رابعا- الزراعة في البيئة الباردة
الزراعة في البيئة الباردة
الزراعة في التندرا
...
رابعا- الزراعة في البيئة الباردة:
أ- الزراعة في التندرا:
لعبت الزراعة في الماضي دورا ضئيلا في اقتصاد المناطق الشمالية ولعل مرجع ذلك فصل النمو القصير والصيف البارد والتربة الفقيرة والسطح المتأثر بعوامل التعرية الجليدية إلى حد كبير ويعد المناخ والتربة من أهم العناصر التي تؤثر في الزراعة في هذه الأقاليم فيبلغ طول فصل النمو في المناطق القطبية مدة تتراوح بين 60 - 90 يوما وفي كثير من مناطقها لا يرتفع متوسط درجة الحرارة في أي شهر على 42 درجة ف الذي يعد الحد الأدنى لنمو النباتات "صفر النمو" وهناك مناطق لا تنمو بها النباتات على الإطلاق فيما عدا مساحات ضئيلة للغاية تساعد ظروفها المحلية على حمايتها من الظروف المناخية القاسية.
وفي المناطق التي تكون البيئة القطبية وشبه القطبية يمكن استبعاد نطاق الغطاءات الجليدية من الزراعة وكذلك التندرا فيما عدا المناطق الجنوبية منها التي تصل حرارة الصيف القصيرة بها إلى حوالي 50 درجة أما في المناطق الانتقالية فيما بين التندرا والغابات الصنوبرية "التاييجا" فإن هناك بعض المناطق التي تمارس فيها الزراعة كما هي الحال في منطقة أكلافيك Aklavik في دلتا نهر الماكنزي في شمال كندا حيث أنشئت بعض الحدائق التي تنتج الآن بعض المحاصيل الملائمة لهذه الظروف مثل الكرنب والجزر وربما تكون هذه الحدائق وحدائق منطقة أوماناك Umanak 71 شمالا في ساحل جرينلند الغربي أقصى حدائق في العالم نحو الشمال وتشبهها في ذلك حدائق تكس Tiksi قرب دلتا نهر لينا 71.53 ش حيث يزرع بها الخضار وبلغت مساحتها في سنة 1954: 6.5 هكتار "الهكتار = 2.47 فدان" وتربى بها بعض أنواع الأبقار والخنازير كذلك أقام السوفييت المحطات الزراعية القطبية الأخرى في بيوت زجاجية تدفأ صناعيا كما أقام سكان أيسلند بعض البيوت الحضراء التي دفئت باستخدام مياه الينابيع الحارة والتي يغذي إنتاجها السوق المحلية في مدينة ريكجافيك وإزاء كل هذه الظروف الصعبة فمن المشكوك فيه أن يصبح إقليم التندرا منطقة إنتاج زراعي على نطاق كبير من المستقبل.
2- الزراعة في التايجا:
تختلف الزراعة في التايجا عنها في التندرا؛ ذلك لاختلاف الظروف بينهما اختلافا كبيرا فالتربات في التايجا أحسن بالرغم من أنها ليست جيدة تماما فمعظمها رقيق وقليل القيمة الزراعية وحرارة الصيف في هذا النطاق أعلى من التندرا، ففي وادي ماكنزي ترتفع الحرارة بثبات كلما اتجهنا نحو الجنوب والصيف قصير وبارد ولكنه مناسب لزراعة بعض المحاصيل وتتركز الزراعة الحالية في التربات الجيدة وتختلف المناطق شبه القطبية تماما في الاستغلال الزراعي بها كما يبدو من الآتي:
الاسكا:
تتراوح المساحة الصالحة للزراعة والرعى بها حوالى 7 مليون فدان منها مليونان و 870 ألف فدان قابلة للزراعة وقد استصلح منها 12.000 فدان فقط وأنتجت بالفعل في سنة 1959 وأهم مناطق الزراعة فيها توجد في وادي ماتانوسكا Matanuska 61.20 درجة شمالا قرب فيربانكس حيث تزرع البطاطس والشعير والشيلم والشوفان والقمح الربيعي كذلك تزرع معظم الأرض بالأعلاف الخضراء ومنها البرسيم حجازي.
