• !
×

rasl_essaher

باب صفة الحج ودخول مكة

** الحديث التاسع والعشرون: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حج فخرجنا معه حتى إذا أتينا ذا الحليفة فولدت أسماء بنت عميس ، فقال واغتسلي واستثفري بثوب و أحرمي........الحديث).
الحديث هذا نقرأه في مقاطع لأنه طويل وسنقف فيه وقفات كثيرة وهذا الحديث انفرد بإخراجه بطوله الإمام مسلم عن البخاري وأخرجه كذلك أبو داود وهو أطول حديث روي في الحج وسرده أبو داود نحو رواية مسلم مطوله.
وقد رواه عن جابر نحو سبعه من التابعين ,أشهرهم رواية (جعفر بن محمد عن أبيه) وهي التي ساقها مسلم والبخاري روى قطعة منه من غير طريق جعفر بن محمد رواه من طريق محمد بن المنكدر عن جابر رواه كذلك (أبو الزبير) ورواه جماعة من أصحاب جابر ومسلم ساقه بطوله.
وهذا السياق مختصر يعني فيه بعض الحذف عن سياق الحديث المطول والمؤلف اجتزى بهذا ، وقول النبي عليه الصلاة والسلام (اغتسلي واستشفري بثوب وأحرمي): تقدم الكلام عليه وأن الاغتسال سنة ، وقد روى ابن أبي شيبة وغيره عن ابن عمر (من السنة أن يغتسل المحرم) وقوله عليه الصلاة والسلام (واستشفري بثوب) وفي بعض الألفاظ (تلجمي) والتلجّم هو التحفظ وهذا الاغتسال ليس لرفع الحدث وإنما هو للنظافة وإن كان يتعبد به فيجتمع التعبد مع النظافة.
(..... وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ثم ركب القصواء ثم أهل عليه الصلاة والسلام بعد ما استوت به راحلته ، حتى إذا استوت به على البيداء أهل بالتوحيد : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك...)
و(لبيك) التلبية بمعنى الإجابة وأيضاً تأتي بمعنى الإقامة (لأنها من ألب بالمكان) أي (أقام به) ومن (لبى الشخص) أي (أجاب نداءه) وثنيت (لبيك) ليس للتثنية بل لمطلق التكرار ومنه قوله تعالى (ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير) ليس يعني كرتين بل لمطلق التكرار ، والإنسان يلبي ربه في كل طاعة هو ملبي وإن كان الحج اختص بهذا اللفظ ، وقوله (اللهم) يعني يا الله و(لبيك) تأكيد ثم قال (لبيك لا شريك لك لبيك) هذا تأكيد آخر.
و(إن الحمد) هو هكذا بالكسر وهو المشهور في الرواية ، وقال بعض أهل اللغة : ومن قال (أن الحمد) فقد خص أي (ألبيك لأن الحمد لك) فتكون تعليلية والصواب بالكسر ألبيك تلبية مطلقة ثم أقول (إن الحمد والنعمة) والحمد هو الثناء على المحمود والله عز وجل يستحق الحمد المطلق فهو يُحمد سبحانه وتعالى على كل شيء والحمد هو وصف المحمود بالكمال على كماله وعلى إنعامه.
و(النعمة) هي العطاء و(المُلك) فاللهُ عز وجل مالك للذوات والأعيان ومتصرف فيهما سبحانه وتعالى.
ولم يثبت على القول الراجح أن النبي صلى الله عليه الصلاة والسلام لبى تلبية غير هذه وقد جاء عن أنس أنه كان يقول (لبيك إله الحق) وجاءت مرفوعة وموقوفة ولكن الموقوف أصح ، وروى النسائي من حديث أبي هريرة أن : النبي صلى الله عليه وسلم قال (لبيك إله الحق) ولكن الصحيح أنه لا يثبت بل أعله النسائي بالإرسال في السنن نفسها.
والصحابة لبوا تلبية مثل تلبية النبي عليه الصلاة والسلام وابن عمر كان يقول (لبيك وسعديك والخير بيديك والرغباء إليك والعمل ) وجاءت تلبيات أخرى لبيك ذا المعارج ، روي عن سعد هذا وإن كان في إسناده أيضاً مقال فقد رواه أحمد عن القطان عن ابن عجلان عن عبد الله بن أبي سلمة (الماجشون) عن سعد ولم يدرك سعداً فهو منقطع) . حتى إن سعداً أنكر على من قال ذلك وقال (إنه ذو المعارج) ولكن ما هكذا كنا نقول مع النبي عليه الصلاة والسلام ومما يخالفه ما أخرجه أحمد عن القطان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر في بيان حجة النبي صلى الله عليه وسلم وتلبيته وفيه والناس يزيدون ذا المعارج ونحوه وبكل حال فإذا لبى بمعنى صحيح لا بأس ولكن السنة أن يأتي بهذا الذي ثبت عنه عليه الصلاة والسلام في الصحاح والسنن.
وأما من لم يبلغ من الصحابة من لم يميز فكما جاء في حديث جابر الذي رواه أحمد وابن أبي شيبة والترمذي من طريق عبد الله بن نمير عن أشعث بن سوار عن أبي الزبير عن جابر قال: (حججنا مع النبي عليه الصلاة والسلام ومعنا النساء والصبيان فكنا نلبي عن الصبيان ونرمي عنهم) هكذا إسناده عند أحمد وابن أبي شيبة.
لكن رواه الترمذي من طريق (محمد بن إسماعيل الواسطي البختري) عن عبد الله بن نمير عن أشعث بن سوار عن أبي الزبير عن جابر قال: حججنا مع النبي عليه الصلاة والسلام ومعنا النساء والصبيان فكنا نلبي عن النساء ونرمي عن الصبيان) هو بهذا اللفظ غير محفوظ على أن الحديث فيه (أشعث) وهو ضعيف لكن هذا اللفظ كما قال الذهبي ونقله عنه الحافظ في تهذيب التهذيب قال محمد بن إسماعيل الواسطي البختري (غلط غلطة ضخمة) فقال (نلبي عن النساء) والمحفوظ سياق أحمد وابن أبي شيبة الذين روياه عن عبد الله ابن نمير عن أشعث عن أبي الزبير عن جابر.
