• !
×

rasl_essaher

باب صفة الحج ودخول مكة 3


الحديث الرابع والأربعون: عن عائشة رضي الله عنها قالت : أرسل النبي صلى الله عليه وسلم بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت . رواه أبو داود وإسناده على شرط مسلم .
حديث عائشة رواه أبو داود والبيهقي من طريق الضحاك بن عثمان عن عائشة ووقع في هذا الحديث اضطراب في السند والمتن جاء في بعض ألفاظ الحديث (أن النبي أمرها أن توافيه في صلاة الصبح بمكة) وهذه اللفظة منكرة استنكرها الإمام أحمد ويحيى بن سعيد وغيرهم والنبي كان يصلي الفجر بمزدلفة فكيف بأمرها أن توافيه بمكة؟ وكذلك أعل الحديث بالإرسال.
وبكل حال مسألة تعجل النساء أن كن ضعيفات في آخر الليل إلى مزدلفة هذا جاء في أحاديث صحاح كما في حديث أسماء تقدم ذكره وفي الصحيحين عن ابن عمر أنه كان يقدم ضعفة أهله إلى منى وفي صحيح مسلم من حديث أم حبيبة قالت: كنا نغلس من جمع إلى منى في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن لازم التعجيل كما تقدم- أنهم يرمون الجمار ومن أحب أن يطوف بعد ذلك ولو قبل طلوع الشمس فلا بأس على القول الراجح والحديث على ما فيه شواهده في الصحيح والمحفوظ أنه من مسند أم سلمة.
الحديث الخامس والأربعون: وعن عروة بن مضرس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من شهد صلاتنا هذه يعني بمزدلفة فوقف معنا حتى ندفع وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه . رواه الخمسة وصححه الترمذي وابن خزيمة.
الحديث رواه أهل السنن من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن عروة ابن مضرس وقد صححه ابن خزيمة والدار قطني والترمذي وغيرهم.
سبب هذا الحديث أن عروة بن مضرس قدم من حائل من جبال طيء فجاء إلى النبي عليه السلام في مزدلفة وقال لـه: أتعبت نفسي وأكللت راحلتي وما تركت من جبل إلا وقفت عليه فهل لي من حج.
فقال النبي عليه السلام: من شهد صلاتنا (صلاة الفجر في مزدلفة) ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه، وقضى تفثه. وقوله (ليلاً أو نهاراً) استدل به الحنابلة على أن الوقوف بعرفة قبل الزوال مجزيء.
وأخذوا بعموم هذا الحديث وقالوا إن (نهاراً) تشمل من طلوع الشمس إلى الزوال إلى الغروب وخالفهم الجمهور وقالوا إن هذا الحديث بينه عليه الصلاة والسلام بفعله وأن قوله (ليلاً أو نهاراً) أي في وقت وقوفه وهو لم يقف إلا بعد الزوال.
وثمرة المسألة:
لو أن إنساناً وقف قبل الزوال ودفع قبل الزوال إلى مزدلفة فما حكم حجه؟ على قول الحنابلة حجه صحيح وعليه دم وعلى قول الجمهور حجه غير صحيح وقول الجمهور أحوط.
وفيه من الفوائد امتداد وقت الوقوف حتى طلوع الفجر فمن وافى عرفة قبل طلوع الفجر وهو من أهل الوقوف فقد تم حجه وقضى تفثه.
وفيه من الفوائد أن من تأخر عن مزدلفة بسبب أو عذر فلم يوافها حتى طلع الفجر فإنه ليس عليه شيء فالنبي قال (تم حجه وقضى تفثه) فلو أن إنساناً حبس في الناقلات أو الطرق أو تأخر ما عقد النية إلا قبل طلوع الفجر فوقف بعرفات لحظات ثم أتى مزدلفة والناس يصلون أو بعد الصلاة فإنه يقف ما تيسر حتى يسفر جداً ثم يذهب إلى منى.

الحديث السادس والأربعون:وعن عمر رضي الله عنه قال : "إن المشركين كانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس ويقولون : أشرق ثبير , وإن النبي صلى الله عليه وسلم خالفهم , ثم أفاض قبل أن تطلع الشمس " رواه البخاري.
سبق بيان هذا في حديث جابر وأن المشركين كانوا ينتظرون طلوع الشمس وقولهم (أشرق ثبير) هذا خطاب لجماد ولكن هذا عند أهل اللغة إذا طلب من الجماد شيء فهو من باب التمني كقولك :
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي
بصبح وما الإصباح منك بأمثـل
والنبي خالفهم فأفاض قبل أن تطلع الشمس.
ومن فوائده المنع من التأخر وأن الإنسان يفيض إلى منى قبل طلوع الشمس إلا إذا تأخر بسبب زحام مثلاً فلا بأس.
وعن ابن عباس وأسامة بن زيد رضي الله عنهم قالا : " لم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يلبي حتى رمى جمرة العقبة " رواه البخاري.