كندا:
تتبع نفس النمط في ألاسكا وتتشابه بالتالي المحاصيل المزروعة وتوجد لكل محلة عمرانية على نهر ماكنزي مزرعتها الخاصة بها وذلك لتموينها بالأغذية وتصدير ما يفيض إلى المحلات القريبة وكانت المزارع في فترة الاندفاع نحو الذهب أوسع مما هي عليه الآن وربما يؤدي التوسع التعديني في هذه المناطق إلى توسع زراعي من جديد.
وقد تركزت الزراعة في وادي نهر ماكنزي وحول بعض بحيراته وروافده مثل وادي نهر بيس Peace الذي ينتج الحبوب كذلك شهدت هذه المنطقة الرعي والزراعة المختلطة كما هي الحال في شمال انتاريو وكوبيك على امتداد خط السكك الحديدية من وينج إلى كوبيك في النطاق المعروف بالنطاق الصلصالي. ولم تنجح الزراعة هنا تماما ولذلك فإن الزراع يعملون جزئيا بها ويقضون باقي نشاطهم في قطع الأشجار أو التعدين في نفس الإقليم.
الفصل الثاني: صيد الأسماك
مدخل
...
الفَصلُ الثَّاني: صَيد الأسمَاك
تعد حرفة صيد الأسماك من الحرف الواسعة الانتشار في العالم حيث يمارسها السكان في كل المناطق الساحلية تقريبا وفي البحيرات الصغيرة والكبيرة وفي الأنهار والنهيرات وحتى في القنوات والبرك، وتزخر مياه المسطحات المائية بأنواع شتى من الأسماك ولكن يمكن أن نقسمها إلى قسمين كبيرين هما أسماك المياه العذبة Fresh Water وأسماك المياه المالحة "البحار والمحيطات" Salt Water كذلك فإن مصايد الأسماك نفسها Fisheries تنقسم إلى المصايد الداخلية "المياه العذبة" والمصايد الساحلية والشطوط Banks ومصايد أعالي البحار. أو البحار المفتوحة Open Sea كذلك فإنه اعتمادا على ما إذا كانت الأسماك تستهلك محليا أو تباع فإنها يمكن اعتبارها مصايد معاشية Subsistence Fisheries أو مصايد تجارية.
وليس هناك فواصل واضحة بين المصايد المعاشية والتجارية في كثير من مناطق الصيد أو بين مصايد المياه العذبة والمياه المالحة، ومع ذلك فإن الصيد التجاري للأسماك يختلف اختلافا كبيرا حسب الأساليب المستخدمة والطرق وكذلك في أنواع الأسماك التي يتم صيدها، ومن ثم فإن تقسيم المصايد التجارية إلى مصايد المياه العذبة والمصايد الساحلية ومصايد الشطوط أو البحار المفتوحة يبدو ملائما.
مصايد الأسماك في المياه العذبة
مدخل
...
أولا: مصايد الأسماك في المياه العذبة:
تتركز معظم مصايد الأسماك العذبة في البحيرات والأنهار بروافدها وفروعها التي توجد في مناطق التركز السكاني أو بالقرب منها "قارن بين خريطة توزيع السكان وتوزيع المصايد" ويمكن القول بأن مناطقها الرئيسية توجد في جنوب شرق آسيا، وفي الاتحاد السوفيتي وفي وسط أفريقيا وأمريكا الشمالية.
1- مصايد المياه العذبة في جنوب شرقي آسيا:
تعد مصايد الأسماك التجارية والمعاشية التي توجد في جنوب شرق آسيا من أكثر مصايد المياه العذبة أهمية في العالم، وتتراوح نسبة كميات أسماك المياه العذبة من جملة الأسماك التي يتم صيدها من 20 - 30% في الملايو والهند وتايلاند ومن 38 - 46% في تايوان والصين وإندونيسيا والفلبين وحوالي 7% من الباكستان، أما في اليابان ذات الماضي العريق في الصيد البحري والساحلي فإن إنتاجها من أسماك المياه العذبة بها قليل الأهمية للغاية بالنسبة لإنتاجها البحري بالرغم من أن اليابان تنتج أسماك المياه العذبة بواسطة تربيتها في البرك والخزانات المائية الكبيرة والبحيرات والمجاري المائية وفي حقول الأرز والشعير، وذلك جعلها أكثر دول جنوب شرق آسيا -باستثناء الصين- إنتاجا لأسماك المياه العذبة، بل إن إنتاجها منها يتفوق على الولايات المتحدة الأمريكية.