(.....حتى إذا أتينا البيت استلم الركن فرمل ثلاثاً ومشى أربعًا , ثم أتى مقام إبراهيم فصلى , ثم رجع إلى الركن فاستلمه ....... )
(وأهل الناس بهذا الذي يهلون به) يعني أشياء كانت موجودة ومواضع التلبية نقلت لكم فيما تقدم ما رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن عبد الرحمن بن سابط قال : (أدركت الناس أو قال السلف يلبون إذا علو نشزاً وإذا نزلوا وادياً و دبر الصلاة وعند التقاء الرفاق) في هذه المواضع الأربعة .
وقوله (فرمل ثلاثة ومشى أربعاً) هذا هو السنة أنه يرمل في الثلاثة اشواط كلها وفي عمرة القضية كان أمر أصحابه أن يرملوا من الحجر إلى الركن اليماني ثم بين الركنين يرفقوا بأنفسهم فيمشوا وكان المشركون حينئذ على جبل قعيقعان (هو مما يلي الشامية الآن ) فكانوا لا يرون الصحابة و النبي عليه الصلاة والسلام أمرهم أن يرفقوا بأنفسهم لكنه في حجة الوداع رمل عليه الصلاة والسلام من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود في الثلاثة الأولى ومشى في الأربع , والسنة الرمل , لكن إذا كان الإنسان إذا دنا من الكعبة لا يرمل وإذا ابتعد رمل أيهما أفضل الدنو من البيت مع المشي أو البعد مع الرمل ؟
نقول لا شك إن الرمل أفضل لأن هنا قاعدة فقهية مراعاة المزية الراجعة إلى ذات العبادة مقدمة على مراعاة المزية الراجعة إلى مكان العبادة أو زمن العبادة ما دام الزمن والمكان باقيين ومن ذلك هنا فإنه يرمل لأن المطاف لا زال موجوداً كونه يطوف بالبيت قرب أو بعد عارضه مزية أخرى في ذات العبادة وهي الرمل.
ومن ذلك الإبراد بصلاة الظهر فإن الإبراد لأجل تحصيل الخشوع وهو في ذات العبادة فهو يؤخر الصلاة عن أول وقتها ، والصلاة في أول وقتها أفضل ومن ترك أول الوقت مع بقاء الوقت وصلى بعد ذلك في وقت الإبراد بالظهر من أجل تحصيل الخشوع فهو أفضل.
ومن ذلك (ومن ذلك ما قاله شيخنا ابن عثيمين رحمه الله) لو أن إنساناً يصلي خلف إمام وإذا صلى بطرف الصف الأول من اليمين أو الشمال لا يسمع صوت الإمام لبعده عن الإمام فكونه يصلي في الصف الثاني من أجل سماع الصوت الذي يتعلق بالمتابعة أفضل من كونه في طرف الصف ويخفى عليه حال الإمام والركوع والسجود وهذا المتوجه وإن كان الصف الأول أفضل, لكن عارض مكان العبادة وهو في الصف الأول شيء آخر هو كيف يعرف حال الإمام ؟ وهذا راجع إلى حال العبادة.
ومن ذلك مسألة مهمة المقام بمكة عند أهل العلم أفضل إذا كان الإنسان يُحصّل خير ويطلب علم لكن إذا كان أقام بالثغور أو بلده الذي هو فيه ويكون لـه من طلب العلم والاشتغال به ما يعود عليه عائدة حسنة في إيمانه وتقواه وورعه دون أن يحصل لـه ذلك بمكة لو أقام بمكة تشتت ذهنه ولم يجد قلبه مجتمعا عليه حينئذ يكون المقام ببلدة أفضل من المقام بمكة في مثل هذه الصورة.
في قوله (ثم أتى مقام إبراهيم فصلى) قرأ عليه السلام (بقل يا ايها الكافرون) و(قل هو الله احد) وهذه لم تقع في مسلم ولكنها جاءت في غيره.
وفيه من الفوائد أنه جهر بها جهراً سمعه أصحابه مع العلم أن النبي عليه الصلاة والسلام طاف في وقت النهار فحينئذ قد يقال هذا إن دعت الحاجة إلى ذلك كما لو أراد أن يعلم الناس السنة فلا بأس وقوله: [ورجع إلى الركن فاستلمه] فيه من الفوائد استلام الركن والمراد بالركن الحجر الأسود في غير الطواف لأن استلام الركن عبادة مستقلة فهو يستلم لوحده وفي الطواف و في العمرة والحج مما يدل على ذلك ما أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن عبدة بن سليمان عن عبيد الله عن نافع قال: كان ابن عمر يستلم الركن طائفاً أو غير طائف. فهذا من العبادات التي تفعل حتى لو كان الإنسان في غير الطواف.
وروى أحمد والفاكهي (1/133) كذلك (أن ابن الزبير صلى صلاة المغرب فسلم من ركعتين فقام واستلم الحجر فأخبروه- فعاد إلى تتمة صلاته).
فعلى كل حال استلام الحجر الأسود سنة مستقلة سواء كان في طواف أو في غير طواف ، لكن في هذه الصورة وهي استلامه بعد الطواف إذا لم يستطع استلامه فلا يشير بيده ولا يكبر لعدم النقل.
وإذا حاذى الحجر الأسود يكبر في أول طوفه وهل يكبر في آخرها؟
قال بعضهم: إنه يكبر في ابتداء كل شوط و عليه لا يكبر في نهاية الشوط السابع حتى تكون التكبيرات والأشواط سبعة . وقال بعضهم: بل يكبر لعموم قوله (كلما حاذى الركن كبر) هذا من ناحية وكذلك أن المقصود من الطواف والسعي ورمي الجمار إقامة ذكر الله وجاء في حديث عائشة في السنن وغيرها (إنما جعل الطواف بالبيت والسعى بين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله) ولكن هذا الحديث الصحيح أنه موقوف على عائشة وفيه (عبيد الله بن زياد القداح) رفعه ورواه عنه سفيان ، قال البيهقي نقلاً عن يحيى القطان أنه كان يتهيب رفع هذا الحديث ثم المحفوظ عنها من رواية عطاء وجاء من طريق عبيد الله القداح عن القاسم بن محمد عن عائشة من قولها وهذا يوافق رواية الثقات عن عائشة في أن هذا الحديث من كلام عائشة .
