باب المواقيت
باب المواقيت
** الحديث الثالث عشر: عن ابن عباس رضي الله عنهما " أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرن المنازل ولأهل اليمن يلملم هن لهن ، ولمن أتى عليهن من غيرهن ، ممن أراد الحج والعمرة , ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ ، حتى أهل مكة من مكة " متفق عليه.
** الحديث الرابع:وعن عائشة رضي الله عنها "أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق" رواه أبو داود والنسائي وأصله عند مسلم من حديث جابر, إلا أن راويه شك في رفعه , وفي صحيح البخاري : أن عمر هو الذي قت ذات عرق.
وعند أحمد وأبي داود والترمذي عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المشرق العقيق.
هذا باب المواقيت يتحدث عن مواقيت الحج المكانية والحج لـه مواقيت مكانية ومواقيت زمانية أما المكانية فهي في حديث ابن عباس ذكر أربعاً وفي ما بعده من الأحاديث ذكر الخامس حديث عائشة وحديث جابر وحديث ابن عباس في السنن و الزمانية شوال وذو القعدة وذو الحجة واختلف هل هو 10 ذي الحجة أو ذي الحجة كاملاً؟ والصحيح أنه كاملاً فيكون ثلاثة أشهر لأن أقل الجمع ثلاثة ولهذا قال تعالى (الحج أشهر معلومات).
وفيه من الفوائد توقيت المواقيت وبضم ما سيأتي من أحاديث إلى حديث ابن عباس ستكون المواقيت المكانية خمسة وهي محيطة بالبيت الحرام بالكعبة من جهات الشرق والغرب والشمال والجنوب والمار لا يخلو أن يكون يمر بالميقات نفسه أو ميقات غيره أو أن يمر بينهما وقد جاء تفصيل هذه الأحكام في أحاديث المواقيت.
قول النبي عليه السلام (وقت لأهل المدينة ذا الحليفة) هذا الميقات قريب من المدينة وهو أبعد المواقيت عن مكة وهو الذي أهل منه النبي عليه الصلاة و السلام ويسمى الآن أبيار علي (ولأهل الشام الجحفة) والآن يهل الناس من رابغ وكانت الجحفة قديماً قرية ثم خربت ثم صار الميقات الآن قبلها بقليل من جهة الساحل (رابغ). ولأهل نجد (قرن المنازل) وهذه المناطق معروفة والآن يسمونه السيل ولـه طرفان طرفي شمالي يسمى (السيل الكبير) وطرف جنوبي يسمى (وادي محرم) وهو وادي طويل له طرفان يمتد من الشمال إلى الجنوب وليس بميقاتين بل هو ميقات واحد.
ولأهل اليمن (يلملم) وهو معروف الآن (بالسعدية) وهو معروف لمن يقصد مكة من جهة الجنوب، ثم قال عليه السلام (هن لهن) وفي لفظ هن لهم، وفي لفظ هن لأهلهن، أي هذه المواقيت لأهل هذه الجهات ولمن أتى عليهن) أي: لمن أتى على هذه المواقيت ممن هو ليس من أهلها فإنه يحرم منه، وقوله (ممن أراد الحج والعمرة) فيه دلالة على أنه لا يلزم من لم يرد الحج والعمرة أن يحرم وتقدم الكلام على هذا.
في هذا الحديث من الفوائد ثبوت المواقيت المكانية وأنها خمسة بضمها على ما سيأتي وهذه المواقيت الأربعة المذكورة هنا اتفق على أنها مرفوعة إلى النبي عليه السلام واختلف في الميقات الخامس، وهو ميقات أهل العراق أو المشرق وسيأتي الكلام عليه أن شاء الله وهذه المواقيت مختلفة في البعد والقرب.
وفيه أن الإنسان لا يجاوز المواقيت وهو مريد للحج أو العمرة إلا بإحرام. وفيه أن من كان مكانه دون المواقيت أي بين الميقات وبين المشاعر (مكة) فإنه يكون ميقاته من مكانه هو فإذا أراد العمرة أو الحج فإنه يحرم من مكانه ولا يتجاوزه وعند أهل العلم أنه إذا تجاوز مكانه وهو مريد للنسك ومشى حكمه حكم من تجاوز الميقات وهو مريد للنسك.
وهنا هل لهؤلاء إن مروا بالمواقيت وهم يريدون نسكاً أن يؤخروا الإحرام إلى منازلهم التي في مكة أو دون المواقيت أم يلزمهم الإحرام من الميقات؟
فيه خلاف بين أهل العلم, فمنهم من قال: إن شاء أحرم من الميقات الذي مر عليه أو من منزله . ومنهم من قال: يلزمه الإحرام من الميقات والأول أصح وهو اختيار شيخنا ابن باز و شيخنا ابن عثيمين رحمهما الله.
وهذا معنى (من كان دون ذلك من حيث أنشأ) قال (حتى أهل مكة من مكة) هذا الأصل حيث ينتظم الحج والعمرة، لقوله قبل ذلك (ممن أراد الحج والعمرة) غير أن جمهور أهل العلم يرون أن الحج يحرم به من (مكة) وأما العمرة فلابد من الخروج إلى الحل واحتجوا بالأثر والنظر.
أما الأثر: فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عائشة أن تعتمر من التنعيم وأما النظر أن العمرة زيارة فيكون قدوم من الحل إلى الحرم.