هذا السياق الصحيح وقوله (حتى رمى) هل هو حتى شرع أو حتى أتم؟ الصواب: حتى شرع لأنه جاء في حديث جابر كما تقدم (يكبر مع كل حصاة) فانقطعت التلبية بالتكبير فانقطعت مع أول حصاة وشرع بالتكبير وهذا ظاهر سياق الصحيح ورواه النسائي وابن خزيمة بلفظ (فلم يزل يلبي حتى رمى الجمرة حتى قطع التلبية مع أخر حصاة) ولكن لفظ الصحيح أصح وأن التلبية تنقطع بمجرد الشروع في الرمي ، ولأنه شرع في أسباب التحلل.
وعن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه أنه جعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه ورمى الجمرة بسبع حصيات وقال : هذا مقام الذي أُنزلت عليه سورة البقرة " متفق عليه.
هذه السنة عند رمي جمرة العقبة يجعل مكة البيت عن يساره ومنى عن يمينه ويستقبل الجمرة والأصحاب يقولون: يجعل الجمرة عن يمينه ويستقبل البيت فيصبح يرمي عن يمين ولكن هذا ضعيف وهذا هو صفة رمي جمرة العقبة في يوم العيد والأيام بعده وقول ابن مسعود هذا مقام الذي أُنزلت عليه سورة البقرة خصها بالذكر لأن أحكام الحج وآيات الحج نزلت في سورة البقرة.
الحديث السابع والأربعون :وعن جابر رضي الله عنه قال : رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمرة يوم النحر ضحى , وأما بعد فإذا زالت الشمس " رواه مسلم.
في هذا تحديد الرمي أما رمي جمرة العقبة فقد رماها عليه السلام ضحى ووقع في صحيح البخاري (رميت بعدما أمسيت) في حديث ابن عباس كأنه بعد الزوال فلا بأس في ذلك اليوم حتى ولو في ليلة الحادي عشر إن تأخر وأما الأيام الأخرى يرمي بعد زوال الشمس يوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر لمن تأخر ولا يرمي قبل الزوال في أيام التشريق ولو كان الرمي في هذه الأيام قبل الزوال سائغاً لبينه النبي عليه السلام ولما ترك الأمة تنتظر في وقت الضحى وهو وقت البراد والسعة إلى زوال الشمس وتكون الهاجرة فلما عدل عن هذا الوقت علم أنه غير مشروع وإثم وكان النبي إذا خير بين أمرين اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، فعلم أن وقت الرمي في وقت الضحى إثم وإذا علم أنه إثم وغير طاعة فتعين أنه معصية وغير مجزئ واستثنى بعضهم يوم النفر من تعجل يوم الثاني عشر ولكن الصحيح أنه لا استثناء في ذلك ولا ينبغي أن تطوع الفتيا لأفعال الناس فإن الناس لا يقفون عند شيء ، ولهذا في حديث ابن عمر قال (كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا) أي: نتحرى ونبحث عن هذا الوقت وننتظر فكيف يدع النبي هذا الوقت مع سعته فيجعل الوقت بعد الزوال ومعلوم أن وقت ما بعد الزوال فيه شيء من التضييق في الوقت، فعلم أن الرمي قبل الزوال لا يصح .
والخلاصة أنه لا يجوز ولا يجزئ الرمي قبل الزوال وقد بالغ شيخ شيوخنا محمد بن إبراهيم رحمه الله في الرد على قول من أجاز الرمي قبل زوال الشمس في رده على الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود , وأصاب. ولنا كتابه مفردة في هذا الموضوع يسر الله إتمامها ، وقد كان الصحابة ينهون عن الرمي قبل الزوال وقد صح عن ابن عمر في الموطأ انظر الاستذكار (13/214) .
أما الرمي بالليل يوم الحادي عشر يرمي ليلة الثاني عشر أو يوم الثاني عشر يرمي ليلة الثالث عشر أن تأخر لا بأس به لأن العبادة لا تجوز قبل وقتها كما قال شيخ الإسلام في الفتاوى (26/203) : " إن المناسك لا تجزيء قبل وقتها" أ.هـ. وتجوز بعد وقتها في الجملة، فلا يمكن أن تصح صلاة الظهر قبل وقتها ولكن قد تؤخر للعصر للعذر ، وفي الباب حديث ابن عباس في البخاري (رميت بعدما أمسيت) والمساء يطلق على آخر النهار وأول الليل وكذلك أثر عبد الرحمن بن سابط أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح قال (كان أصحاب النبي عليه السلام يدعون ظهرهم ويرمون بالليل) وإن كان هذا احتمال أنهم متعجلين لأنهم كانوا على ظهور يركبونها (على دواب) وأما إذا قروا بمنى فالغالب أنهم يمشون وقد صح أن صفية زوج ابن عمر رمت جمرة العقبة ليلة الحادي عشر أخرجه مالك في المؤطأ وانظر التمهيد (7/268) فظاهر هذا اتساع وقت رمي يوم الـحادي عشر إلى ليلة الثاني عشر والثاني عشر إلى ليلة الثالث عشر وأما الثالث عشر فلا يجوز أن يرمي بعد غروب شمسه لأن أيام الرمي انتهت بعد الغروب.