والذي يظهر لي في مسألة التكبير في آخر الشوط السابع أنها مسألة اجتهادية من كبر فله ظاهر الحديث ومن ترك فلا شيء عليه.
تنبيه :
وقع في مسند الإمام أحمد في هذا الوضع من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم رمل ثلاثة أطواف من الحجر إلى الحجر وصلى ركعتين ثم عاد إلى الحجر ثم ذهب إلى زمزم فشرب منها وصب على رأسه ثم رجع فاستلم الركن ثم رجع إلى الصفا...الحديث .
أخرجه الإمام أحمد في مسنده (294/3) : حدثنا موسى بن داود حدثنا سليمان بن بلال عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر به ، وهذا الزيادة في ذكر شرب ماء زمزم وصب الماء على رأسه عليه الصلاة والسلام في هذا الموضع غريبة تفرد بها موسى بن داود الضبي روى له مسلم حديثاً واحداً ، وهو ثقة وثقة ابن نمير وابن سعد وابن عمار الموصلي والعجلي وأثنى عليه الدار قطني ، وقال أبو حاتم شيخ في حديثه اضطراب .
والحديث كالمتواتر عن جعفر بن محمد ليس فيه هذا الحرف , نعم شربه من ماء زمزم ثابت بعد طواف الإفاضة والأكل والشرب أثناء الطواف مباح وقد نقل أبو العباس اتفاق العلماء على ذلك في مجموع الفتاوى (125/26) وإن كان قد يكره إذا لم يكن حاجة كما قال رحمه الله (26/198-199) .
فائدة : ماء زمزم طعام طعم أخرجه مسلم عن أبي ذر وفيه قصة زاد الطيالسي والبيهقي وغيرهما وشفاء سقم وهي زيادة ثابتة .
فائدة أخرى : حديث ماء زمزم لما شُرب له أخرجه ابن ماجة من طريق عبد الله ابن المؤمل عن ابن الزبير عن جابر مرفوعاً ، وعبد الله بن المؤمل ضعيف ، وجاء في معناه حديث ابن عباس عند الدار قطني لكنه لا يثبت ، وأحسن ما جاء في هذا الباب ما أخرجه الفاكهاني في أخبار مكة (2-37) قال حدثنا محمد بن إسحاق حدثنا يعقوب عن أبيه قال : لما حج معاوية رضي الله عنه حججنا معه ....وفيه ومن ثم مر بزمزم وهو خارج إلى الصفا فقال : انزع لي منها دلواً يا غلام قال : فنزع له منها دلواً فأتى به فشرب منه وصب على وجهه ورأسه وهو يقول : زمزم شفاء هي لما شرب له .
وهذا إسناد صحيح والفاكهي عده ابن حجر من الحفاظ الذين رووا عن البخاري ، وقد روى الفاكهي واسمه محمد بن إسحاق عن جماعة من الحفاظ المشاهير كمسلم وأبي حاتم وجماعة آخرين فهو مشهور بالطلب وقد روى عنه الحافظ العقيلي فلا شك في توثيقه أما شيخه في كتابه فهو محمد بن إسحاق الصاغاني الصينى والحافظ ابن حجر حسن هذا الطريق بقوله : هذا إسناد حسن مع كونه موقوفاً وهو أحسن من كل إسناد وقفت عليه لهذا الحديث كما ذكره عنه تلميذه السخاوي في المقاصد الحسنة ، وابن إسحاق صرح بالتحديث وبقية الإسناد ثقات فهذا إسناد ثابت موقوف على معاوية الخليفة المشهور يجهر به بين بقية أصحاب محمد وجمهرة التابعين ، ومثله لا يقال بالرأي ، فلا أشك في صحته ونقل معاوية رضي الله عنه من شربه وصبه على رأسه ووجهه هو ما وقع في رواية موسى بن داود......
فائدة أُخرى :
جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب من زمزم ثم مّج في الدلو ثم صب في زمزم .رواه أحمد في مسنده من طريق حماد بن سلمه عن قيس بن سعد عن مجاهد عن ابن عباس وهو غريب من هذا الوجه ، وهو أقوى ما في الباب . وروى أحمد أيضاً والفاكهي في أخبار مكة من طريق مسعر عن عبد الجبار بن وائل قال حدثني بعض أهل العلم عن أبي قال :" أتى النبي صلى الله عليه وسلم بدلو من ماء زمزم فشرب منه ثم مج في الدلو ثم صب في البئر ..." إسناده ضعيف عبد الجبار لم يسمع من أبيه ولا أدركه مات أبوه وهو حمل .
وروى الفاكهي في أخبار مكة من طريق يوسف بن عبده البصري عن ثابت عن أنس قال جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى زمزم فنزع دلواً فشرب منه ثم مج من ثم صبه في زمزم ، وإسناده ضعيف قال أحمد : يوسف بن عبده له أحاديث مناكير عن حميد وثابت قلت : وهذا منها.

(.....ثم خرج من الباب إلى الصفا ،فلما دنا من الصفا قرأ "إن الصفا والمروة من شعائر الله " ابدأ بما بدأ الله به .....)