فلابد أن يقدم على الحرم من غيره وإلا لم يكن زائراً وقالوا إن هذا موجود في الحج ففيه الذهاب إلى عرفة وكل نسك من حج أو عمرة قالوا يجمع فيه بين الحل والحرم، وهو كذلك في الحج الناس يذهبون إلى عرفات وهي من الحل ثم يقدمون فيطوفون ويسعون بعد ذلك فيكونون قد وفدوا إلى البيت بعد أن خرجوا إلى الحل. وذهب بعض أهل العلم إلى أن الإنسان إذا كان في مكة سواءً كان آفاقياً أو من أهل مكة أن لـه أن يحرم بالعمرة من مكة ولا شيء عليه ولكن الصحيح أنه عمرته صحيحة ليست باطلة ولكن يكون كمن ترك الإحرام من الميقات لا يعني أنه لابد يحرم من الميقات لكن يذهب إلى أدنى الحل سواءً التنعيم أو عرفات أو طرف الحديبية الذي في الحل، فمن أي مكان في الحل يحرم منه.
وأما حديث عائشة: النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق، وحديث جابر في توقيت المواقيت الخمسة فيه أن الرواي قال: ولأهل العراق ذات عرق، قال: (أحسبه) الراوي شك في رفعه قال: أحسبه رفعه إلى النبي عليه السلام ومن هنا اختلف أهل العلم في هل توقيت ذات عرق مسند إلى النبي عليه السلام؟! أم من توقيت عمر؟!.
أما حديث عائشة فهنا ضعفه الإمام أحمد وغيره لأنه يرويه أفلح بن حميد عن القاسم بن محمد عن عائشة و(أفلح) هذا لا بأس به ولكن لـه بعض المناكير، و نقل ابن عدي في الكامل أن هذا الحديث أنكره عليه الإمام أحمد وأنكر قوله لأهل العراق ذات عرق فهذا اللفظ منكر.
وكذلك من الأحاديث التي فيها أن توقيت ذات عرق من النبي عليه السلام حديث أبي الزبير عن جابر ولكن هذا وقع فيه الشك ولم يجزم به راويه.
وكذلك حديث ابن عباس الذي عند أحمد وأبي داود وهذا الحديث ضعيف كذلك فيه يزيد بن أبي زياد يرويه عن محمد بن علي عن ابن عباس ويزيد هذا ضعيف وفيه انقطاع كذلك، وأيضاً في متنه نكاره لقوله العقيق ، وأيضاً في الصحيح من حديث ابن عباس نفسه وليس فيه ذات عرق .
وقال بعضهم لا منافاة فإن العقيق هذا وادي كبير فيسمى بعض أطرافه العقيق ويسمى ذات عرق.
وجاءت أحاديث أخرى مرفوعة أن النبي هو الذي وقت لأهل العراق ذات عرق لكن كلها ضعيفه فالأحاديث كما ترى في توقيت ذات عرق والصحيح هو ما أخرجه الشيخان: أن عمر هو الذي وقت لأهل العراق ذات عرق أتاه لما فتح هذا المصران البصرة والكوفة أهلهما فقالوا: إن النبي عليه السلام لم يحد لنا حداً فقال: فحد لهم ذات عرق. هذا هو المحفوظ هذا لم يختلف في إسناده وهو مخرج في الصحيحين. وعلى القول بأن ذات عرق مرفوع للنبي يكون هذا مما وافق فيه اجتهاد عمر الوحي والمحفوظ أن توقيت ذات عرق من حد عمر رضي الله عنه.
وقد يأتي إنسان من ناحية البحر الأحمر فإن كان يأتي من جهة اليمن فإنه سيحاذي يلملم ولابد حينئذ نقول عليه إذا حاذى الميقات (يلملم) أن يحرم بالحج والعمرة حسب نسكه وإن أتى من ناحية مصر فإنه يحاذي الجحفة (رابغ) فإنه يحرم من هناك وإن أتى من الغرب مباشرة بشكل عمودي فحينئذ هذا يحرم من جدة كما قال الشيخ محمد بن عثيمين قال: ولهذا أهل سواكن في السودان وهي تحاذي جدة على الساحل فهي غرب جدة فحينئذ يحرمون من الساحل لأنهم لا يحاذون أياً من المواقيت وقول الشيخ محمد قوي في النظر، وبعضهم قال يحرم من البحر قبل الرسو على الساحل.
وأما جعل جدة ميقاتاً لكل من يأتي بالطائرة ، فهو قول واه مصادم للنصوص ، ينبغي هجره والرد على قائله فالسنة واضحة في هذا الأمر، والأحكام لا تختلف بالطيران والارتفاع عن الأرض عن القرار عليها في مثل هذا.
هنا مسألة: لو أن إنساناً أتى من غير ميقاته ولكنه سيمر بميقاته. كما لو أتى الشامي من طريق المدينة وهو يريد الحج والعمرة فهل يلزمه الإحرام من ذي الحليفة أم لـه تأخير الإحرام إلى أن يأتي (رابغ) الآن؟!
جمهور أهل العلم على أنه لابد من الإحرام من الميقات الذي حاذاه لقوله عليه السلام (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن) وهذا أتى الميقات وهو من غير أهله فيلزمه الإحرام وذهب مالك رحمه الله وشيخ الإسلام ابن تيمية إلى أن للشامي تأخير الإحرام إذا مر بميقات المدينة إلى ميقاته والشيخان ابن باز وابن عثيمين على أنه ليس لـه ذلك وهذا من باب الاحتياط من ناحية وللأخذ بظاهر النص (ولمن أتى عليهن من غير أهلهن) لكن لو أن إنساناً أحرم وأخذ بقول شيخ الإسلام ثم جاءنا يسأل: نقول لا شيء عليك لأن المسألة خلافية والأمر فيها سهل وإذا مر الإنسان بالهواء على المواقيت، هل يلزمه الإحرام أم ينتظر حتى يهبط في مطار جدة؟!