الحديث الثامن والأربعون : وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات يكبر على إثر كل حصاه ثم يتقدم ثم يسهل فيقوم فيستقبل القبلة فيقوم طويلاً ويدعو ويرفع يديه ، ثم يرمي الوسطى , ثم يأخذ ذات الشمال فيسهل ، ويقوم مستقبل القبلة , ثم يدعو فيرفع يديه ويقوم طويلاً , ثم يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي ولا يقف عندها ، ثم ينصرف ، فيقول : هكذا رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم يفعله " رواه البخاري.
هذا السياق ظاهر في صفة الرمي وقوله (يكبر على أثر كل حصاة) في حديث جابر ( مع كل حصاة) والأمر سهل إما يكبر مع الرمي أو إثر الرمي (بُعيده) فالخطب يسير وفيه أن الجمرة الأولى والثانية يدعى بعدهما أما الثالثة الكبرى فيرميها وينصرف.
وفيه أنه يتقدم لقوله (ثم يتقدم) أي يبتعد عن مكان الرمي وحطمة الناس وكذلك في الجمرة الوسطى غير أنه يأخذ ذات الشمال ولم يقع التحديد بعد الجمرة ا لأولى هل يأخذ ذات الشمال أم ذات اليمين المقصود أن يتعدى إلى مكان لا يشق فيه على الناس وأما الثانية إذا رماها يأخذ ذات الشمال حتى يتهيأ لـه أن يرمي الجمرة الكبرى وتكون قبالته ومنى عن يمينه والبيت عن يساره.
الحديث التاسع والأربعون : وعن ابن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اللهم ارحم المحلقين " قالوا: والمقصرين يا رسول الله . قال في الثالثة :"والمقصرين" متفق عليه.
فيه أن الحلق أفضل من التقصير وقد وقع في مسند أحمد وغيره من حديث ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس أنه في صلح الحديبية دعا للملحقين ثلاثاً والمقصرين واحدة. قالوا: لم ظاهرت للمحلقين؟ قال: أنهم لم يشكوا. فقد يقول قائل: تفضيل الحلق على التقصير من وجوه:
أنه فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
أنه فعل الصحابة الذي لم يشكو مع نبيهم في صلح الحديبية.
أن فيه المبالغة في الأداء فهذا وجه ترتيب الدعوات الثلاث للمحلقين وأما المقصرين فأتوا بأصل الأخذ من الرأس فكانت لهم دعوة واحدة.
الحديث الخمسون : وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع ، فجعلوا يسألونه فقال : لم أشعر ، فحلقت قبل أن أذبح ؟ قال " اذبح ولا حرج " وجاء آخر فقال : لم أشعر ، فنحرت قبل أن أرمي ؟ قال : " ارم ولا حرج " فما سئل يومئذ عن شيء قدم ولا أُخر إلا قال : افعل ولا حرج . متفق عليه.
أما أفعاله عليه الصلاة والسلام يوم العيد فإنه كان رمى ثم نحر ثم حلق ثم طاف ومن كان عليه سعي فليسع فالنبي سعى بعد طواف القدوم، هذا هو الترتيب يرمي ثم يذبح إن كان متمتعاً أو قارناً ثم يحلق ثم يطوف، ثم يسعى إن كان متمتعاً أو كان قارناً أو مفرداً ولم يسع بعد طواف القدوم وإن قدم هذه الأفعال بعضها على بعض فلا حرج وهذا الحديث حديث ابن عمرو يرويه الزهري عن عيسى بن طلحة عن عبد الله بن عمرو وجاء كذلك نحوه من حديث ابن عباس، وجاء في سنن أبي داود وغيره حديث أسامة بن شريك (سعيت قبل أن أطوف) ولكن هذه اللفظة شاذة والمحفوظ في حديث أسامة في سنن أبي داود عدم هذه الزيادة ، وعلى كل حال فإنه لو قدم السعي على الطواف فإنه داخل تحت عموم هذا الحديث (ما سئل شيء يومئذ قدم ولا أخر إلا قال: افعل ولا حرج) وسواء وقع في ذلك اليوم أو في الأيام بعده (11، 12، 13)وهل ينجر هذا الحكم في هذه العمرة إذا قدم السعي على الطواف جاهلاً ؟
محتمل وأفتى به الشيخ ابن عثيمين مرة وقد يقال: لو أن إنساناً جاهلاً سعى ثم طاف ثم قصر وقال: ما كنت أظن إلا أن السعي قبل وكنت أظن أن الأمر واسع فنقول: لا بأس، وفتوى الشيخ محمد موجوده في كتابه فرائد الفوائد.
الحديث الحادي والخمسون :وعن المسور بن مخرمة رضي الله عنه : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر قبل أن يحلق " وأمر الصحابة بذلك . رواه البخاري.