المؤلف قال هنا (أبدأ بما بدأ الله به) والإنسان إذا صعد الصفا يقرأ أول الآية فقط ثم يقول (نبدأ بما بدأ الله به) هكذا رواه مسلم بلفظ (نبدأ) وهي أصح الروايات (نبدأ) بلفظ الجمع وجاء (أبدأ) وجاء (ابدءوا) أما رواية (ابدأوا) فهذه شاذة وقعت للنسائي ووقع للنسائي الحرفان جميعاً ولكن رواية الأمر هذه روايه شاذة والصحيح (نبدأ) وأما رواية (أبدأ) فهي وإن كانت لا خلاف كبير فيها لكن المحفوظ بالجمع ، أما ما ذكره الحافظ في كتاب الطهارة (أبدأ بما بدأ الله به) قال: هو عند النسائي بلفظ الأمر وعند مسلم بلفظ الخبر): هو كذلك لكنه بلفظ الخبر (نبدأ).
وهذه صارت قاعدة عند أهل العلم أنه يبدأ الإنسان بما بدأ الله به في الوضوء (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) وهنا فما قدم الله يقدم وما أخره الله يؤخر هذا هو الأصل ولا يُتِم الآية ولم أر في خبر صحيح مسند أنه أتم الآية عليه الصلاة السلام.
(....فرقى الصفا حتى رأى البيت فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره وقال " لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شي قدير " لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ثم دعا بين ذلك ثلاث مرات.....)
الذكر ثلاث مرات والدعاء هل هو ثلاث مرات؟!
قال بعضهم: الدعاء حينما دعا بين ذلك وكانت الأذكار ثلاثة وما يتخللها اثنان ما بين الأول والثاني وما بين الثاني والثالث فلا يكون دعا إلا مرتين وهذا اختيار الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله وقال بعضهم: بل يدعو ثلاثاً لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا دعا ثلاثاً وهذه الرواية لا تدل على أنه اقتصر على الدعاء بين ذلك بل ربما زاد وإنما نقل جابر ما جهر به النبي عليه الصلاة والسلام فالسنة أن الإنسان إذا رقى على الصفا يرفع يديه ويستقبل الكعبة ثم يجهر بالذكر ويسر الدعاء ويقول (لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه الملك ولـه الحمد وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده) ثم يسر الدعاء ثم يعود فيجهر بالذكر ثم يسر الدعاء ثم يرجع ويجهر بالذكر ثم يسر الدعاء هذا هو الأفضل.
(.....ثم نزل على المروة حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى ، حتى إذا صعدتا مشى إلى المروة.... )
والعجلة في الوادي ما بين العلمين وقد روى النسائي عن طريق صفية بنت شيبة أنها رأت النبي عليه الصلاة والسلام وفي سنن النسائي تروي عن النبي بواسطة امرأة (أنه قال لا يقطع الأبطح إلا شداً) وجاء عنه عليه السلام أنه إذا سعى تدور به إزاره وذلك في خبر لا يثبت فالسنة الإسراع مع عدم المشقة هذا في حق الرجال أما في حق النساء فلا يشرع وقد صح عن ابن عمر وغيره من الصحابة أنه قال (ليس على النساء رمل) ونقل ا بن المنذر الاتفاق على هذا.
أما سعي هاجر فإنه قد يقال لم يكن بحضرتها أحد من الرجال البته ثم نقول ثانياً أن الشريعة استقرت على عدم رمل النساء أما الآن إذا رملت ففيه من المحاذير ما لا يخفى.
(....ففعل ذلك على المروة كما فعل على الصفا.....وذكر الحديث )
لكن لا يكرر ذكر الآية إذا أتى المروة فلا يقول (نبدأ بما بدأ الله به ) لكنه يدعو نحو الدعاء الذي تقدم ويستقبل القبلة ويرفع يديه، وقوله وذكر الحديث يعني أن النبي عليه الصلاة والسلام أمرهم بأنهم يحلوا ويجعلوها عمرة وقال افعلوا ما آمركم به ثم ترددوا ثم فعلوا ما أمرهم به عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم) ثم اقتطع المؤلف هذا الحديث ثم قال وفيه:
(....فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ، ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس...... )
يصليها عليه الصلاة والسلام قصراً بلا جمع الرباعية ثنتين الظهر والعصر والعشاء لأنه قار وهذا هو السنة أن الإنسان المسافر إذا كان قاراً يقصر بلا جمع وإذا جد في السيرفإنه يسن له الجمع ولكن على القول الراجح يجوز للمسافر المستقر أن يجمع لاسيما إذا دعت الحاجة وأما إذا لم تدع حاجة فتركه أفضل.
(....فأجاز حتى أتى عرفة , فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها ، حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له فأتى بطن الوادي فخطب الناس ......)
الوادي هذا وادي عُرنة فالنبي صلى الله عليه وسلم نزل يوم عرفة ثلاثة منازل المنزل الأول بنمرة وهذا قبل الوادي وهذا نزل به للإرتفاق والراحة ثم لما زالت الشمس أتى بطن الوادي ثم خطب ثم صلى الظهر ركعتين ثم العصر ركعتين ثم دخل عرفة.
(....ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصلي بينهما شيئاً......)
وكان هذا يوم جمعة في وقفته عليه الصلاة والسلام ولم يصل الجمعة لأن المسافر لا يصلي الجمعة وهذا باتفاق العلماء بل لو صلى الإنسان الجمعة وهو مسافر فإنها لا تصح منه لقوله عليه الصلاة والسلام (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) لكن إذا كان المسافر نازلاً ببلد وسمع أذان الجمعة فهل يلزمه أم لا؟
وقبل الشروع في هذه المسألة أقول إن المسافر له حالتان :-
حال استقلال بجماعة المسافرين وانفصاله عن البلد .
حال استقرار في بلد لا يقطع حكم السفر.
ففي الصور ة الأولى :-
هل تجب الجمعة على المسافرين وحدهم ؟
والجواب يقال إن الجمعة لا تجب على المسافرين بل لوصلوها جمعة لا تصح منهم والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم سافر أسفاراً كثيرة في حياته عليه الصلاة والسلام ولم ينقل عنه حرف واحد أنه جمع بأصحابه، وقد صادفته الجمعة في أسفاره كثيراً ولو صلى الجمـــــعة في أسفاره لكانت الهمم متوافرة على نقل ذلك.