بعضهم يقول إن شيخ الإسلام ابن تيمية يقول إذا كان الإنسان يطير وحاذى الميقات يلزمه الإحرام. وتفسير قول شيخ الإسلام: ما ذكره رحمه الله في معرض كلامه عن هؤلاء الذين يحضرون إلى عرفات أو مزدلفة قال: فنرى أحدهم يأتي وتطير به الجن فلا يحرم كما ينبغي ويمر بالميقات ولا يحرم انظر مجموع الفتاوى (19/48) . يقول الشيخ محمد بن عثيمين: استفدنا من هذا أن الإنسان إذا حاذى الميقات يحرم إذا كان في طائرة وهذا معلوم بالأدلة وشيخ الإسلام أومأ إليه.
ولو أن إنساناً لبس ملابس الإحرام (الإزار والرداء) وهو الآن مريد للنسك ولكنه ما دخل في النسك بعض الناس يغلط ويظن أن مجرد اللبس هو الإحرام؟
المسألة هذه مثل كون الإنسان خرج من بيته يريد المسجد فهو مريد للصلاة وكذلك لابس الإزار والرداء، مريد للنسك فإذا كبر دخل في الصلاة وكذلك إذا لبى دخل في النسك.
** الحديث الخامس عشر" أنواع الأنساك": عن عائشة رضي الله عنها قالت: " خرجنا مع رسول صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع، فمنا من أهل بعمرة ، ومنا من أهل بحج , وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج ، فأما من أهل بعمرة فحل عند قدومه ، وأما من أهل بحج ، أو من جمع بين الحج والعمرة ، فلم يحلوا حتى كان يوم النحر" متفق عليه.
هذا الحديث يتكلم فيه أنواع الأنساك وهي ثلاثة: إما (حج مفرد) وإما (حج وعمرة فعلهما واحد) وهو قران وإما (حج وعمرة منفصلان) وهو التمتع وهما باقيان إلى قيام الساعة وقد أخرج مسلم وأحمد وغيرهما من طرق عن الزهري عن حنظله الأسلمي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : والذي نفسي بيده ليهلن ابن مريم بفج الروحاء ، حاجاً أو معتمراً أو ليثنينهما ، واختلف في الأفضل فقال بعضهم: الإفراد وقال بعضهم التمتع وقال بعضهم: القران والخلاف في هذه المسألة طويل ولكن الذي يظهر أن التمتع أفضل لكن إن ساق الهدي فينبغي أن يكون قارناً.
وقد يقول قائل (إذا ساق الهدي ما يمكن إلا أن يكون قارناً)؟ نقول: لا. يمكن أن يكون مفرداً ويسوق الهدي حينئذ وليس بواجب لكنه يمكن أن يسوق الهدي وليس بقارن فإذا ساق الهدي يستحب أن يكون قارناً تأسياً بالنبي عليه الصلاة والسلام.
وقول عائشة رضي الله عنها (وأهل النبي عليه الصلاة والسلام بالحج) هذا في ظنها وعلمها لأنه لما جمع بين الحج والعمرة وكان فعلهما واحداً ظنت أنه أهل بالحج، وإلا قد جاء في حديث ابن عمر في الصحيحين وحديث ابن عباس أنه قال سمعت عمر يقول: لما أتى النبي وادي أتاه جبريل في هذا الوادي وقال: صل فيه وقل عمرة في حجة) وجاء كذلك في حديث أنس وغيره كثير تدل على النبي عليه السلام جزماً إنما كان قارناً، ففي هذا الحديث التخيير بين الأنساك الثلاثة التي لا رابع لها.
وفيه أن المتمتع إذا قدم يبدأ بالعمرة مباشرة لا يتشاغل بغيرها وأما قولها (أو جمع بين الحج والعمرة فلم يحل حتى كان يوم النحر) هذا مخصوص بمن ساق الهدي ليس عاماً إنما هو خاص بمن ساق الهدي.
وفيه أن الإنسان يسمي نسكه وتسمية النسك ليس جهراً بالنية كما يقول بعضهم (لبيك حجاً) أو (لبيك عمرة) أو (لبيك حجاً وعمرة) فالإفراد يقول (لبيك حجاً) والتمتع يقول (لبيك عمرة) والقران يقول (لبيك عمرة وحجاً) وأما قول بعضهم (التمتع لبيك عمرة متمتعاً بها إلى الحج) فهذا لم يثبت ولا نعلم له أصلاً.
وفي حديث ابن عمر في الصحيحين قال: لما أراد النبي عليه السلام أن يهل سبح الله وحمده وكبره بعد أن قامت به راحلته استقبل القبلة وفعل هذا، أي فيه حكاية ابن عمر أن النبي فعل هذا ثم أهل بالحج، وقال هكذا رأيت النبي يفعل وهذا في البخاري وغيره ومثله حديث أنس وبوب عليه البخاري : باب التحميد والتسبيح والتكبير قبل الإهلال ...