هذا الحديث في صلح الحديبية والنبي عليه السلام لما أحصر نحر عليه الصلاة والسلام ثم حلق وأمر أصحابه بذلك، وذكر المؤلف لـه هنا فيه شيء من الإيهام فمن قرأ ظن أن هذا في حجة الوداع، وعلى كل حال إن كان الإنسان قد أحصر عن البيت فإنه ينحر إن كان معه شيء قد أهداه وإن لم يكن معه يلزمه عند أهل العلم أن يشتري هدياً (شاة) فإن لم يكن معه مال ، لفقره فإنه يصوم عشرة أيام قياساً على هدي التمتع، وهذا ذهب إليه الأصحاب ولكن الصحيح إن المحصر إذا لم يكن عند شيء يشتري به الهدي فإنه يكتفي بحلق رأسه ولو كان الصوم واجباً لأمر به النبي صلى اله عليه وسلم وبينه ثم إن أكثر الصحابة الذين حجوا مع النبي كانوا فقراء، وفرق بين الهدي في الإحصار والهدي في التمتع، فدم التمتع دم شكران على إتمام النسك وأما دم الإحصار فهو هدي عن الحصر في النسك فلا يمكن القياس ، وهنا نحب أن نيبن أقسام الدماء : -
فقسم يذبح في الحرم ويجوز أن يوزع خارج الحرم كهدايا التمتع والقران ففي حديث جابر " كلوا وتزودوا".
وقسم يذبح داخل الحرم ويوزع داخل الحرم كالدماء التي لترك واجب .
وقسم يسوغ ذبحه خارج الحرم ، كهدي الإحصار حينما يذبح في محل الحصر ، وكفدية الجزاء فهذا يوزع حيث يذبح ، ولا مانع من نقله إلى مكان آخر.
الحديث الثاني والخمسون:وعن عائشة رصي اله عنها قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم الطيب وكل شي إلا النساء " رواه أحمد وأبو داود , وفي إسناده ضعف.
هذا الحديث جاء عن طريق الحجاج بن أرطأة عن أبي بكر محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة واضطرب فيه الحجاج اضطراباً كثيراً والحجاج ضعيف وجاء من طريق الحجاج عن الزهري عن عمرة عن عائشة وفيه انقطاع الحجاج لم يسمع من الزهري، وجاء في بعض ألفاظه (إذا رميتم فقد حل لكم كل شيء) أي من اللباس الصيد والطيب والحلق والخطبة والنكاح والمباشرة وجماع النساء ثم جاء الاستثناء ( إلا النساء) وهذا يشمل الجماع فإن هذا لا يحل إلا إذا طاف وسعى واختلف فيما فوق ذلك من عقد النكاح والمباشرة , واختلف أهل العلم فيما يحل به الإنسان؟ قال بعضهم: يحل بالرمي وحده واحتجوا ببعض ألفاظ هذا الحديث (إذا رميتم .. الحديث) وكذلك روى الحسن العرني عن ابن عباس قال (إذا رميتم فقد حل لكم كل شيء) ولكن هذا منقطع ولا يصح، واحتجوا بحديث أم سلمة عند أبي داود من حديث أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة عن أبيه وعن أمه زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة وفيه (إن هذا يوم رخص لكم فيه إذا أنتم رميتم جمرة العقبة أن تحلوا من كل ما حرمتم منه) ولكن هذا الحديث فيه أبو عبيدة (فيه جهاله) وهذا الحديث هو الذي فيه (فإذا لم تطوفوا قبل أن تمسوا عدتم حرماً كهيئتكم قبل أن ترموا جمرة العقبة) وهذا فيه نكارة كبيرة جداً.
واحتج بعض المتأخرين بما رواه أحمد وغيره من حديث عروة والقاسم عن عائشة قالت (طيبت النبي حين أحرم وحين رمى جمرة العقبة) احتج بهذا الشيخ ناصر قال: حين رمى جمرة العقبة صريح أنه تطيب وهذا يدل على أن الإحلال يحصل بالرمي وحده!.
ونقول: لكن هذا الحديث أصله في الصحيحين (طيبت النبي لإحرام حين أحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت) وفرق بين السياقين! ولفظ أحمد شاذ والمحفوظ ما في الصحيحين.