ولا أدل على ذلك من سفره لحجه عليه الصلاة والسلام فقد وافق يوم عرفه يوم الجمعة ومع ذلك فقد صلى الظــــهر والعصر جمعاً وقصراً وقد سماها جابر الظهر كما في صحيح مسلم (1218) ولم يجهر بالقراءة وأيضاً خطب قبل الأذان خطبة واحدة ثم أذن وصلى وهذا العلم به ظاهر لأهل العلم لا يكادون يختلفون في ذلك.(1) وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " .







ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر الموطأ (1/107) ومجموع الفتاوي (17/480) وكذلك (24/ 177) فما بعدها ( مهم جدا) و(ج/16) من فتاوى ابن عثيمين.

وإنما محل البحث في:-
الصورة الثانية :-
وهي إذا كان المسافر مستقراً في بلد استقراراً لا يقطع أحكام السفر فهل يجب عليه حضور الجمعة أم لا ؟
وسيأتي الكلام على هذه المسألة لاحقاً.
وقد وردت آثار في نفي وجوب الجمعة عن المسافر لا بأس بذكرها مع الكلام على أسانيدها ثم نذكر إن شاء الله كلام أهل العلم .
أولاً :- حديث تميم الداري.
أخرجه البيهقي (3/184) من طريق محمد بن طلحة عن الحكــم عن ضرار بن عمرو عن أبي عبد الله الشامي عن تميم الداري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الجمعة واجبة إلا على امرأة أو صبي أو مريض أو عبد أو مسافر " وهذا الحديث واه جداً فضرار بن عمرو منكر الحديث كما قال البخاري وأورد له العقيلي هذا الحديث في ضعفائه (2/222) وقال : لا يتابع عليه وأبو عبد الله الشامي لا يعرف كما قال الذهبي في الميزان . والحديث قال عنه أبو زرعه الرازي عبيدا لله بن عبد الكريم قال : هذا حديث منكر ( علل ابن أبي حاتم (2/212) ).
ثانياً :- حديث جابر.
أخرجه الدار قطني في السنن (2/3) والبيهقي ( 3/174) وابن عدي في كامله ( 2425) وابن الجوزي في التحقيق (788) من طريق ابن لهيعه عن معاذ بن محمد الأنصاري عن أبي الزبير عن جابر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة يوم الجمعة إلا مريض أو مسافر أو امرأة أو صبي أو مملوك فمن استغنى بلهو أو تجارة استغنى الله عنه والله غني حميد " وهذا الحديث كسابقه واه جداً.
ابن لهيعة ضعيف ومعاذ بن محمد قال العقيلي في حديثه وهم ، وقال ابن عدي منكر الحديث وذكر حديثه هذا وضعفه الحافظ في التلخيص (2/65) ، وقال ابن عبد الهادي لا يصح ، وكذا قال الذهبي .انظر التحقيق لابن الجوزي ( 4/121).
ثالثاً:- حديث أبي هريرة.
أخرجه الطبراني في الأوسط (2/196) من طريق إبراهيم بن حماد بن أبي حازم المديني ثنا مالك بن أنس عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى عليه وسلم " خمسة لا جمعة عليهم المرأة والمسافر والعبد والصبي وأهل البادية " قال الطبراني لم يروه عن مالك إلا إبراهيم .
والحديث أخرجه الدار قطني في غرائب مالك كما ذكره الحافظ في لسان الميزان (1/268) قال الدار قطني تفرد به إبراهيم وكان ضعيفاً.


رابعاً :- حديث ابن عمر.
أخرجه الدار قطني في السنن (2/4) والطبراني في الأوسط (882) من طريق عبد الله بن نافع عن أبيه عن أبن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ليس على المسافر جمعة " وهذا إسناده ضعيف جداً كذلك فعبد الله بن نافع قال أبو حاتم فيه منكر الحديث وهو أضعف ولد نافع وقال البخاري منكر الحديث ، والمحفوظ في هذا الحديث الوقف على ابن عمر، أخرجه البيهقي (3/184) من طريق ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث حدثني عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال لا جمعة على مسافر قال البيهقي هذا هو الصحيح موقوف ورواه عبد الله بن نافع عن أبيه فرفعه.أ.هـ. وقد رواه ابن المنذر(4/19) وعبد الرزاق (5198) (3/172) موقوفاً.
خامساً:- مرسل الحسن :-
روى عبد الرزاق (3/174) عن ابن عيينة عن عمرو (هو ابن دينـــــــار) عن الحسن قال : قال الرسول صلى الله عليه وسلم " ليس على المسافر جمعة " وهو ضعيف لإرساله ، والحسن هو ابن محمد بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي مدني تابعي ثقة ، وأبوه هو ابن الحنفية.
وأما الآثار عن الصحابة والتابعين
فمنها أثر ابن عمر المتقدم وهو صحيح ثابت.
أثر علي :-
أخرجه ابن المنذر في الأوسط (4/19) من طريق أبي إسحاق عن الحارث عن علي قال ليس على المسافر جمعة ، والحارث واه . وروى عبد الرزاق (3/168) وابن أبي شيبه ( 2/101) وغير هما من طريق سعد بن عبيده عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي أنه قال " لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع" إسناده صحيح.
أثر عبد الرحمن بن سمرة :-
وأخرج عبد الرزاق في مصنفه ( 4352) وابن المنذر في الأوسط (4/ 360) من طريق هشام بن حسان عن الحسن قال : كنا مع عبد الرحمن بن سمرة في بعض بلاد فارس سنتين وكان لا يجمع ولا يزيد على ركعتين . وإسناده صحيح ، وأخرجه البيهقي (3/185) من طريق يونس بن عبيدة عن الحسن قال: كنا مع عبد الرحمن بن سمرة بخراسان نقصر الصلاة ولا نجمع . قال البيهقي هكذا وجدته في كتابي ولا نجمع بالتشـــــــديد ورفع النون.