قال ابن حجر (وقل من تعرض لها مع أنها في الصحيح) فقل من يتعرض لهذه السنة وهي قول (سبحان الله والحمد لله والله أكبر) وما أشبه ذلك قبل أن يحرم قل من تعرض لها من الفقهاء مع أنها ثابتة في الصحيح، وهذا يدل على أن طالب العلم في العبادات يقرأ في كتب الأثر (كتب الحديث) مع أما في المعاملات يضم إلى كتب الأثر كتب الفقه لأن الأحاديث في المعاملات قليلة أنما هي ضوابط للعبد لأن الأصل في المعاملات الحل مثل (البيعان بالخيار) (لا تبع ما ليس عندك) والأحاديث في البيوع قليلة ربما لا تجي بقدر ما جاء في بعض أبواب العبادات لا أقول كتب بل أبواب!.
أما أحاديث الصلاة في كتب الفقه فمساحتها كثيرة جداً لأن العبد في العبادات ما يتحرك إلا بأثر (بحديث) لأنه يتعبد الله عز و جل بقيامه بقعوده بكلامه بسكوته وما أشبه ذلك أما المعاملات فالأصل فيها الحل فجاءت الشرائع بوضع ضوابط فإذا أردت أن تدرس العبادات فأنظر كتب الحديث ثم لا بأس من فهم كلام أهل العلم والاستفادة منهم وفي المعاملات أهل العلم يشققون في المسائل ويقعدونها ولهذا الإنسان إذا درس المعاملات من كتب الحديث قد يفوته بعض الأشياء المهمة في البيوع أو الأنكحة لأنها تحتاج إلى فهم وشرح وأما في العبادات فهي تكاد تكون مشروحة لو اعتمد الإنسان على الآثار النبوية لم يحتج إلى شرح . (فصفة الحج) حديث جابر فهو منسك لو أن الإنسان فقهه وزاد عليه بعض الأحاديث اليسيرة فقط في تكميل النسك لأكتفى بهذا بينما في البيوع وفي صحتها وشرائطها هذا يحتاج لتجميعها من كتب الفقه المعتمدة على النصوص لكن يحتاج إلى فهم أهل العلم في المعاملات أكثر بكثير منه في العبادات. ولعل المراد فُهم . والإهلال هو رفع الصوت بالتلبية وهو سنة في حق الرجال وأما المرأة لا ترفع بها صوتها إنما تهل بقدر ما تسمع نفسها، أو تسمع صاحبتها والتلبية قيل إنها واجبة وقيل إنها ركن وقيل إنها سنة؟
والصحيح أنها سنة وإنما النية هي التي ركن وهي التي فرض والتلبية تكون دائماً وتتأكد في مواضع منها وعند التقاء الرفاق ودبر الصلاة وأحسن ما روي فيها أثر عند أبي شيبة عن عبد الرحمن بن سابط قال "كان السلف يستحبون التلبية في أربعة مواضع في دبر الصلاة وإذا هبطوا وادياً أو علوا وعند التقاء الرفاق" وهو تابعي أدرك قله من الصحابة ونقل أكثر رواياته عن التابعين وإسناده صحيح إليه ورى البخاري ومسلم من حديث ابن عباس وفيه (وأما موسى فرجل آدم جعد على جمل أحمر مخطوم بخلبة كأني انظر إليه إذا انحدر في الوادي يلبي ) وبوب البخاري : باب التلبية إذا انحدر في الوادي . وشيخ الإسلام يرى أن التلبية إنما تكون في التنقل أما إذا قر في المكان لا يلبي يرى أن التلبية تكون إذا شخصت من منى إلى عرفات فإذا قريت بعرفات لا تلبي فإن قيل فقد أخرجه مسلم والنسائي من طريق أبي الأحوص عن حصين عن كثير بن مدرك عن عبد الرحمن بن يزيد قال : قال عبد الله ونحن بجمع : سمعت الذي أُنزلت عليه سورة البقرة يقول في المقام " لبيك اللهم لبيك " ومثله من طريق زياد والبكائي عن حصين ، فهذا ظاهره التلبيه وهو قار بمزدلفه لكن أخرجه مسلم عن طريق هشيم عن أبي الأحوص به ولفظه أن عبد الله لبّى حين أفاض من جمع فقيل أعرابي هذا ؟ فقال عبد الله أنسى الناس أم ضلوا ؟ سمعت الذي أُنزلت عليه سورة البقرة يقول في هذا المكان : لبيك اللهم لبيك " ورواه أيضاً من حديث سفيان عن حصين ولم يسق لفظه وهذا اللفظ مقيد لما أطلق قبله فصح ما قال شيخ الإسلام ، لكن أخرج النسائي من طريق علي بن صالح وهو أخو الحسن بن صالح بن حي عن ميسره بن حبيب عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير قال كنت مع ابن عباس بعرفات فقال مالي لا أسمع الناس يلبون قلت يخافون من معاوية فخرج من فسطاطه فقال : لبيك اللهم لبيك فإنهم قد تركوا السنة من بغض علي .واسناده لا بأس به ، وعلق عليه شيخنا في شرح النسائي : معاوية لم يكن يمنع ذلك ولعل بعض الناس ممن لا بصيرة عنده ترك التلبية في ذلك المحل حول ابن عباس . أ.هـ قلت ظاهره التلبيه في عرفات وبوب عليه النسائي فإذا تحركت من عرفات إلى مزدلفة تلبي فإذا استقريت بمزدلفة وأنت قار (بائت) تلبي فإذا أفضت من مزدلفة إلى منى فإنك تلبي هكذا ، وسألت شيخنا ابن باز رحمه الله عن قول شيخ الإسلام فقال: ضعيف والصحيح أنه يستديم التلبية ، قلت : ما صححه شيخنا هو ما دلت عليه السنة، وبالنسبة لصيغة التلبية، وهل كان النبي يلبي غيرها ستأتي إن شاء الله تعالى.