ثم نقول: كيف يتطيب النبي ويذهب إلى بدنه ويذبح ثلاثاً وستين بدنة، وما فيها من الدماء والتعرض للروائح ومخالطة الدواب ؛ لا يمكن أن يكون ولذا قال البخاري في صحيحه باب الطيب بعد الحلق قبل الإفاضة وذكر حديث عائشة الذي ذكرته قريباً هذا وكذلك احتج من قال بأنه يتحلل بالرمي وحده بأثر عمر عند مالك والبيهقي (إذا رمى الرجل الجمرة فقد حل لـه كل شيء) ولكن هذا الحديث رواه مالك عن نافع عن ابن عمر عن عمر (إذا رميتم وحلقتم) ففيه إضافة وحلقتم فيحمل اللفظ الأول على هذا وجاء عن عائشة وابن الزبير (إذا رمى الجمرة فقد حل لـه كل شيء) والخلاصة: أنه ليس هناك حديث قائم صريح في الاكتفاء بالحل برمي الجمرة وحدها أي الحل الأول والاحوط أن الإنسان لا يحل إلا بالرمي ثم الحلق والأحاديث الآنف ذكرها فيها كلها مقال والمشهور عند أهل العلم أنه يحل بفعل اثنين من ثلاثة الرمي والحلق والطواف وهذا على بابه ليس فيه كبير إشكال فإذا رمى وحلق حل التحلل الأول أو رمى وطاف أو حلق وطاف فلا بأس.
وقال بعضهم: يجوز بفعل واحد من اثنين كما ذكر صاحب الفروع وغيره يحل بفعل واحد من اثنين على القول بأن الرمي وحده يكفي، فيحل بالرمي وحده وبالطواف وحده، قالوا: لما كان الطواف يحصل به التحلل الثاني كان لـه علاقة وتأثير في التحلل الأول فإذا طاف جاز لـه التحلل الأول وإذا رمى حل التحلل الأول وهذا على القول بتصحيح ما جاء في الحل بالرمي وحده، وفيه ما فيه! والأحوط ألا يتحلل إلا الذي رمى ثم حلق، وأما الذبح فلا علاقة لـه في حصول التحلل الأول.
وشيخنا ابن باز يرى أن التحلل بالرمي وحده جائز لكن الأفضل أن يرمي ثم يحلق وحديث أم سلمة كنت كتبت فيه بحثاً (إن هذا يوم رخص لكم فيه إذا أنتم رميتم جمرة العقبة أن تحلوا) هذا السياق قد يقال أنه محفوظ وأما زيادة الإحرام فهو منكر والحديث قد يكون جزء منه محفوظ والآخر غير محفوظ، فهذا يمكن ولكن أنا أقول من باب الاحتياط.
الحديث الثالث والخمسون :وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " ليس على النساء حلق ، وإنما يقصرون " .رواه أبو داود بإسناد حسن .
الحديث هذا قواه أبو حاتم والبخاري في التاريخ ونقل الحافظ هذا في التخليص ومفهومه أنهن لا يحلقن وأن الحلق إنما هو على الرجال. وقدر تقصيرهن تأخذ قدر أنملة من رأسها من كل خصلة أو ضفيرة تقصها، وحلق النساء شعور رؤوسهن فيه تشبه بالرجال.
الحديث الرابع والخمسون :وعن ابن عمر رضي الله عنهما " أن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى ، من أجل سقايته , فأذن له " متفق عليه.
العباس كان يتولى السقاية لأهل مكة يسقيهم من زمزم لأن النبي عليه السلام وكل ذلك إليهم فأستأذن العباس أن يبيت بمكة لأجل السقاية ليلاً ونهاراً.
فيه مشروعة المبيت بمنى ليالي أيام التشريق بل هو واجب لأن النبي رخص لـه، ومفهوم الترخيص المنع لولا هذا العذر ومن هذا استنبط أهل العلم وجوب المبيت بمنى ليالي أيام التشريق وهذا هو الصحيح.
وفيه أن المبيت يسقط بالأعذار ومن ذلك سقاية الحجيج وهذا قد رخص فيه النبي عليه السلام وكذلك لو أن إنساناً احتاج لحراسة مال أو لمرافقة مريض في المستشفى فإنه يسقط عنه المبيت لعذره ولا يلزم بدم.
الواجب عند أهل العلم معظم الليل والليالي كلها واجب واحد عند جمهور القائلين بأن ترك النسك فيه دم وهم جماهير أهل العلم واحتجوا بما أخرجه مالك عن أيوب السختياني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفاً عليه (ومن ترك نسكاً أو نسيه فليهرق دماً) وهذا الحديث موقوف وأخذ به جماهير أهل العلم ورواه ابن حزم مسنداً إلى النبي ولكن فيه مجهولان فهو لا يثبت مرفوعاً، فمن ترك المبيت بمنى لعذر فيرخص لـه وإلا لا يرخص لـه وإن ترك الليالي كلها أو ليلتين من ثلاثة عليه دم وإن كان تعجل يلزمه مبيت ليلة الـحادي عشر وليلة الثاني عشر فإن ترك ليلة فعليه دم وإن بات ليلة وأكثر الليلة الأخرى فلا بأس , المقصود إن ترك الأكثر فعليه دم وإلا فلا. بهذا لو بات أكثر الليل وخرج فليس عليه شيء هكذا قالوا.

الحديث الخامس والخمسون: وعن عاصم بن عدي رضي الله عنه:" أن رسول الله صلى عليه وسلم أرخص لرعاة الإبل في البيتوتة عن منى يرمون يوم النحر ثم يرمون الغد { ومن بعد الغد } ليومين ، ثم يرمون يوم النفر " رواه الخمسة وصححه الترمذي وابن حبان.