وترجع أهمية مصايد أسماك المياه العذبة في جنوب شرق آسيا إلى عدد من العوامل، ففي هذه المناطق كثيفة السكان ذات الثروة الحيوانية القليلة نسبيًّا من الماشية والأغنام تزداد الحاجة إلى الأسماك التي يسود صيدها المعاشي والتجاري على نطاق واسع في البحيرات والبرك والقنوات والأنهار وحقول الأرز التي يغمرها الفيضان، وتخزن المياه بانتظام وتربى الأسماك حيث تخصب المياه حتى تساعد على تغذية الأسماك وسرعة نموها وصيدها على فترات منتظمة.
ويقدر أن مناطق صيد الأسماك من المياه العذبة في الصين تزيد مساحتها على 186.000 ميل مربع من الأنهار والبحيرات والقنوات كما تزيد مساحة المزارع السمكية "Pesciculture" على 420.000 فدان يعمل بها حوالي 15 مليون نسمة.
ولا يقتصر دور الأسماك على سد الاحتياجات الغذائية لهذه المناطق المزدحمة السكان فقط، ولكنها تضيف البروتين أيضا إلى غذائهم الغني جدا بالنشا، وتستهلك أسماك المياه العذبة بالقرب من المصايد وعلى مسافة لا تربو على عدة أميال منها. وفي دول جنوب شرق آسيا يسوق من الأسماك التي يتم صيدها نسبة كبيرة تتراوح بين 70 - 90% من جملة الإنتاج.
2- مصايد المياه العذبة في الاتحاد السوفيتي:
تأتي مصايد الأسماك في المياه العذبة بالاتحاد السوفيتي بعد مصايد جنوب شرق آسيا في الأهمية ويقدر إنتاج الأسماك من المياه العذبة في الاتحاد السوفيتي بنحو 25% من جملة إنتاج الأسماك به، وتوجد معظم هذه المصايد في البحيرات العديدة، والأنهار التي تنتشر في أنحاء الاتحاد السوفيتي ولكن أهمها يتركز في جنوب روسيا الأوروبية وشمال غرب روسيا.
وتتوزع مصايد جنوب روسيا الأوروبية في أنهار الدنيستر Dniester وبج Bug ودنيبر Dnieper والدونتز Donets والدن Don والفولجا Volga والأورال Ural، ودلتاواتها والبحيرات التي توجد بهذه الدلتاوات.
وتنقسم الأسماك التي يتم صيدها إلى نوعين أحدهما تلك الأسماك التي تعيش معظم حياتها في المياه المالحة ثم تنتقل منها إلى الأنهار خلال الربيع والصيف لكي تضع بيضها وتتغذى على ما تحتويه المياه العذبة والنوع الآخر هو الذي يعيش بصفة دائمة في المياه العذبة، وأهم أسماك النوع الأول المتعددة السمك السترجون Sturgeon الذي يؤخذ منه الكافيار "نوع من بطارخ السمك" والسلمون Salmon وغيرها ويتم صيد معظم الأسماك في الأجزاء الدنيا من الأنهار وفي فروع الدلتاوات الكبيرة وفي المياه الداخلية الضحلة للبحيرات، ويتميز الصيد في هذه المناطق بأنه صيد تجاري.
وترجع أهمية مصايد المياه العذبة في الاتحاد السوفيتي إلى عدة أسباب رئيسية، فإلى الغرب والشمال توجد نظم نهرية ضخمة تصرف مياه مناطق شاسعة ذات تربات غنية بالمواد العضوية Humus تتجمع بها كميات ضخمة من المواد النتروجينية من الأراضي الزراعية، وليست هناك فرصة في مياه الأنهار الجارية سواء من حيث الوقت أو الشروط الأخرى لتكون البلانكتون Plankton الغني1. ولذا تتوفر كميات ضخمة من غذاء الأسماك في الأجزاء الدنيا من الأنهار خاصة في فروع دلتاواتها ومياه البحر الضحلة القريبة، وفي هذه المناطق لا توجد تيارات بحرية أو حركة مد قوية تؤدي إلى بعثرة وتوزيع البلانكتون على مساحة واسعة كما يحدث غالبا على امتداد سواحل البحار المفتوحة، فبالقرب من الدلتاوات توجد مناطق ضحلة يتميز قاعها بأنه طيني ناعم وبالمياه الدافئة ومن ثم يكون بيئة مثالية غنية بالبلانكتون -غذاء الأسماك، وفي كثير من المدن الصغيرة والقرى الواقعة في دلتاوات الأنهار الروسية يعمل أكثر من نصف السكان في صيد الاسماك وإعدادها للتسويق، وما يتطلبه ذلك من تنظيف أو تمليح أو تجفيف أو تجميد أو تعبئة، ثم يشحن بعد ذلك بواسطة السفن النهرية أو بواسطة السكك الحديدية والشاحنات نحو مراكز الاستهلاك الداخلية.