** الحديث الثالث عشر: عن ابن عباس رضي الله عنهما " أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرن المنازل ولأهل اليمن يلملم هن لهن ، ولمن أتى عليهن من غيرهن ، ممن أراد الحج والعمرة , ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ ، حتى أهل مكة من مكة " متفق عليه.
** الحديث الرابع:وعن عائشة رضي الله عنها "أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق" رواه أبو داود والنسائي وأصله عند مسلم من حديث جابر, إلا أن راويه شك في رفعه , وفي صحيح البخاري : أن عمر هو الذي قت ذات عرق.
وعند أحمد وأبي داود والترمذي عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المشرق العقيق.
هذا باب المواقيت يتحدث عن مواقيت الحج المكانية والحج لـه مواقيت مكانية ومواقيت زمانية أما المكانية فهي في حديث ابن عباس ذكر أربعاً وفي ما بعده من الأحاديث ذكر الخامس حديث عائشة وحديث جابر وحديث ابن عباس في السنن و الزمانية شوال وذو القعدة وذو الحجة واختلف هل هو 10 ذي الحجة أو ذي الحجة كاملاً؟ والصحيح أنه كاملاً فيكون ثلاثة أشهر لأن أقل الجمع ثلاثة ولهذا قال تعالى (الحج أشهر معلومات).
وفيه من الفوائد توقيت المواقيت وبضم ما سيأتي من أحاديث إلى حديث ابن عباس ستكون المواقيت المكانية خمسة وهي محيطة بالبيت الحرام بالكعبة من جهات الشرق والغرب والشمال والجنوب والمار لا يخلو أن يكون يمر بالميقات نفسه أو ميقات غيره أو أن يمر بينهما وقد جاء تفصيل هذه الأحكام في أحاديث المواقيت.
قول النبي عليه السلام (وقت لأهل المدينة ذا الحليفة) هذا الميقات قريب من المدينة وهو أبعد المواقيت عن مكة وهو الذي أهل منه النبي عليه الصلاة و السلام ويسمى الآن أبيار علي (ولأهل الشام الجحفة) والآن يهل الناس من رابغ وكانت الجحفة قديماً قرية ثم خربت ثم صار الميقات الآن قبلها بقليل من جهة الساحل (رابغ). ولأهل نجد (قرن المنازل) وهذه المناطق معروفة والآن يسمونه السيل ولـه طرفان طرفي شمالي يسمى (السيل الكبير) وطرف جنوبي يسمى (وادي محرم) وهو وادي طويل له طرفان يمتد من الشمال إلى الجنوب وليس بميقاتين بل هو ميقات واحد.
ولأهل اليمن (يلملم) وهو معروف الآن (بالسعدية) وهو معروف لمن يقصد مكة من جهة الجنوب، ثم قال عليه السلام (هن لهن) وفي لفظ هن لهم، وفي لفظ هن لأهلهن، أي هذه المواقيت لأهل هذه الجهات ولمن أتى عليهن) أي: لمن أتى على هذه المواقيت ممن هو ليس من أهلها فإنه يحرم منه، وقوله (ممن أراد الحج والعمرة) فيه دلالة على أنه لا يلزم من لم يرد الحج والعمرة أن يحرم وتقدم الكلام على هذا.
في هذا الحديث من الفوائد ثبوت المواقيت المكانية وأنها خمسة بضمها على ما سيأتي وهذه المواقيت الأربعة المذكورة هنا اتفق على أنها مرفوعة إلى النبي عليه السلام واختلف في الميقات الخامس، وهو ميقات أهل العراق أو المشرق وسيأتي الكلام عليه أن شاء الله وهذه المواقيت مختلفة في البعد والقرب.
وفيه أن الإنسان لا يجاوز المواقيت وهو مريد للحج أو العمرة إلا بإحرام. وفيه أن من كان مكانه دون المواقيت أي بين الميقات وبين المشاعر (مكة) فإنه يكون ميقاته من مكانه هو فإذا أراد العمرة أو الحج فإنه يحرم من مكانه ولا يتجاوزه وعند أهل العلم أنه إذا تجاوز مكانه وهو مريد للنسك ومشى حكمه حكم من تجاوز الميقات وهو مريد للنسك.
وهنا هل لهؤلاء إن مروا بالمواقيت وهم يريدون نسكاً أن يؤخروا الإحرام إلى منازلهم التي في مكة أو دون المواقيت أم يلزمهم الإحرام من الميقات؟
فيه خلاف بين أهل العلم, فمنهم من قال: إن شاء أحرم من الميقات الذي مر عليه أو من منزله . ومنهم من قال: يلزمه الإحرام من الميقات والأول أصح وهو اختيار شيخنا ابن باز و شيخنا ابن عثيمين رحمهما الله.
وهذا معنى (من كان دون ذلك من حيث أنشأ) قال (حتى أهل مكة من مكة) هذا الأصل حيث ينتظم الحج والعمرة، لقوله قبل ذلك (ممن أراد الحج والعمرة) غير أن جمهور أهل العلم يرون أن الحج يحرم به من (مكة) وأما العمرة فلابد من الخروج إلى الحل واحتجوا بالأثر والنظر.
أما الأثر: فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عائشة أن تعتمر من التنعيم وأما النظر أن العمرة زيارة فيكون قدوم من الحل إلى الحرم.