أثر أنس : -
وأخرج ابن المنذر (4/20) من طريق يونس عن الحسن أن أنساً أقام بنيسابور سنه أو سنتين وكان يصلي ركعتين ولا يجمع ، إسناده صحيح .
أثر عمر ابن عبد العزيز :-
وأخرج ابن أبي شيبه من طريق رجاء بن أبي سلمة عن أبي عبيد مولى سليـمان بن عبد الملك قال : خرج عمـــــر بن عبد العزيز من دبق وهو يومئذ أمير المؤمنين فمر بحلب يوم الجمعة فقال الأمير ؟ " جمع فإنا سفر" وإسناده لأبأس به.
أثر مسروق وعروة بن المغيرة وجماعة من أصحاب ابن مسعود :-
وأخرج ابن أبي شيبه (2/104) عن أبي أسامة عن أبي العميس عن على أبن الأقمر قال : خرج مسروق وعروة بن المغيرة ونفر من أصحاب عبد الله فحضرت صلاة الجمعة فلم يجمعوا وحضروا الفطر ولم يفطروا . إسناده ثابت.
وأخرج عبد الرزاق عن الثوري عن مغيرة عن إبراهيم ( وهو النخعي ) قال : كانوا لا يجمعون في سفر ولا يصلون إلا ركعتين. صحيح ، ورواه ابن أبي شيبه عن أبي الاحوص عن المغيرة به بلفظ كان أصحابنا يغزون فيقيمون السنة أو نحو ذلك يقصرون الصلاة ولا يجمعون.
أثر طاووس :-
وأخرج عبد الرزاق ( 3/172) عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه قال " ليس على المســـــــــــافر جمعة".
أثر الزهري :-
وأخرج عبد الرزاق ( 3/174) برقم (5205) عن معمر عن الزهري قال : سألته عن المسافر يمر بقرية فينزل فيها يوم الجمعة ؟ قال" إذا سمع الأذان فليشهد الجمعة ". صحيح.
وعلقه البخاري في صحيحه من رواية إبراهيم بن سعد عنه ويأتي الكلام عليه وله سياق آخر عند عبد الرزاق برقم (5188) بالإسناد نفسه.
فصل في أقوال أهل العلم
قال الشافعي في الأم (1/327)" وليس على المسافر أن يمر ببلد جمعة إلا أن يجمع فيه مقام أربع ، فتلزمه الجمعة إن كانت في مقامه " أ. هـ .
وقال ابن المنذر رحمه الله (4/20) في الأوسط :- ومما يحتج به في إسقاط الجمعة عن المسافر أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مر به في أسفاره جمع لا محالة فلم يبلغنا أنه جمع (1) وهو مسافر بل أنه ثبت عنه أنه صلى الظهر بعرفة وكان يوم الجمعة فدل ذلك من فعله على أنه لا جمعة على المسافر لأنه المبين عن الله عز وجل معنى ما أراد بكتابه فسقطت الجمعة عن المسافر استدلالاً بفعل النبي عليه الصلاة والسلام وهذا كالإجماع من أهل العلم لأن الزهري مختلف عنه في هذا الباب حكى الوليد بن مسلم عن الأوزاعي أنه قال لا جمعة على المسافر وإن سمع المسافر أذان الجمعة وهو في بلد فليحضر معهم يحتمل أن يكون أراد استحباباً ولو أراد غير ذلك كان قولاً شاذ خلاف قول أهل العلم وخلاف ما دلت عليه السنة.أ.هـ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قلت ذكر ابن الهمام فتح القدير (2/33) ما نصه :" وفي الكافي صح أنه صلى الله عليه وســــــــــــــلم أقام الجمعة بمكة مســـافراً " ا.هـ. وفي بدائع الصنائع (1/430) مثله. قلت : فإن كان انتزعه من إقامته صلى الله عليه وسلم بمكة تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة كما ثبت في البخاري عن ابن عباس فقد أطلق جماعة من أهل العلم عدم إقامته الجمعة في سفره ولو قدر أنه أقام الجمعة فغاية ما في الأمر أنه إمام فيها وإلا فهي قائمة مفروضة على أهل مكة وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم شاهدا لها فمن الذي سيتقدم بين يديه في إقامتها وكذلك هو عليه الصلاة والسلام إمام المسلمين ولهذا قال السر خسي في المبسوط (2/130) ما نصه " ولو أن أمير الموسم جمع بمكة وهو مســـــــافر جــــــاز لأنه فوض إليه أمر المسلمين " أ.هـ. ومراده في " الموسم " الحج والجهاد مثله ومعلوم أنه شهود المسافر المستقر للجمعة أفضل وأعظم أجراً حيث لا مشقة لكن الكلام في الوجوب وقد عقد عبد الرزاق(3/360) باب الإمام يجمع حيث كان وذكر آثاراً عن السلف والصحيح في هذا المسألة أن الإمام له أن يتولى إقامة الجمعة في البلد الذي يمر به أو ينيب غيره لا أنه تلزمه الجمعة حيث كان إذا كان مسافراً .


قلت : وقول الزهري علقه البخاري في صحيحه تحت باب ( المشي إلى الجمعة وقول الله جل ذكره" فاسعوا إلى ذكر الله " ) وعلق آثاراً ثم قال وقال إبراهيم بن سعد عن الزهري : إذا أذن المؤذن يوم الجمعة وهو مسافر فعليه أن يشهد.قال الحافظ ما نصه (2/391) لم أره من رواية إبراهيم وقد ذكره ابن المنذر عن الزهري وقال إنه أختلف عليه فقيل عنه مثل قول الجماعة إنه لا جمعة على المسافر كذا رواه الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن الزهري . قال ابن المنذر : وهو كالإجماع من أهل العلم على ذلك لأن الزهري أختلف عليه فيه .أ.هـ. ويمكن حمل كلام الزهري على حالتين : فحيث قال " لا جمعة على المسافر" أراد على طريق الوجوب وحيث قال " فعليه أن يشهد" أراد على طريق الاستحباب(2) ويمكن أن تحمل رواية سعد بن إبراهيم هذه على صورة مخصوصة وهو إذا اتفق حضوره في موضع تقام فيه الجمعة فسمع النداء(3) لها لا إنها تلزم المسافر مطلقاً حتى يحرم عليه السفر قبل الزوال من البلد الذي يدخلها مجتازاً مثلاً وكأن ذلك رجح عند البخاري ويتأكد عنده بعموم قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله )
فلم يخص مقيماً من مسافر وأما ما احتج به ابن المنذر على سقوط الجمعة على المسافر بكونه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر جمعاً بعرفة وكان يوم الجمعة فدل ذلك من فعله على إنه لا جمعة على المسافر فهو عمل صحيح إلا انه لا يدفع الصورة التي ذكرتها.أ. هـ .
