• !
×

rasl_essaher

الدعوة إلى الله في موسم الحج

الخطبة الأولى
الحمد لله رب العالمين , والعاقبة للمتقين , ولا عدوان إلا على الظالمين , وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين , وقيوم السماوات والأراضين , وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله , وخليله وأمينه على وحيه , أرسله الله إلى الناس كافة بشيرًا ونذيرًا , وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا . صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين ساروا على طريقته في الدعوة إلى سبيله , وصبروا على ذلك وجاهدوا فيه , حتى أظهر الله بهم دينه , وأعلى كلمته ولو كره المشركون . وسلم تسليمًا كثيرًا ...
أما بعد : فاتقوا الله .. عباد الله .. اتقوه حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون .
عنوان هذه الخطبة : الدعوة إلى الله في موسم الحج
وقد دعاني للحديث في هذا الموضوع أمور منها :
1- أسوة وقدوة بنبينا صلى الله عليه وسلم . فقد كان عليه الصلاة والسلام يَعرض نفسه على القبائل في مواسم الحج وأسواقها . ويدعوا فيها إلى الله عز وجل .
فقد روى الإمام أحمد _ رحمه الله _ عن ربيعة بن عباد الديلي قال :رأيت النبي _صلى الله عليه وسلم _ في سوق ذي المجاز وهو يقول : " يأيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا" . ومن حديث جابر _ رضي الله عنه _ قال: " كان النبي _ صلى الله عليه وسلم_ يعرض نفسه على الناس في المواقف فيقول :"هل من رجل يحملني إلى قومه؟ فإن قريشًا منعوني أن أبلغ كلام ربي عز وجل !"1.
وفي حجة الوداع , وفي أكبر جمع وأعظم ظرفي زمان ومكان . يقول _صلى الله عليه وسلم :" بلغوا عني ولو آية . نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها . ربّ حامل فقه لمن هو أفقه منه".
ولكم عباد الله في رسول الله أسوة حسنة فاقتدوا بنبيكم وادعوا إلى دين ربكم .
2- ابتغاء الأجر ممن بيده خزائن السماوات والأرض ورحمته وسعت كل شيء.
3- قرب موسم الحج الذي ينتظره الناس في شوق ولهف .
4- كثرة الوسائل المتاحة فيه للدعوة إلى الله فهو موسم عبادة وموسم تجارة وموسم مودة ورحمة واجتماع ...............
5- الجموع الكثيرة التي تجتمع من كل فج عميق .. تؤُم البيت العتيق ..
6- قِلة من يتحدث عن الدعوة إلى الله في الحج بجانب العرض الكبير للأحكام الفقهية والمسائل المهمة للحاج مع أهمية الجمع بينهما .
7- الجهل بالأحكام الشرعية , وكثرة البدع والمنكرات عند بعض الحجاج.
8- أن نفوس الحجاج متهيئة للوعظ والتذكير وتعلُّم أحكام الدين .
ولكل ما سبق من أسباب .. أحببت أيها الأحباب .. أن أذكر نفسي وإياكم بالدعوة في الحج إلى الملك الوهاب .. في رسائل معدودة نفع الله بها وأثاب :

الرسالة الأولى :
إلى من حالت بينه وبين تلك المشاعر الظروف .. وصرفته عنها الصروف .. فصرفه برٌّ بأب , أو خدمة أم , أو قلة مال , أو أقعده مرض ونحوه .........

أقول : لا تحزن أخي . ولا تظن الخير كله قد ذهب به الحاج . فأبشرك عبدَ الله متى ما أخلصت النية لله ؛ أنه سبحانه يبلغك أعلى الدرجات .. ويعطيك أجزل الحسنات .. مما لم يكن في حسبانك . فقد صح عن النبي _ صلى الله عليه وسلم_ أنه قال: لأصحابه في غزوة تبوك :" إن بالمدينة لرجالاً ما سرتم مسيرًا ولا قطعتم واديًا إلا كانوا معكم حبسهم العذر".
وفي رواية :" إلا شركوكم في الأجر " 2 بل قد تفسد نية حاج ؛ فيكون حظه من حجه التعب والنصب والخسارة .
فيكون ممن قيل فيهم : الركب كثير والحاجّ قليل ..
أو يحج بمال حرام فيصدق عليه قول القائل :
إذا حججت بمال أصله سحت ### فما حججت ولكن حجت العير
لا يقبل الله إلا كل خالصة ### ما كان من حج بيت الله مبرور
ولقد ورد عن بعض السلف أن رجلاً جاء فقال له : أريد الحج . فقال كم معك ؟ قال ألفا درهم . قال : أما حججت ؟ قال بلى . قال : فأنا أدلك على أفضل من الحج . اقض دين مدين . فخرج مكروبًا !! فسكت . قال مالك ؟ قال: ما أريد إلا الحج !!
قال : إنما تريد أن تركب وتجيء ويقال : حج فلان 3 .
فأوصيك أخي :بإخلاص النية , وإصلاح العمل . وأمل خيرًا تجده . واطرق أبواب الخير ... فحجج حاجًا يكن لك مثل أجره . قال العلامة ابنُ عثيمين رحمه الله - :" ... من أعان حاجًا على أداء الفريضة كان له مثل أجره ؛ لأنه أعانه على الخير ". أو اخلف آخر في أهله بالخير , أو اقض دينًا , وغير ذلك كثير ......

