نهاية الدورة وقد اتخذ لوصف هذه النظرية قانونا رياضيا مستخدما معادلة المنحنى اللوجستي لشرح منحنى النمو السكاني وتحديد دوراته المتتابعة.
وهناك نظرية مشابهة هي التي نادى بها Gini الإيطالي وقد رأى أن دورة النمو السكاني تشبه دورة حياة الفرد: تتميز بمرحلة نمو سريع مبكر ثم مرحلة نضج وثبات وبعد ذلك مرحلة شيخوخة ويرى كلا الباحثين "بيرل وجيني" أن دورة النمو السكاني تتأثر تأثرا كبيرا بعامل المواليد وهبوطه وينتج عن هذه الدورات في النهاية منحنى يأخذ شكل حرف S المائل وتختلف ديناميكية كل دورة عن الأخرى حسب الظروف الديموغرافية المؤدية إليها.
وتعد نظرية الانتقال الديموغرافي من أبرز المظاهر المرتبطة بدراسة السكان وربما حظيت باهتمام كبير يماثل الاهتمام الذي قوبلت به نظرية مالثوس من قبل وهي باختصار تمثل العلاقة بين معدل المواليد ومعدل الوفيات وما تنتجه من مؤثرات ديموغرافية تنعكس على معدل النمو السكاني في المجتمع وهي في ذلك تعتمد على عنصر الزمن لتحديد تطور منحنى النمو وتقسيمه إلى مراحل مميزة لكل منها سماتها الخاصة في هذين العنصرين الحيويين: المواليد والوفيات.
وعلى أساس تباين معدلات المواليد والوفيات في دول العالم فإنه يمكن تقسيمها نظريا حسب هذه النظرية إلى أنماط متعددة تضمنها المراحل التالية التي يوضحها 1- المرحلة الأولى High stationary stage:
وتعرف أحيانا بالمرحلة البدائية Primitive Stage وتتميز بارتفاع معدل المواليد والوفيات ويتعرض السكان فيها لأوبئة ومجاعات ترفع معدل الوفيات إلى أرقام كبيرة وكذلك ترتفع فيها معدلات وفيات الأطفال الرضع ارتفاعا كبيرا قد يصل إلى أكثر من 250 في الألف كما أن أكثر من نصف الأطفال يموتون قبل وصولهم سن الخامسة عشر ولقد مرت كل شعوب العالم بهذه المرحلة التي سادت العالم في كل أجزائه تقريبا حتى القرن السابع عشر الميلادي ولكن قلت المجتمعات التي تتمثل فيها هذه المرحلة في العصر الحديث قلة واضحة وأصبحت مقصورة على بعض أجزاء وسط أفريقيا وبعض جزر جنوب شرق آسيا وبعض مناطق دول أمريكا اللاتينية حيث يتعدى معدل المواليد والوفيات 30 في الألف وبالتالي لا يزيد معدل النمو السكاني زيادة كبيرة ويظل مرتبطا بظروف التخلف الصحي والاجتماعي السائدة.
وتشبه ظروف هذه المناطق المختلفة ظروف أوروبا منذ مائتي سنة، ولكنها تشمل بعض المجتمعات المنعزلة في العالم والتي يقدر البعض عددها بنحو 100
مليون نسمة ولا شك أن ازدياد اتصالها بالعالم المتحضر سيؤدي إلى تقليل معدلات الوفيات بها وبالتالي دخولها في المرحلة التالية من مراحل الدورة الديموغرافية.