وقال الموفق (3/216) وأما المسافر فأكثر أهل العلم يرون أنه لا جمعة عليه كذلك قاله مالك في أهل المدينة والثوري في العراق والشافعي وإسحاق وأبو ثور وروي ذلك عن عطاء وعمر بن عبد العزيز والحسن والشعبي وحكي عن الزهري والنخعي أنها تجب عليه لان الجماعة تجب عليه فالجمعة أولى ولنا أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يسافر فلا يصلي الجمعة في سفره وكان في حجة الوداع بعرفة يوم الجمعة فصلى الظهر وجمع بينها ولم يصل جمعة والخلفاء الراشدون رضي الله عنهم كانوا يسافرون للحج وغيره فلم يصل أحد منهم الجمعة في سفره وكذلك غيرهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم. وقد قال إبراهيم كانوا يقيمون بالري السنة وأكثر من ذلك وبسجســتان السنين لا يجمعون ولا يشرقون ( ثم ذكر أثر أنس وعبد الرحمن بن سمرة وتقدما) ثم قال : وهذا إجماع مع السنة الثابتة فيه فلا يسوغ مخالفته .... إلى أن قال (3/220) والأفضل للمسافر حضور الجمعة لأنها أفضل
ونقل ابن عبد البر في الاستذكار (5/ 76) الإجماع على أنه ليس على المسافر جمعة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) هذا الحمل من الحافظ ضعيف غريب وكلام الزهري واضح من نقله عن ابن المنذر فالمسافر عند الزهري له حالتان :-
أ - أن يكون حاضرا فيسمع النداء فعليه الحضور( وهو محل البحث) ونقول الأئمة عن الزهري إنما في هذه الصورة .
ب إلا يكون كذلك فليس على المسافر جمعة.
وقد فطن ابن المنذر وحمل قول الزهري فليحضر معهم يعني إذا كان في بلد على الاستحباب حتى لا يخالف قول أهل العلم في إسقاط الجمعة عن المسافر فافهم .
( 3) قلت : هذا صريح فتوى الزهري لمعمر عند عبد الرزاق والحافظ لم ينسبه له وتقدم.


قال ابن حزم في المحلى (5/49) :-
وسواء فيما ذكرنا في وجوب الجمعة للمسافر في سفره والعبد والحر والمقيم إلى قوله ( ص51) قال تعالى " يا أيها الذين أمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع" قال علي : فهذا خطاب لا يجوز أن يخرج منه مسافر ولا عبد بغير نص من رسول الله صلى الله عليه وسلم. أ . هـ .
وقال البغوي في شرح السنة (4/226) :-
ولا تجب على المسافر وذهب النخعي والزهري إلى أن المسافر إذا سمع النداء (1) فعليه حضور الجمعة.
وقال النووي في المجموع(4/351) :-
لا تجب الجمعة على المسافر هذا مذهبنا لا خلاف فيه عندنا وحكاه ابن المنذر وغيره عن أكثر العلماء وقال الزهري والنخعي : إذا سمع النداء لزمه قال أصحابنا ويستحب له الجمعة للخروج من الخلاف ولأنها أكمل هذا إذا أمكنه .... أ . هـ .
قال العمراني في البيان (2/543) :-
ولا تجب الجمعة على المسافر وبه قال عامة الفقهاء ، وقال الزهري والنخعي إذا سمع النداء وجبت عليه ، دليلنا حديث جابر ، ولأنه مشغول بالسفر ويستحب له إذا كان في بلد وقت الجمعة أن يحضرها.
وقال ابن هبيره في الإفصاح (2/93) :-
" واتفقوا على أن الجمعة لا تجب على صبي ولا عبد ولا مسافر ولا امرأة إلا رواية عن أحمد رواها في العبد خاصة " أ .هـ. ونقل الاتفاق صديق حسن خان عن صاحب المسوي ....انظر الروضة الندية(1/341).
وقال المجد في المحرر(1/142):-
" ولا تجب على مسافر له القصر" .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في المجموع (24/184) :-
" وكذلك يحتمل أن يقال بوجوب الجمعة على من في المصر من المسافرين وإن لم يجب عليهم الإتمام كما لو صلوا خلف من يتم فإن عليهم الإتمام تبعاً للإمام كذلك تجب عليهم الجمعة تبعاً للمقيمين.... لأن قوله تعالى " إذا نودي للصلاة " ونحوها يتناولهم وليس لهم عذر ولا ينبغي أن يكون في مصر المسلمين من لا يصلى الجمعة إلا من هو عاجز عنها كالمريض والمحبوس وهؤلاء قادرون عليها . لكن المسافرون لا يعقدون جمعة لكن إذا عقدها أهل المصر صلوا معهم وهذا أولى من إتمام الصلاة خف الإمام المقيم" أ . هـ . ونقله عنه في الاختيارات ملخصاً (ص119).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سماع النداء محله :-
أ. إذا كان المؤذن صيتاً.
ب. والأصوات هادئة .
ج. والرياح ساكنه.
د. والموانع منتفية . أ.هـ.من الإنصاف (5/66) زاد في المغني .(3/244 245).
هـ. والمستمع غير ساه ولا غافل.