فلابد أن يقدم على الحرم من غيره وإلا لم يكن زائراً وقالوا إن هذا موجود في الحج ففيه الذهاب إلى عرفة وكل نسك من حج أو عمرة قالوا يجمع فيه بين الحل والحرم، وهو كذلك في الحج الناس يذهبون إلى عرفات وهي من الحل ثم يقدمون فيطوفون ويسعون بعد ذلك فيكونون قد وفدوا إلى البيت بعد أن خرجوا إلى الحل. وذهب بعض أهل العلم إلى أن الإنسان إذا كان في مكة سواءً كان آفاقياً أو من أهل مكة أن لـه أن يحرم بالعمرة من مكة ولا شيء عليه ولكن الصحيح أنه عمرته صحيحة ليست باطلة ولكن يكون كمن ترك الإحرام من الميقات لا يعني أنه لابد يحرم من الميقات لكن يذهب إلى أدنى الحل سواءً التنعيم أو عرفات أو طرف الحديبية الذي في الحل، فمن أي مكان في الحل يحرم منه.
وأما حديث عائشة: النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق، وحديث جابر في توقيت المواقيت الخمسة فيه أن الرواي قال: ولأهل العراق ذات عرق، قال: (أحسبه) الراوي شك في رفعه قال: أحسبه رفعه إلى النبي عليه السلام ومن هنا اختلف أهل العلم في هل توقيت ذات عرق مسند إلى النبي عليه السلام؟! أم من توقيت عمر؟!.
أما حديث عائشة فهنا ضعفه الإمام أحمد وغيره لأنه يرويه أفلح بن حميد عن القاسم بن محمد عن عائشة و(أفلح) هذا لا بأس به ولكن لـه بعض المناكير، و نقل ابن عدي في الكامل أن هذا الحديث أنكره عليه الإمام أحمد وأنكر قوله لأهل العراق ذات عرق فهذا اللفظ منكر.
وكذلك من الأحاديث التي فيها أن توقيت ذات عرق من النبي عليه السلام حديث أبي الزبير عن جابر ولكن هذا وقع فيه الشك ولم يجزم به راويه.
وكذلك حديث ابن عباس الذي عند أحمد وأبي داود وهذا الحديث ضعيف كذلك فيه يزيد بن أبي زياد يرويه عن محمد بن علي عن ابن عباس ويزيد هذا ضعيف وفيه انقطاع كذلك، وأيضاً في متنه نكاره لقوله العقيق ، وأيضاً في الصحيح من حديث ابن عباس نفسه وليس فيه ذات عرق .
وقال بعضهم لا منافاة فإن العقيق هذا وادي كبير فيسمى بعض أطرافه العقيق ويسمى ذات عرق.
وجاءت أحاديث أخرى مرفوعة أن النبي هو الذي وقت لأهل العراق ذات عرق لكن كلها ضعيفه فالأحاديث كما ترى في توقيت ذات عرق والصحيح هو ما أخرجه الشيخان: أن عمر هو الذي وقت لأهل العراق ذات عرق أتاه لما فتح هذا المصران البصرة والكوفة أهلهما فقالوا: إن النبي عليه السلام لم يحد لنا حداً فقال: فحد لهم ذات عرق. هذا هو المحفوظ هذا لم يختلف في إسناده وهو مخرج في الصحيحين. وعلى القول بأن ذات عرق مرفوع للنبي يكون هذا مما وافق فيه اجتهاد عمر الوحي والمحفوظ أن توقيت ذات عرق من حد عمر رضي الله عنه.
وقد يأتي إنسان من ناحية البحر الأحمر فإن كان يأتي من جهة اليمن فإنه سيحاذي يلملم ولابد حينئذ نقول عليه إذا حاذى الميقات (يلملم) أن يحرم بالحج والعمرة حسب نسكه وإن أتى من ناحية مصر فإنه يحاذي الجحفة (رابغ) فإنه يحرم من هناك وإن أتى من الغرب مباشرة بشكل عمودي فحينئذ هذا يحرم من جدة كما قال الشيخ محمد بن عثيمين قال: ولهذا أهل سواكن في السودان وهي تحاذي جدة على الساحل فهي غرب جدة فحينئذ يحرمون من الساحل لأنهم لا يحاذون أياً من المواقيت وقول الشيخ محمد قوي في النظر، وبعضهم قال يحرم من البحر قبل الرسو على الساحل.
وأما جعل جدة ميقاتاً لكل من يأتي بالطائرة ، فهو قول واه مصادم للنصوص ، ينبغي هجره والرد على قائله فالسنة واضحة في هذا الأمر، والأحكام لا تختلف بالطيران والارتفاع عن الأرض عن القرار عليها في مثل هذا.
هنا مسألة: لو أن إنساناً أتى من غير ميقاته ولكنه سيمر بميقاته. كما لو أتى الشامي من طريق المدينة وهو يريد الحج والعمرة فهل يلزمه الإحرام من ذي الحليفة أم لـه تأخير الإحرام إلى أن يأتي (رابغ) الآن؟!
جمهور أهل العلم على أنه لابد من الإحرام من الميقات الذي حاذاه لقوله عليه السلام (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن) وهذا أتى الميقات وهو من غير أهله فيلزمه الإحرام وذهب مالك رحمه الله وشيخ الإسلام ابن تيمية إلى أن للشامي تأخير الإحرام إذا مر بميقات المدينة إلى ميقاته والشيخان ابن باز وابن عثيمين على أنه ليس لـه ذلك وهذا من باب الاحتياط من ناحية وللأخذ بظاهر النص (ولمن أتى عليهن من غير أهلهن) لكن لو أن إنساناً أحرم وأخذ بقول شيخ الإسلام ثم جاءنا يسأل: نقول لا شيء عليك لأن المسألة خلافية والأمر فيها سهل وإذا مر الإنسان بالهواء على المواقيت، هل يلزمه الإحرام أم ينتظر حتى يهبط في مطار جدة؟!