فيه أن النبي رخص في ترك المبيت بمنى للرعاة وهم الذين يرعون إبل الحجاج والحجاج وهم نازلون بمنى لا يحتاجون إلى إبلهم.
والإبل تحتاج إلى الرعي وتحتاج إلى أكل النبات فيذهبون إلى مواقع الكلأ القريبة فترعى منها.
وقوله (عن منى) هنا تتضمن معنى الخروج وترك منى فالنبي عليه السلام أذن لهم في ترك المبيت ويبيتون مع الإبل يحرسونها.
وقوله (يرمون يوم النحر) لأن الحجاج يأتون على رواحلهم يحتاجون للرواحل فهم لا حاجة لهم في تركها لأنهم قدموا عليها من عرفات لمزدلفة فيرمون مع الناس أي (الرعاة) يرمون مع الناس يوم العاشر، فالرعاة لم يستلموا الإبل بعد ثم يرمون يوم الغد ومن بعد الغد ليومين أي يجمعون رمي يوم الحادي عشر والثاني عشر فيرمونه يوم الثاني عشر فسيتركون المبيت ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر، والترك يفوت لا يمكن قضاؤه، أما الرمي فيمكن قضاؤه ولهذا رخص لهم النبي في البيتوتة ولم يأمرهم بها لأنها تفوت وأما الرمي فأذن لهم فإنه لا يفوت يرمونه يوم الثاني عشر عن يوم الحادي عشر والثاني عشر لمن تعجل ويرخص لهم كذلك وإذا تأخروا يرمون يوم الحادي عشر والثاني عشر في يوم الثالث عشر لمن تأخر.
وفيه أن المشتغل بمصالح عامة كما قال شيوخنا- للمسلمين فإنه يرخص لـه في ترك المبيت ولكن لا يرخص لـه بترك الرمي ولـه أن يؤجل الرمي. ومن هنا قال بعض مشايخنا في إن الإنسان إذا كان الرمي بعيداً عليه كمن يكون في أطراف مزدلفة أو في أطراف منى يشق عليه التردد إلى الجمرات فإنه لـه أن يؤخر إلى اليوم الآخر إن كان تأخر وإن كان تعجل إلى يوم الثاني عشر، ثم إذا أتى يرتب رميه يرمي اليوم الأول ثم يعود ويرمي الثاني ثم يعود ويرمي اليوم الثالث فيقضيه لأن هذا لـه عذر في مشقة التردد على الجمرات فيجوز له التأخير.
والمشهور في المذهب جوازه ولو بلا حاجة، ولكن الصحيح جواز تأخير الرمي لحاجة فيجمعه في يوم واحد.
وفيه وجوب الرمي وهو واجب من الواجبات عند أهل العلم وفي تركه عندهم دم والرمي كله واجب واحد ليس الرمي يوم العيد به دم وسائر الأيام بها دم، وبعضهم قال: رمي يوم كامل فيه دم والصحيح أنه واجب واحد، فإن ترك بعض الشيء وقع الخلاف عند أهل العلم على نحو ما قيل في ترك المبيت.
ومشايخنا منهم من يفتي إذا ترك يوم كامل - ولم يمكنه استدراك الرمي لفوات زمانه أيام التشريق أو ترك المبيت ليلة من غير عذر- أنه يتصدق بشيء ويستغفر الله عز وجل إذا كان من غير عذر كما تقدم.
سؤال: لو رمى بأقل من سبع:
الجواب:
جاء في حديث سعد قال: رجعنا من حجة الوداع وفينا من يقول بست ومنا من يقول: رميت بسبع ولم يعب بعضنا بعضاً لكن أظن إسناده منقطع ولكن رخص بعض مشايخنا ولهم سلف من التابعين بترك الحصاة الواحدة ورخص بعضهم بترك الحصاتين وعلى كل حال إذا كان الوقت باقياً فينبغي أن يرمي الرمي كاملاً ولكن إذا فات الوقت لا نستطيع أن تؤثمه أو نلزمه بدم إذا كان المتروك حصاة أو حصاتين.
الحديث السادس والخمسون: وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر " الحديث .متفق عليه.
هذه الخطبة خطبهم ذلك اليوم وذكرهم عظمة ما يكون فيه وذكرهم عظمة الدماء والأعراض وفيه أن الإمام يستحب لـه أن يخطب في هذا اليوم ويؤكد على حرمة اليوم والدين والمال والعرض ويعلم الناس ما يكون في يومهم هذا من النسك في يومهم هذا من الرمي وأحكام التقديم والتأخير وأحكام يوم الحادي عشر والثاني عشر لأن الجمع عظيم والحاجة متجددة.
الحديث السابع والخمسون:وعن سراء بنت نبهان رضي الله عنها قالت : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الرءوس فقال:" أليس هذا أوسط أيام التشريق ؟ " الحديث . رواه أبو داود بإسناد حسن .