3- مصايد الأسماك من المياه العذبة في أفريقيا:
تأتي أفريقيا في الترتيب الثالث بعد جنوب شرق آسيا والاتحاد السوفيتي في إنتاج الأسماك من مصايد المياه العذبة، ومن السهل أن ندرك السبب الذي من أجله يقل صيد الأسماك للغاية من المسطحات والمجاري المائية في صحاري شمال القارة وجنوبها الغربي، ومع ذلك فإن مصر تعد منتجا هاما لأسماك المياه العذبة في شمال شرق القارة حيث يبلغ جملة إنتاج الأسماك من المياه العذبة بها 60% من جملة إنتاجها السمكي.
أما في وسط أفريقيا فإن الأمر مختلف؛ ذلك لأن كل أقطار هذا النطاق من القارة يوجد بها مصايد أسماك مياه عذبة ذات أهمية محلية كبيرة، وفي هذه الدول حتى التي تجاور منها المحيط الأطلسي أو الهندي فإن إنتاج أسماك المياه العذبة يفوق إنتاج المياه المالحة، ويرجع ذلك لعدة أسباب أبرزها أن ملايين السكان تمارس حرفة الصيد في المياه العذبة الداخلية كحرفة معاشية لسد الحاجة، وذلك بالإضافة إلى الظروف الطبيعية الملائمة التي تتمثل في تزايد كمية الأمطار الساقطة سنويا والتي تؤدي بدورها إلى وفر المياه في الأنهار والبحيرات وبالتالي وجود كميات متنوعة كبيرة من الأسماك، كذلك فإن المناطق المدارية المطيرة لا تساعد ظروفها الطبيعية على تربية الحيوان بسبب انتشار ذبابة تسي تسي ولذا تكون الأسماك على قدر كبير من الأهمية في تعويض البروتين الحيواني في الغذاء الذي يزيد به نسبة النشا في هذه الأقاليم وتستهلك كمية الأسماك التي يتم صيدها محليا وذلك للنقص في وسائل التبريد Refrigeration وإمكانات النقل.
4- المصايد الداخلية في أمريكا الشمالية:
لا تسهم المصايد الداخلية في أمريكا الشمالية إلا بنسبة قليلة تصل إلى 4% فقط من إنتاج مصايد المياه العذبة في العالم، وبالرغم من أن هذه المصايد تتمثل في كثير من الأنهار والبحيرات إلا أن نهر المسيسبي وروافده والبحيرات العظمى تعد المصدر الرئيسي لأسماك المياه العذبة.
ويتم صيد معظم الأسماك بالقرب من شواطئ البحيرات قرب المواني البحرية ومدن الصيد الصغيرة، أو قرب الأسواق الحضرية الكبرى، ويتوقف الصيد خلال أواخر الخريف والشتاء بسبب العواصف والطقس غير الملائم وتكون الثلوج.
وبالرغم من أن نهر المسيسبي وروافده يعدان مصدرا لصيد الأسماك الذي يمارسه السكان منذ حوالي مائة عام أو أكثر، إلا أنه ما زال يمثل منطقة صيد هامة حيث يمارس الصيد فيه من مصبه حتى أجزائه العليا. ويتساوى الإنتاج السمكي منه بين أجزائه الواقعة جنوب مصب نهر الأوهايو Ohio والواقعة في الشمال منه.
وقد ساعد على تقدم الصيد الداخلي في أمريكا الشمالية موقع المصايد وقرب مناطق التركز السكاني وتوفر وسائل النقل الجيدة وتوفر طرق التبريد الحديثة وقرب مناطق الاستهلاك، ولذا فإن 77% من جملة إنتاج أسماك المياه العذبة يتم تسويقه طازجا و11% مجمدا و9% مملحا أو مدخنا.