شكل "151" مراحل النمو السكاني
2- المرحلة الثانية:
وتعرف بمرحلة التزايد السكاني المبكر أو المرحلة الديموغرافية الشابة وتتميز بالنمو المتزايد والسريع للسكان الناتج عن انخفاض معدل الوفيات مع استمرار معدل المواليد مرتفعا ومن ثم تتسع الهوة بين المواليد والوفيات وترتفع نسبة الزيادة الطبيعية، ويتميز الهرم العمري للسكان باتساع القاعدة -أي ارتفاع نسبة الصغار- وقد انتهت بريطانيا من هذه المرحلة في السبعينات من القرن الماضي أو منذ ما يزيد على مائة سنة وتعيش معظم دول العالم في هذه المرحلة حيث تسود في دول أمريكا اللاتينية المدارية وكذلك في معظم الدول الأفريقية والآسيوية وقد دخل كثير من هذه الدول تلك المرحلة منذ عقد أو عقدين من الزمان فقط حيث أدى الهبوط المفاجئ في معدل الوفيات بها واستمرار معدل المواليد ثابتا إلى تزايد واضح في معدل الزيادة الطبيعية الذي وصل إلى درجة عالية في دول هذه المرحلة مثل كولومبيا "3.4%" سنويا، وإكوادور "3,4%" وفنزويلا "3,4%" وباراجواي "3.4%" وكوستاريكا "3,8%" وتايلاند "3.2%" والفلبين "3.4%" والسودان "3.2%" والجزائر "3.2%" والعراق "3.4%" ودول هذه المجموعة هي التي تحظى بأعلى معدلات للنمو السكاني في العالم والذي يكشف عن زيادة كبيرة حالية ومرتفعة في عدد السكان الذي بها يمكن أن يتضاعف في مدى الثلاثين عاما القادمة وبمعنى آخر فإن هذه الدول تعيش الآن مرحلة الانفجار السكاني الذي يعد من أبرز مشكلاتها المعاصرة.
ويعد التطور التكنولوجي الكبير من أهم العوامل التي مكنت الدول من الدخول إلى المرحلة الثانية -مرحلة الانفجار السكاني- حيث استطاعت بواسطته أن تسيطر على الأمراض الوبائية وأن تخفض من معدل الوفيات بها في فترة قصيرة مع بقاء معدل المواليد مرتفعا ولذلك فإن ديناميكية الانفجار السكاني ترجع في الأساس إلى الهبوط الكبير في معدل الوفيات نتيجة السيطرة على أسبابها.
3- المرحلة الثالثة:
وتعرف بمرحلة التزايد السكاني المتأخر Late expanding stage وهي المرحلة التي تعيشها الدول ذات الخصوبة المتوسطة "معدل المواليد أكثر قليلا من 20 في الألف" ووفيات منخفضة "معدل وفيات حوالي 10 في الألف" ويتميز النمو السكاني بأنه أقل من مستواه من المرحلة السابقة ذات التزايد المبكر وتتراوح الزيادة الطبيعية فيما بين 1% إلى 2% سنويا، مثل إسبانيا ويوغوسلافيا "1.1%" وهولندا "1.1%" ورومانيا "1.3%" والاتحاد السوفيتي "1.0%" والولايات المتحدة "1.0%".
وفي هذه المرحلة توجد دول أخرى مثل الأرجنتين "1.5%" واستراليا "1.9%" ونيوزيلندا "1.7%" وكندا "1.7%" وفي هذه الدول تلعب الهجرة الوافدة دورا ليس صغيرا في مكونات النمو السكاني، وتعد هذه المرحلة أولى المراحل التي تضم سكانا أوروبيين، ويشبه معدل النمو السكاني لديها معدل النمو العالمي في الوقت الحاضر.
المرحلة الرابعة Late expanding stage:
وهي المرحلة الأخيرة في الدورة الديموغرافية وهي تشمل الدول التي وصلت إلى مرحلة الثبات والاستقرار الديموغرافيين حيث انخفض فيها معدل المواليد ومعدل الوفيات انخفاضا ملحوظا وبالتالي هبط النمو السكاني بها إلى أدنى مستوياته في العالم حيث يتراوح بين 0.5% سنويا - 1.0% سنويا كما هي الحال في معظم دول شمال وغرب أوروبا وأوضح الأمثلة فنلنده حيث يصل معدل النمو إلى 0.4% سنويا وبلجيكا والنمسا 0.4% والمملكة المتحدة 0.5% وألمانيا الغربية 0.6% وفرنسا 0.8%، وفي أقصى حدود هذه المرحلة قد يحدث نقص طبيعي للسكان كما حدث في فرنسا مثلا بين عامي 1934، 1938 عندما كان معدل المواليد 14.5 في الألف والوفيات 15.3 في الألف وقد عاد التوازن إلى السكان بعد ذلك.