وهذا الحديث يروى من طريق أبي عاصم النبيل عن ربيعة بن عبد الرحمن بن حصين عن جدته السراء بنت نبهان وربيعة كالمجهول والسراء لا تعرف صحبتها إلا من هذا الطريق وقد حسن حديثها المصنف وحفيدها تابيعي وقد جاء لهذا الخبر ما يشهد له ، وسمي يوم الحادي عشر بيوم الرؤوس لأن الناس يأكلون من الهدايا التي أهدوها يوم العاشر ويوم الحادي عشر يأكلون ما تبقى منها وكانوا يبقون الرؤوس لهذا اليوم، وقوله عليه السلام (أليس هذا أوسط أيام التشريق) يوهم أن العيد منها لأنه إذا كان أوسطها يوم الحادي عشر يدل على أن العيد فيها ولكن هذا من باب التغليب والصحيح أن يوم العيد غير أيام التشريق وهي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر, فالأوسط هنا هو يوم الحادي عشر بالاتفاق كما قال ابن القيم في الهدي (2/289) ولعل وصفه بالأوسط يعني الأفضل مثل قوله تعالى " وكذلك جعلناكم أمة وسطا " أي خياراً فيكون موافق لحديث عبدالله بن قرط " أفضل الأيام عند يوم النحرثم يوم القّر".
الحديث الثامن والخمسون : وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها :" طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك " رواه مسلم
أن عائشة كانت أهلت بعمرة ثم حاضت بسرف فأتت أيام الحج ولم تطهر ثم بعد ذلك أمرها النبي عليه السلام أن تدخل الحج على العمرة وتصبح قارنة ثم لما طافت وسعت مرة واحدة قال لها: طوافك بالبيت وسعيك بين الصفا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك. ثم أنها وجدت في نفسها أنها لم تطف حين قدمت فأمر أخاها عبد الرحمن أن يعمر من التنعيم.
فيه أن القارن يكفيه طواف واحد بالبيت وسعي واحد بين الصفا والمروة، وفيه أن الطواف والسعي لا يسقط عن الحائض ولكنها تفعله بعد أن تطهر، وفيه أن الطواف ركن واختلف في السعي مع اتفاقهم على أن الطواف والوقوف والنية كلها من أركان الحج والصحيح أن السعي ركن وقيل أنه واجب يجبر بدم والصواب: أنه ركن وعليه تكون أركان الحج الأربعة (نية، وقوف بعرفة، طواف، سعي).
الحديث التاسع والخمسون : وعن ابن عباس رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرمل في السبع الذي أفاض فيه " رواه الخمسة إلا الترمذي , وصححه الحاكم.
الذي أفاض فيه لأنه عليه السلام كان قد تحلل والنبي في حجه طاف ثلاثة أطوافة طواف القدوم، والإفاضة، والوداع ولم يزد النبي عليه السلام عن هذا الأطوفة , وأما حديث كان يزور البيت ليالي منى فهو ضعيف.
ولعل هذا تشريع لأمته لأنها ستكون أكثر وإكثار الإنسان من الطواف في هذه الأيام يشق على الناس فالسنة أن الإنسان لا يزيد على الطواف المسنون في الحج.
الحديث الستون : وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء , ثم رقد رقدة بالمحصب , ثم ركب إلى البيت فطاف به . رواه البخاري.
عندما رمى النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الثالث عشر الجمار ركب وترك منى وغادرها بعد الزوال فأتى المحصب وهو الأبطح وسمي بذلك لأن فيه حصى كثيرة وصلى فيها الظهر في وقتها ركعتين، والعصر في وقتها ركعتين والمغرب والعشاء ثم رقد رقدة في المحصب ثم ركب إلى البيت وطاف به طواف الوداع ثم غادر إلى المدينة فجر الرابع عشر وارتحل من آخر الليل من الأبطح (المحصب) وكان معه أم سلمة وسائر أزواجه وكانت شاكية فقال لها: طوفي من وراء البيت والناس يصلون فطافت على بعير وهي شاكية ثم كان واعد عائشة في تلك الليلة أمرها أن تذهب مع أخيها إلى التنعيم ليعتمر بها ثم واعدها في المكان فلما أتت أذن بالرحيل فارتحلوا إلى البيت فطافوا به ثم ارتحلوا إلى المدينة.

الحديث الأول والستين : وعن عائشة رضي الله عنها أنها لم تكن تفعل ذلك - أي النزول بالأبطح وتقول إنما نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كان منزلاً أسمح لخروجه . رواه مسلم.
والصواب رواه مسلم والبخاري وعزوه إلى مسلم قصور وهذا اختيار عائشة في أن النزول بالأبطح إنما كان لأنه أسمح وعلى هذا لو كان الآن أسمح غير هذا المكان فينزل فيه، وذهب بعض أهل العلم إلى أن هذه سنة ولهذا قال النبي عليه السلام أنا نازلون غداً بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر فهو مقصود أي الذهاب إلى هذا المكان وهذا هو الراجح فالنبي عليه السلام علله بعلة قال (حيث تقاسموا على الكفر) وأراد الذهاب للبقعة ليعمرها بالتوحيد هذا هو الأقرب.