بعضهم يقول إن شيخ الإسلام ابن تيمية يقول إذا كان الإنسان يطير وحاذى الميقات يلزمه الإحرام. وتفسير قول شيخ الإسلام: ما ذكره رحمه الله في معرض كلامه عن هؤلاء الذين يحضرون إلى عرفات أو مزدلفة قال: فنرى أحدهم يأتي وتطير به الجن فلا يحرم كما ينبغي ويمر بالميقات ولا يحرم انظر مجموع الفتاوى (19/48) . يقول الشيخ محمد بن عثيمين: استفدنا من هذا أن الإنسان إذا حاذى الميقات يحرم إذا كان في طائرة وهذا معلوم بالأدلة وشيخ الإسلام أومأ إليه.
ولو أن إنساناً لبس ملابس الإحرام (الإزار والرداء) وهو الآن مريد للنسك ولكنه ما دخل في النسك بعض الناس يغلط ويظن أن مجرد اللبس هو الإحرام؟
المسألة هذه مثل كون الإنسان خرج من بيته يريد المسجد فهو مريد للصلاة وكذلك لابس الإزار والرداء، مريد للنسك فإذا كبر دخل في الصلاة وكذلك إذا لبى دخل في النسك.
** الحديث الخامس عشر" أنواع الأنساك": عن عائشة رضي الله عنها قالت: " خرجنا مع رسول صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع، فمنا من أهل بعمرة ، ومنا من أهل بحج , وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج ، فأما من أهل بعمرة فحل عند قدومه ، وأما من أهل بحج ، أو من جمع بين الحج والعمرة ، فلم يحلوا حتى كان يوم النحر" متفق عليه.
هذا الحديث يتكلم فيه أنواع الأنساك وهي ثلاثة: إما (حج مفرد) وإما (حج وعمرة فعلهما واحد) وهو قران وإما (حج وعمرة منفصلان) وهو التمتع وهما باقيان إلى قيام الساعة وقد أخرج مسلم وأحمد وغيرهما من طرق عن الزهري عن حنظله الأسلمي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : والذي نفسي بيده ليهلن ابن مريم بفج الروحاء ، حاجاً أو معتمراً أو ليثنينهما ، واختلف في الأفضل فقال بعضهم: الإفراد وقال بعضهم التمتع وقال بعضهم: القران والخلاف في هذه المسألة طويل ولكن الذي يظهر أن التمتع أفضل لكن إن ساق الهدي فينبغي أن يكون قارناً.
وقد يقول قائل (إذا ساق الهدي ما يمكن إلا أن يكون قارناً)؟ نقول: لا. يمكن أن يكون مفرداً ويسوق الهدي حينئذ وليس بواجب لكنه يمكن أن يسوق الهدي وليس بقارن فإذا ساق الهدي يستحب أن يكون قارناً تأسياً بالنبي عليه الصلاة والسلام.
وقول عائشة رضي الله عنها (وأهل النبي عليه الصلاة والسلام بالحج) هذا في ظنها وعلمها لأنه لما جمع بين الحج والعمرة وكان فعلهما واحداً ظنت أنه أهل بالحج، وإلا قد جاء في حديث ابن عمر في الصحيحين وحديث ابن عباس أنه قال سمعت عمر يقول: لما أتى النبي وادي أتاه جبريل في هذا الوادي وقال: صل فيه وقل عمرة في حجة) وجاء كذلك في حديث أنس وغيره كثير تدل على النبي عليه السلام جزماً إنما كان قارناً، ففي هذا الحديث التخيير بين الأنساك الثلاثة التي لا رابع لها.
وفيه أن المتمتع إذا قدم يبدأ بالعمرة مباشرة لا يتشاغل بغيرها وأما قولها (أو جمع بين الحج والعمرة فلم يحل حتى كان يوم النحر) هذا مخصوص بمن ساق الهدي ليس عاماً إنما هو خاص بمن ساق الهدي.
وفيه أن الإنسان يسمي نسكه وتسمية النسك ليس جهراً بالنية كما يقول بعضهم (لبيك حجاً) أو (لبيك عمرة) أو (لبيك حجاً وعمرة) فالإفراد يقول (لبيك حجاً) والتمتع يقول (لبيك عمرة) والقران يقول (لبيك عمرة وحجاً) وأما قول بعضهم (التمتع لبيك عمرة متمتعاً بها إلى الحج) فهذا لم يثبت ولا نعلم له أصلاً.
وفي حديث ابن عمر في الصحيحين قال: لما أراد النبي عليه السلام أن يهل سبح الله وحمده وكبره بعد أن قامت به راحلته استقبل القبلة وفعل هذا، أي فيه حكاية ابن عمر أن النبي فعل هذا ثم أهل بالحج، وقال هكذا رأيت النبي يفعل وهذا في البخاري وغيره ومثله حديث أنس وبوب عليه البخاري : باب التحميد والتسبيح والتكبير قبل الإهلال ...