و*. وفي موضع عال ، ولم يذكر الموفق الموانع فحاصل ما ذكر ستة وحدوه بفرسخ. قلت : الفرسخ خمسة كيلو مترات.


وقال في الفروع (2/74) :-
ويحتمل أن يلزمه تبعاً للمقيمين خلافاً لهم قاله شيخنا وهو متجه. أ. هـ . يعني بشيخنا شيخ الإسلام ونقله ابن قاسم عن الشيخ وصاحب الفروع قال وهو من المفردات.
وقال الحافظ ابن رجب في شرحه على البخاري المسمى فتح الباري
(1/403) :-
على قول البخاري " باب من أين تؤتى الجمعة وعلى من تجب " لقول الله عــز وجل ( إذا نودي للصلاة يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ) وقال عطاء إذا كنت في قرية جامعة ، فنودي بالصلاة من يوم الجمعة ، فحق عليك أن تشهدها ، سمعت النداء أو لم تسمعه .
وكان أنس ابن مالك في قصره ، أحياناً يجمع ، وأحياناً لا يجمع ،وهو بالزاوية على فرسخين.
قال :- تضمن الذي ذكره مسألتين :-
المسألة الأولى / أن من هو في قرية تقام فيها الجمعة ، فإنه إذا نودي فيها بالصلاة للجمعة وجب عليه السعي إلى الجمعة ، وشهودها سواء سمع النداء أو لم يسمعه ، وقد حكاه عن عطاء .
وهذا الذي في القرية ، إن كان من أهلها المستوطنين بها ، فلا خلاف في لزوم السعي إلى الجمعة له ، وسواء سمع النداء أو لم يسمع ، وقد نص على ذلك الشافعي وأحمد ، ونقل بعضهم الاتفاق عليه. وإن كان من غير أهلها ، فإن كان مسافراً يباح له القصر ، فأكثر العلماء على أنه لا يلزمه الجمعة مع أهل القرية ، وقد ذكرنا فيما تقدم أن المسافر لا جمعة عليه . وحكي عن الزهري والنخعي ، أنه يلزمه تبعاً لأهل القرية . وروي عن عطاء ـ أيضا ًـ ، أنه يلزمه.
وكذا قال الأوزاعي : إن أدركه الأذان قبل أن يرتحل فليجب .........الخ.
وقال الصنعاني في سبل السلام (2/157) :-
في شرح حديث ابن عمر " ليس على مسافر جمعة" ما نصـه : " والمسافر لا يجب عليه حضورها وهو يحتمل أن يراد به : مباشر السفر وأما النازل فتجب عليه ولو نزل بمقدار الصلاة والى هذا جماعة من الآل وغيرهم ، وقيل لا تجب عليه لأنه داخل في لفظ المسافر واليه ذهب جماعة من الآل أيضاً وغيرهم وهو الأقرب لان أحكام السفر باقية له من القصر ونحوه ، ولذا لم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم صلى الجمعة بعرفات في حجة الوداع لأنه كان مسافرا ، وكذلك العيد تسقط صلاته على للمسافر ، ولذا لم يرو أنه صلى الله عليه وسلم صلى صلاة العيد في حجته ، وقد وهم ابن حزم رحمه الله فقال إنه صلاها في حجته ، وغلطه العلماء " أ .هـ .





وقال في مطالب النهى في شرح غاية المنتهى (1/758):-
( ولا تجب على مسافر أبيح له القصر) لأنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يسافرون في الحج وغيره فلم يصل أحد منهم الجمعة فيه مع اجتماع الخلق الكثير ، وكما لا تجب عليه لا تلزمه بغيره نص عليه فلو أقام المسافر ما يمنع القصر لشغل أو علم أو نحوه . ولم ينوا استيطاناً لزمه بغيره لعموم الآية والأخبار. أ .هـ .
وفي الدرر السنية (5/6) :-
سئل الشيخ عبد الله بن محمد عن المسافر إذا أدركته الجمعة ؟ فأجاب المسافر إذا قدم ولم ينو إقامة تمنع القصر والفطر في رمضان فهذا لا جمعة عليه بحال فإذا صلى الجمعة مع أهل البلد أجزأته والأفضل في حقه حضورها إذا لم يمنع مانع فإن كان المسافر قد نوى إقامة مدة تمنع القصر والفطر فهذا تلزمه بغيره فإذا كان في بلد تقام فيها الجمعة وجب عليه حضورها. أ.هـ.
وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (5/15) :-
بعدما قرر عدم وجوب الجمعة على المسافر بل بعدم صحتها من المسافرين قال ما نصه : " أما المسافر في بلد تقام فيه الجمعة كما لو مر إنسان في السفر ببلد ودخل فيه ليقيل ويستمر في سيره بعد الظهر فإنها تلزمه الجمعة لعموم قوله تعالى (يا أيها الذين أمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) وهذا عام ولم نعلم أن الصحابة الذين يفدون إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويبقون إلى الجمعة يتركون صلاة الجمعة بل إن ظاهر السنة أنهم يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم. أ هـ . وقرر في فتاويه مثله (16/74) .
وحاصل ما قيل في هذه المسألة : -
1- وجوب حضور الجمعة وأدائها وقال به النخعي والزهري وعطاء والأوزاعي والبخاري وابن حزم وشيخ الإسلام وابن حجر وصاحب الفروع وابن عثيمين وغيرهم.
2- عدم وجوب حضور الجمعة وقال به جماهير الأمة كما نقله ابن المنذر وابن رجب وغيرهم .
3- استحباب حضور الجمعة لأنه أولى وأكمل وخروجاً من الخلاف ومما قال به الموفق (3/220) ونقله النووي عن بعض أصحابه من الشافعية وقال في الإنصاف (5/175) . فائدة كل من لا لم تجب عليه الجمعة لمرض أو سفر أو اختلف في وجوبها عليه كالعبد ونحوه فصلاة الجمعة أفضل في حقه وذكره ابن عقيل وهذا القول لا ينافي ما قبله .

بواسطة : rasl_essaher
 0  0  473