الرسالة الثانية :
إلى كل من تردد في اتخاذ القرار لأداء حج الفريضة ....
إلى من تمر به الأعوام ... وتتابع عليه المواسم والأيام ...
وهو يؤجل الحج مع قدرته عليه ... واستطاعته إليه ...

أذكرك أخي بقول المصطفى عليه الصلاة والسلام:" تعجلوا الحج فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له "4 . وبقوله _ صلى الله عليه وسلم_ :" من أراد الحج فليتعجل فإنه قد يمرض المريض , وتضل الضالة , وترض الحاجة " 5 .
وإني أتساءل كيف تطيب نفس المؤمن أن يترك الحج مع قدرته عليه بماله وبدنه . ويؤخر أداءه في كل عام , وهو يعلم أنه من أركان الإسلام .. وفرائضه العظام .. ولم يوجبه الله علينا في العمر إلا مرة واحدة .

الرسالة الثالثة :
إلى من شدَّ الرِّحال .. وأعدَّ الأحمال .. لأداء الحج .
أوصيك أخي بأمور , من أهمها ما يلي :

1. إخلاص النية لله تعالى وسؤاله أن يرزقك حجة لا رياء فيها ولا سمعة .
2. تفقد نفسك وما يجب عليك .. وأهلك ووالديك .. وكل ما له حق عليك ..
3. اتخاذ الرفقة الصالحة الذين إذا نسيت ذكروك , وإذا ذكرت أعانوك , وإن جهلك علموك , وإن عجزت قووك .
4. اعلم أن الحج ليس مجرد رحلة عفوية يبدد فيها المرء وقته وماله ولكنه عبادة جليلة وركن عظيم من أركان الإسلام . فقم بشعائر الحج على سبيل التعظيم والإجلال والمحبة والخضوع لرب العالمين.
5. احرص أخي على نفع المسلمين والإحسان إليهم بالإرشاد والمعونة وأن ترحم ضعيفهم خاصة في مواضع الزحام مع اجتناب الرفث والفسوق والعصيان جعلك الله من الراشدين .
6. احذر من إيذاء إخوانك المسلمين ومضايقتهم باليد واللسان , بالقول أو الفعل , في الطرقات وعند الأبواب والرمي , وفي المشاعر كلها .
وطوبى لمن حفظ اللسان وكفَّ .. وأطلق في الخير البنان والكف ...
7 . اعلم أن الحج مدرسة لتعليم الأخلاق الحميدة : من الصبر والتحمل , والتعاون والإيثار . فالقدوة الحسنة , والأخلاق الكريمة ؛ من أعظم الطرق لكسب قلوب الآخرين ومن ثم دعوتهم والتأثير عليهم .
8 . تذكر دائمًا الأجر العظيم المترتب على حسن الخلق :
- فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول :" إن المؤمن ليدرك بحسن خلقة درجة الصائم القائم " 6 .
- ويقول عليه الصلاة والسلام :" أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا "7 .
- وحين سئل صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة قال : " تقوى الله وحسن الخلق " 8 .
- وهو أثقل شيء في الميزان .
- وصاحبه في أعلى الجنان .
- وأقرب مجلسًا من النبي صلى الله عليه وسلم في دار الرضوان .

الرسالة الرابعة :
يا طالب العلم .. يا أيها الداعية الموفق .. استأذنك في التذكير ببعض الأمور :
1. إخلاص النية , وإصلاح العمل , واستشعار ما أنت عليه من الأجر العظيم .فأنت وارث لنبيك صلى الله عليه وسلم في نشر سنته وهديه .
2. اجعل عدتك كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسيرة السلف الصالح . مع فهم دقيق , ومعرفة بأحوال المدعوين .
3. لا تحقرن من المعروف شيئًا , وثق بربك , وابذر بذرتك , ولا تستعجل الثمرة . على المرء أن يسعى إلى الخير جهده ### وليس عليه أن تتم المقاصد
فهذا نوح عليه السلام . دعا ليلاً ونهارًا , سرًا وجهارًا .... " وما آمن معه إلا قليل " والله يقول :" ليس عليك هداهم ......." 9 .
4. اصنع من هذه المناسبة العظيمة فرصة للنفوذ منها إلى قلوب المدعوين وذلك بأمور منها :
إعداد برامج مفيدة في المواصلات والمخيمات .
ومنها اصطحاب الكتب والأشرطة و المطويات أثناء سفرك .
وتقلب في العبادات تقبل الله منك : فبلغ آية , ارو حديثًا , انقل فتوى , اهد ضالاً , علم جاهلاً , ارشد تائهًا , ذكر غافلاً , احي سنة , امت بدعة , قدِّم رأيًا , انشر دعوة , خطط مشروعًا ....