قال ابن حجر (وقل من تعرض لها مع أنها في الصحيح) فقل من يتعرض لهذه السنة وهي قول (سبحان الله والحمد لله والله أكبر) وما أشبه ذلك قبل أن يحرم قل من تعرض لها من الفقهاء مع أنها ثابتة في الصحيح، وهذا يدل على أن طالب العلم في العبادات يقرأ في كتب الأثر (كتب الحديث) مع أما في المعاملات يضم إلى كتب الأثر كتب الفقه لأن الأحاديث في المعاملات قليلة أنما هي ضوابط للعبد لأن الأصل في المعاملات الحل مثل (البيعان بالخيار) (لا تبع ما ليس عندك) والأحاديث في البيوع قليلة ربما لا تجي بقدر ما جاء في بعض أبواب العبادات لا أقول كتب بل أبواب!.
أما أحاديث الصلاة في كتب الفقه فمساحتها كثيرة جداً لأن العبد في العبادات ما يتحرك إلا بأثر (بحديث) لأنه يتعبد الله عز و جل بقيامه بقعوده بكلامه بسكوته وما أشبه ذلك أما المعاملات فالأصل فيها الحل فجاءت الشرائع بوضع ضوابط فإذا أردت أن تدرس العبادات فأنظر كتب الحديث ثم لا بأس من فهم كلام أهل العلم والاستفادة منهم وفي المعاملات أهل العلم يشققون في المسائل ويقعدونها ولهذا الإنسان إذا درس المعاملات من كتب الحديث قد يفوته بعض الأشياء المهمة في البيوع أو الأنكحة لأنها تحتاج إلى فهم وشرح وأما في العبادات فهي تكاد تكون مشروحة لو اعتمد الإنسان على الآثار النبوية لم يحتج إلى شرح . (فصفة الحج) حديث جابر فهو منسك لو أن الإنسان فقهه وزاد عليه بعض الأحاديث اليسيرة فقط في تكميل النسك لأكتفى بهذا بينما في البيوع وفي صحتها وشرائطها هذا يحتاج لتجميعها من كتب الفقه المعتمدة على النصوص لكن يحتاج إلى فهم أهل العلم في المعاملات أكثر بكثير منه في العبادات. ولعل المراد فُهم . والإهلال هو رفع الصوت بالتلبية وهو سنة في حق الرجال وأما المرأة لا ترفع بها صوتها إنما تهل بقدر ما تسمع نفسها، أو تسمع صاحبتها والتلبية قيل إنها واجبة وقيل إنها ركن وقيل إنها سنة؟
والصحيح أنها سنة وإنما النية هي التي ركن وهي التي فرض والتلبية تكون دائماً وتتأكد في مواضع منها وعند التقاء الرفاق ودبر الصلاة وأحسن ما روي فيها أثر عند أبي شيبة عن عبد الرحمن بن سابط قال "كان السلف يستحبون التلبية في أربعة مواضع في دبر الصلاة وإذا هبطوا وادياً أو علوا وعند التقاء الرفاق" وهو تابعي أدرك قله من الصحابة ونقل أكثر رواياته عن التابعين وإسناده صحيح إليه ورى البخاري ومسلم من حديث ابن عباس وفيه (وأما موسى فرجل آدم جعد على جمل أحمر مخطوم بخلبة كأني انظر إليه إذا انحدر في الوادي يلبي ) وبوب البخاري : باب التلبية إذا انحدر في الوادي . وشيخ الإسلام يرى أن التلبية إنما تكون في التنقل أما إذا قر في المكان لا يلبي يرى أن التلبية تكون إذا شخصت من منى إلى عرفات فإذا قريت بعرفات لا تلبي فإن قيل فقد أخرجه مسلم والنسائي من طريق أبي الأحوص عن حصين عن كثير بن مدرك عن عبد الرحمن بن يزيد قال : قال عبد الله ونحن بجمع : سمعت الذي أُنزلت عليه سورة البقرة يقول في المقام " لبيك اللهم لبيك " ومثله من طريق زياد والبكائي عن حصين ، فهذا ظاهره التلبيه وهو قار بمزدلفه لكن أخرجه مسلم عن طريق هشيم عن أبي الأحوص به ولفظه أن عبد الله لبّى حين أفاض من جمع فقيل أعرابي هذا ؟ فقال عبد الله أنسى الناس أم ضلوا ؟ سمعت الذي أُنزلت عليه سورة البقرة يقول في هذا المكان : لبيك اللهم لبيك " ورواه أيضاً من حديث سفيان عن حصين ولم يسق لفظه وهذا اللفظ مقيد لما أطلق قبله فصح ما قال شيخ الإسلام ، لكن أخرج النسائي من طريق علي بن صالح وهو أخو الحسن بن صالح بن حي عن ميسره بن حبيب عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير قال كنت مع ابن عباس بعرفات فقال مالي لا أسمع الناس يلبون قلت يخافون من معاوية فخرج من فسطاطه فقال : لبيك اللهم لبيك فإنهم قد تركوا السنة من بغض علي .واسناده لا بأس به ، وعلق عليه شيخنا في شرح النسائي : معاوية لم يكن يمنع ذلك ولعل بعض الناس ممن لا بصيرة عنده ترك التلبية في ذلك المحل حول ابن عباس . أ.هـ قلت ظاهره التلبيه في عرفات وبوب عليه النسائي فإذا تحركت من عرفات إلى مزدلفة تلبي فإذا استقريت بمزدلفة وأنت قار (بائت) تلبي فإذا أفضت من مزدلفة إلى منى فإنك تلبي هكذا ، وسألت شيخنا ابن باز رحمه الله عن قول شيخ الإسلام فقال: ضعيف والصحيح أنه يستديم التلبية ، قلت : ما صححه شيخنا هو ما دلت عليه السنة، وبالنسبة لصيغة التلبية، وهل كان النبي يلبي غيرها ستأتي إن شاء الله تعالى.