السمع والطاعة لولي الأمر في المعروف
[المطلب الثاني السمع والطاعة لولي الأمر في المعروف]
المطلب الثاني
السمع والطاعة لولي الأمر في المعروف
(1/15)
السمع والطاعة لولي الأمر في المعروف " أصل من أصول الواجبات الدينية حتى أدرجها الأئمة في جملة العقائد الإيمانية " (1) .
وقد تواترت النصوص القطعية من الكتاب والسنة على تأكيد وضرورة طاعة ولاة الأمر في المعروف ولزومها، والسبب في ذلك كما يقول الإمام النووي: اجتماع كلمة المسلمين، فإن الخلاف سبب لفساد أحوالهم في دينهم ودنياهم (2) قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59] (3) .
قال شيخ الإسلام - رحمه الله - " نزلت هذه الآية في الرعية من الجيوش وغيرهم، عليهم أن يطيعوا ولاة الأمر الفاعلين في ذلك في قسمهم، ومغازيهم، وغير ذلك، إلا أن يأمروا بمعصية الله، فإذا أمروا بمعصية، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " (4) .
وقد ورد العديد من الأحاديث الشريفة التي تبين أن طاعة ولاة الأمر لازمة، وهي فريضة في المعروف، ومن هذه الأحاديث ما يلي:
1 - عن عُبَادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: «دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبايعنا، وكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة، في مكرهنا ومنشطنا، وعسرنا ويسرنا،
(1) أبو عبد الله بن الأزرق، بدائع السلك في طبائع الملك، تحقيق علي سامي النشار، ج1، ص 77.
(2) شرح النووي مع صحيح مسلم، ج1، ص 220.
(3) سورة النساء الآية: 59.
(4) ابن تيمية مجموع الفتاوى، ص 28، 246.
(1/17)
____
وأثرة علينا، وألا ننازع الأمرَ، قال: " أن تروا كفرا بواحا، عندكم فيه من الله بُرْهان» (1) .
2 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني» (2) .
3 - وعن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» (3) .
4 - وعن أنسى - رضي الله عنه - قال: " قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كان رأسه زبيبة» (4) .
5 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم: أنه قال: «من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة، فمات، مات مِيْتَة جاهلية، ومن قاتل تحت راية عميّة، بغضب لعصبية، أو يدعو لعصبية، أو ينصر عصبية، فقتلته جاهلية، ومن خرج على أمتي يضربها بَرها وفاجرها ولا يتحاشى عن مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه» (5) .
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) رواه البخاري ومسلم.
(3) رواه البخاري ومسلم.
(4) رواه البخاري ومسلم.
(5) رواه البخاري ومسلم.
(1/18)
____
6 - وعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «الغزو غزوان: فأما من ابتغى به وجه الله، وأطاع الإمام وأنفق الكريمة، وياسر الشريك، فإن نومه ونبهته، أجر كله، وأما من غزا فَخْرا، ورياءَ وعصى الإمام وأفسد في الأرض، فإنه لم يرجع بالكفاف» (1) .
7 - وفي حديث الحارث الأشعري الذي رواه الأمام أحمد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «وأنا آمركم بخمس، الله أمرني بهن: السمع والطاعة والجهاد، والهجرة، والجماعة، فإنه من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه» (2) .
8 - وعن أبي بكرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - «السلطان ظل الله في الأرض، فمن أكرمه أكرمه الله، ومن أهانه أهانه الله» (3) .
9 - وعن أم حصين قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنْ أمرَ عليكم عبدٌ مجدع يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا» (4) .
10 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه، فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات إلا مات ميتة جاهلية» (5) .
(1) رواه مالك وأبو داود والنسائي.
(2) رواه الإمام أحمد والترمذي.
(3) رواه الطبراني والبيهقي.
(4) رواه مسلم وأحمد وغيرهما.
(5) رواه ابن حبان والحاكم.
(1/19)
____
11 - وعن فضالة بن عبيد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا تسأل عنهم: رجل فارق الجماعة وعصى إمامه ومات عاصيا» (1) .
12 - وعن وائل بن حجر - رضي الله عنه - قال: «قلنا يا رسول الله: أرأيت إنْ كان علينا أمراء يمنعونا حقنا ويسألونا حقهم؟ فقال: " اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حُمِّلوا وعليكم ما حُمِّلتُم» (2) .