الرسالة الخامسة :
إلى أئمة المساجد اطرح هذه الأسئلة :
ماذا أعددتم لمساجدكم في هذه الأيام ؟
ماذا أعددتم لرجال يزورون المسجد خمس مرات في اليوم والليلة ؟
ماذا أعددتم لنساء الحي اللاتي تعانين من وقت الفراغ؟
ماذا أعددتم للصغار اللذين ترونهم دائمًا في الشوارع وعلى الأرصفة ؟
ماذا أعددتم للعمالة المسلمة التي تصلي معكم ولا تفقه كثيرًا مما تقولون ؟
إنكم لتعلمون أن المساجد ملتقى الجميع , وفيها النفع الكثير . فيا أيها الإمام المبارك :
إنك أول من تتحمل المسؤولية , ومن ورائك المؤذن . فأنت أمين وهو مؤتمن .
فماذا قدمتما تجاه هذه المسؤولية ؟! إن لكم الخيار .. وحرية الاختيار ..
- في الاتصال بمراكز الدعوة والهيئات .. وبطلاب العلم والمشايخ والدعاة .. لتبادل الخبرات .. وسد بعض الثغرات .. والتقليل من المنكرات ..
- أو أن تقرأ كتابًا على جماعة المسجد في فضل الدعوة وخاصة في هذا الموسم .
- أو أن تقيم درسًا في صفة الحج بنفسك أو بغيرك من المشايخ وطلبة العلم .
- أو أن تعلن عن مسابقة في أفضل وسيلة دعوية عامة .. وفي موسم الحج خاصة ..وغير هذا كثير مما ليس بخافٍ على مثلك . سددك الله وأعانك .

الرسالة السادسة :
إلى أصحاب حملات الحج: يسر الله لهم الأمر ... ووفقهم لعظيم الأجر .. أقول :
كونوا عناصر ( دعوة ) لا ( دعاية ) واحرصوا على أن تكون المنافع الدينية هي الهدف الأول من حجكم , وما حصل من منافع دنيوية فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله يقول :" ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم " 10 . ولكن لا يُجعَل همّ الدنيا في القلب أهم من الدين . وهنا أمر ينبغي ملاحظته : وهو أن الاشتغال بالتجارة إذا أحدث نقصًا في الطاعة لم يكن مباحًا حينئذ بل يكره أو يحرم على حسب ما يحصل من خلل في الطاعة . فيكره عند تفويت مستحب, ويحرم عند تفويت واجب . فكم من حاج ليس له من حجه إلا التنقل بين المشاعر. قلبه معلق بتجارته , وعقله منصرف إلى أرباحه . يخشى من الخسارة في المال ولا يخشى الخسارة في الدين . ولربما ارتكب الحرام من أجل الربح , فيعود من حجه مأزورًا لا مأجورًا .
فنصيحتي لكم : أن تجمعوا مع حبكم لتوفير الراحة للحاج ؛ حب الخير له : بدعوته إلى الله ,واصطحاب بعض الدعاة من طلبة العلم, مع توفير الهدايا الدعوية من شريط أو كتيب ونحوه .. فو الله لئن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حمر النعم 11 .
وإنك لتعجب من حال كثير من الحملات التي لا يوجد فيها سوى زاد البطون من المأكل والمشرب. وأما زاد الأرواح فلا تكاد أن تراه , أو تسمع له صوتًا , أو أن تشم له رائحة , فيمكث الحاج الساعات الطوال في أحاديث تافهة إن لم تكن محرمة , ونوم وغفلة . بل وعندما تتحرك وسائل النقل من مكان لآخر ؛ يبقى الحاج فيها ساعات طوال بدون عمل يُشكر .. أو فائدة تُذكر ..

فأقترح في الراغبين في الأجور.. الاهتمام ببعض الأمور ..
كالاتصال بمراكز الدعوة والإرشاد والجاليات للاستفادة مما لديهم . ودعوة المشايخ وطلبة العلم للتوجيه والإرشاد . وكإقامة سلسلة من الدروس والكلمات في صفة الحج .. يتعلم منها الجاهل ويتذكر فيها الغافل .. والعناية بأماكن الصلاة والوضوء . ودورات المياه وفصل النساء عن الرجال . والعناية الخاصة ببرامج النساء وتعليمهنَّ .
بواسطة : rasl_essaher
 0  0  333