الحديث الثاني والستين : وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت , إلا إنه خفف عن الحائض. متفق عليه.
وقول ابن عباس (أمر) لـه حكم الرفع إلى النبي بل جاء في بعض ألفاظه (لا ينفرن أحد حتى يكون أخر عهده بالبيت ) وقد أخرج مسلم اللفظين من وجهين عن طاووس عن ابن عباس وفيه الأمر بطواف الوداع لمن أراد الارتحال لأن طواف الوداع ليس من مناسك الحج فهو ليس من أعمال الحج ولكن: إذا فرغ الإنسان من أعمال الحج وأراد أن يسافر فإنه يطوف الوداع وإذا قلنا أن هذا من واجبات الحج فليزمه وإن مكث بعد الحج شهر أو شهرين يلزمه طواف الوداع ولكن الصحيح إنه أن كان حاجاً فأراد أن يرجع فعليه أن يطوف وأما إذا كان معتمراً أو أقام إقامة طويلة ثم ارتحل فليس حينئذ حاجاً فلا يلزمه طواف الوداع إلا على القول بوجوبه مطلقاً والصحيح أنه واجب في الحج لمن أرتحل أما في العمرة أو من أتى مصلياً أو مجاوراً فارتحل فليس عليه طواف وداع وفي الحديث أن طواف الوداع يسقط عن المرأة الحائض وكذا النفساء فينفران ولا وداع عليهما..
وفيه أن طواف الوداع يكون أخر العهد ولا يكون بعده إقامة ولا معاملة أو بيع أو شراء بل يرتحل مباشرة ولكن إذا أطال المكث فإنه يعيد لكن لو طاف ثم استراح حتى ينام لشدة التعب في مثل هذه الأزمنة فلا نلزمه بالإعادة كذلك لو اشترى هدايا في طريقه أو تغدى فإنه بعد ذلك يرتحل وليس عليه شيء.

** الحديث الثالث والستين : وعن ابن الزبير رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه , إلا المسجد الحرام , وصلاة في المسجد الحرام , أفضل من صلاة في مسجدي هذا بمائة صلاة" رواه أحمد وصححه ابن حبان.
هذا الحديث يروى من طرق حماد بن زيد عن حبيب المعلم عن عطاء عن أبيه الزبير مرفوعاً وإسناده صحيح , قال : ابن عبد البر اسند حبيب المعلم هذا الحديث وجوده ولو يخلط في لفظه ولا في معناه أ.هـ قلت : والصحيح أن الحديث مرفوع. وفي هذا الحديث فضل المسجد الحرام وأنه بمئة ألف صلاة لما كان مسجده بألف صلاة وهذا يفضل بمائة كان المسجد الحرام بمئة ألف صلاة وتفضيل المسجد الحرام بمائة ألف صلاة والمسجد النبوي بألف صلاة.
وهذا التفضيل في المسجد يشمل الحرم كله أم يقتصر على المسجد الحرام، الصحيح أنه يشمل الحرم كله وهذا مذهب الجمهور واختيار شيخنا ابن باز رحمه الله، فإن قال قائل: قد روى مسلم والنسائي من حديث ميمونة في تسمية المسجد (إلا مسجد الكعبة)؟. والجواب أن مسلم أخرجه من طريق الليث عن نافع عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد عن ابن عباس عن ميمونه , وقال البخاري في التاريخ بعد أن روى حديثه عن ميمونة حدث نافع عن ابن عباس عن ميمونة ثم قال لا يصح فيه ابن عباس أ.هـ. ولهذا ادخل ابن حبان إبراهيم في اتباع التابعين وقال : و قيل أنه سمع من ميمونة زوج الني صلى الله عليه وسلم وليس ذلك بصحيح عندنا . وذكر مغلطاي في الإكمال أنه لم يصرح بسماع إبراهيم من ميمونة أحد المتقدمين وأكد ذلك أن ابن سعد حيث ذكره في الطبقة الرابعة من المدنيين الذين ليس عندهم إلا صغار الصحابة فصار الحديث منقطعاً.
والخلاصة أن هذا اللفظ غير محفوظ فالتضعيف يشمل الحرم كله.
أما في المدينة فالمضاعفة بالمسجد خاصةً والصلاة في المسجد الحرام تفضل عن الصلاة في مساجد الحرم الأخرى لشرف الكعبة مع ثبوت التضعيف في الحرم كله.
وقال أهل العلم أن الزيادة لها حكم المزيد فلما زيد في المسجدين كانت الصلاة مضاعفة أما المسجد الحرام فلا إشكال إذا كانت المضاعفة منتشرة في الحرم لكن نستفيد أنه لو كبر المسجد فإنه يكون محلاً للطواف فيطوفون فيه ولو بعدت عن الكعبة.

بواسطة : rasl_essaher
 0  0  462