وتمثل اليابان نوعا فريدا في العصر الحديث حيث استطاعت أن تمر من المرحلة الثالثة الى المرحلة الرابعة التي تعيشها حاليا في أقل من عشرين سنة وذلك نتيجة سياسة حازمة لتخفيض معدل النمو السكاني بها حتى وصل إلى 1% سنويا فقط وهي تعد بذلك الدولة الآسيوية الوحيدة التي تعيش في المرحلة الرابعة.
وبالرغم من أنه يمكن التنبؤ بأن كثيرا من الدول ستصل إلى المرحلة الرابعة في النهاية إلا أن ذلك الانتقال المرحلي يرتبط بتغيرات كبيرة في التركيب الاقتصادي والاجتماعي في هذه الدول يمكنها من الهبوط بمعدلات المواليد والوفيات إلى المستوى المنخفض السائد في دول المرحلة الرابعة من الدورة الديموغرافية.
مستقبل النمو السكاني في العالم:
يعد تقدير حجم السكان في المستقبل نتاجا هاما للدراسة الديموغرافية بل هو هدفها الرئيسي والمتمم لها في الواقع حيث يعتمد على عوامل النمو السكاني الحيوية وعلى الفروض الخاصة بها.
وتختلف تقديرات السكان في المستقبل حسب اتجاه الخصوبة والوفيات،وقد جرت العادة على وضع ثلاث تقديرات للسكان، تقدير عالٍ وتقدير متوسط وتقدير منخفض ويرتبط التقدير العالي بافتراض ثبات معدلات الخصوبة والوفيات بينما المنخفض يرتبط بهبوط الخصوبة. ويكون التقدير المتوسط وسطا بينهما وإذا أخذنا التقدير المتوسط فيبدو أن سكان العالم سيتعدون الستة بلايين نسمة، ومعنى ذلك أن عددا يصل إلى 2400 مليون نسمة سيضافون إلى سكان العالم في الربع الأخير من القرن العشرين.
جدول رقم "4" تقدير سكان القارات حتى سنة 2000. 1
تقدير متوسط
القارة 1970 1985 2000
أفريقيا 344 530 768
آسيا 2056 2874 3458
أمريكا اللاتينية 283 435 638
أمريكا الشمالية 228 280 354
أوروبا 462 515 527
الاتحاد السوفيتي 243 287 353
الأوقيانوسية 19 27 32
العالم 3635 4933 6130
1 THe Population Reference Bureau, April 1970.
2 The Population Council, Reports on Population and Family Planning, No. 15 January, 1974.
ويبين الجدول رقم "4" والشكل التالي التقدير المتوسط لعدد السكان في قارات العالم في الفترة من 1970 إلى 2000، وفي ضوء هذه الأرقام، فإنه يمكن تقسيم قارات العالم إلى مجموعتين: مجموعة القارات النامية وتشمل أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية ومجموعة القارات المتقدمة وتضم أوروبا "الاتحاد السوفيتي" وأمريكا الشمالية والأوقيانوسية، ويبدو واضحا أن المجموعة الأولى سيتضاعف عدد سكانها في حوالي ثلاثين عاما 1970 - 2000 وهي تعيش الآن مرحلة الانفجار السكاني، وإذا كان سكان هذه المجموعة يشكلون قرابة ثلاثة أرباع سكان العالم في الوقت الحاضر فإن نسبتهم ستصل إلى قرابة أربعة أخماس سكان العالم في سنة 2000، وعموما فإنه حسب هذا التقدير المتوسط سيزيد عدد سكان القارات النامية زيادة مطلقة بنحو 2184
شكل "152" تقديرات سكان العالم حتى سنة 2000 مليون نسمة بنسبة 80% في الفترة من 1970 حتى 2000، أي بمعدل نمو 2.5% سنويا.
أما سكان المجموعة الثانية وهي القارات المتقدمة، فيتميزون بمعدل نمو منخفض ناجم بطبيعة الحال عن انخفاض معدلات المواليد بها ولذلك فإن سكانها سيزيدون بنسبة الثلث فقط في هذه الفترة.