هذه بعض النصوص من القرآن والسنة التي تحث على طاعة ولاة الأمر في غير معصية، وفيما يلي نستعرض بعض أقوال العلماء المحققين قديما وحديثا في وجوب السمع والطاعة لولي الأمر:
1 - يقول الحافظ بن رجب رحمه الله: " وأما السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين ففيها سعادة الدنيا، وبها تنظيم مصالح العباد في معاشهم، وبها يستعينون على إظهار دينهم وطاعة ربهم " (3) .
2 - ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله " فطاعة الله والرسول واجبة على كل أحد، وطاعة ولاة الأمور واجبة لأمر الله بطاعته، فمن أطاع الله ورسوله بطاعة ولاة الأمر فأجره على الله، ومن كان لا يطيعهم إلا لما يأخذه من الولاية والمال، فإن أعطوه أطاعهم وإن منعوه عصاهم فما له في الآخرة من خلاق " (4) .
(1) رواه ابن حيان والحاكم.
(2) رواه مسلم.
(3) ابن رجب، جامع العلوم والحكم، ج 2، ص 117.
(4) ابن تيمية مجموع الفتاوى، ج 35، ص 16 - 17.
(1/20)
____
فوائد السمع والطاعة لولي الأمر لكل من الفرد والمجتمع: لطاعة ولي الأمر فوائد متعددة من أهمها ما يلي: (1) .
1 - امتثال أمر الله تعالى وابتدار طاعته، فإن مَنْ أطاع بالمعروف فقد أطاع الله كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] (2) .
وفي الحديث الصحيح: «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومنى عصى أميري فقد عصاني» (3) .
ولا شك أن هذا الامتثال لأوامر الله من أعظم الأدلة على عبودية الإنسان لله، وخضوعه وإيمانه به ربا وإلها شارعا.
2 - بطاعة ولي الأمر في المعروف تنتظم أمور الدولة وأحوالها كلها.
3 - بالطاعة لولي الأمر تتماسك الأمة وتتحد كلمتها وتقوى الصلة بين أفرادها.
4 - بالطاعة لولي الأمر يعم الأمن والاستقرار في ربوع الدولة الإسلامية، وهذا أمر واضح، فالطاعة لأولي الأمر تعني سيطرة الشرع على كل التصرفات، والتغلب على الهوى والنفس اللذين يَجُران إلى الجريمة والتمرد والعصيان، وهذا يصل بإذن الله من تحقيق الأمن والاستقرار والطمأنينة في النفس والمجتمع والبلاد.
(1) عبد الله الطريقي، طاعة أولي الأمر، الرياض، دار المسلم، 1414 هـ، ص 59.
(2) سورة النساء، الآية 95.
(3) رواه البخاري ومسلم.
(1/21)
____
5 - بالطاعة لولي الأمر تظهر الأمة المسلمة بمظهر الهيبة والقوة والرهبة أمام الأعداء، فإذا كانت هذه الأمة تأتمر بأوامر قيادتها العُليْا في غير معصية الله، فإن هذا سيكون له أثره على الأعداء بلا شك، لما فيه من معاني الاتحاد والائتلاف والتماسك بين أفراد الأمة، ولهذا يقول سبحانه: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46] (1) . ومعلوم أن لوازم طاعة الله ورسوله طاعة أولي الأمر.
6 - بالطاعة لولي الأمر يستقر الأمن وتتفرغ الأمة للبناء والتعمير وتحقيق أهدافها التنموية لبناء الإنسان المسلم.
الأضرار والمفاسد التي تترتب على عصيان ولي الأمر والتمرد عليه: يترتب على عصيان ولي الأمر والتمرد عليه أضرار عظيمة أهمها:
1 - التمرد على ولي الأمر يعد معصية لله جل وعلا ومخالفة لأمره سبحانه وتعالى بالطاعة لولي الأمر في غير معصية.
2 - التمرد على ولي الأمر فيه تمزيق لوحدة الأمة وتهديد لأمنها واقتصادها.
3 - التمرد على ولي الأمر يعكر الأمن والاستقرار ويسبب الخوف والقلق لأفراد المجتمع.
4 - التمرد على ولي الأمر يفتح الباب واسعا لشتى الجرائم.
(1) سورة الأنفال آية46.
(1/22