• !
×

rasl_essaher

سد وقت الفراغ لدى الطلاب ومحاربة انتشار البطالة

[المطلب الحادي عشر سد وقت الفراغ لدى الطلاب ومحاربة انتشار البطالة] بين أفراد المجتمع
(1/95)
____
المطلب الحادي عشر
سد وقت الفراغ لدى الطلاب ومحاربة انتشار
البطالة بين أفراد المجتمع
(1/97)
____
من متطلبات المحافظة على نعمة الأمن والاستقرار في بلادنا سد وقت الفراغ لدى الطلاب، ومحاربة انتشار البطالة بين أفراد المجتمع، الذين تخرجوا من المؤسسات التعليمية، والذين تسربوا من الدراسة، ولم يلتحقوا بعد بقطاع العمل بسبب عدم توفر الفرص الوظيفية المناسبة لهذه المشكلة ذات البعد الاجتماعي الخطير.
ونظرا لأن كل نوع من نوعي الفراغ يحتاج إلى معالجة خاصة، فسوف نتكلم عن كل واحد منهما بالتفصيل وصولا إلى إبراز الحلول المناسبة لهذه المشكلة ذات البعد الاجتماعي الخطير.
أولا: أهمية سد وقت الفراغ لدى الطلاب وكيفيته (1) من الأسباب المؤدية إلى انحراف بعض الطلاب، وجود وقت فراغ لديهم، لا يعرفون كيف يستفيدون منه، والواقع أن الفراغ من هذا النوع مفسدة المفاسد، فهو مبدد للطاقة الحيوية في مجال تعود العادات الضارة كتعاطي المخدرات وصحبة الأشرار والوقوع في شتى أنواع الفساد، فلا بد أن يشغل الطالب وقته منذ أن يستيقظ حتى ينام، وليس معنى ذلك استنفاذ خاتمة المخلوق البشري، فليس ذلك قط من أهداف الإسلام الذي يدعو إلى استمتاع الإنسان بالطيبات وتذكر نصيبه من الحياة الدنيا، فمن إشغال الفراغ فيما يفيد السمر البريء مع الأهل والأصحاب الفضلاء والتزاور والدعابة اللطيفة النظيفة إلى آخر أنواع الترويح البريء، والمهم ألا يوجد في حياة الطالب فراغ لا يشغله بشيء أو فراغ يشغله بأنواع الفساد والتفاهة.

(1) المزيد من المعلومات حول هذا الموضوع انظر: كتاب المؤلف " دليل المعلم إلى توعية بأضرار الخمر والمخدرات "، الرياض، الطبعة الثالثة، 1413 هـ، ص11 - ص 114.
(1/99)
____
وشغل وقت فراغ الطالب فيما يعود عليه وعلى مجتمعه بالنفع من أولى مهمات التربية والتعليم، والواقع أن المعلم المخلص يستطيع شغل فراغ طالبه فيما يفيدهم، وفي نظري أن خير وسيلة لذلك هو إدخال أكبر عدد من الطلاب - درسا يدرس - في حيز التمكن، ونعني بحيز التمكن ما يسميه رجال التربية والتعليم بالتعليم حتى التمكن.
ونبادر إلى القول: إن الطالب لو تعلم حتى التمكن من التعلم لا يمكن بحال من الأحوال أن ينحرف إلا أن يشاء الله، لأنه يكون صاحب اهتمامات إيجابية تدفعه في الطريق المرجو منه من هنا وجب علينا أن نفصل في الحديث عما نقصده بالتعلم حتى التمكن.
يعد التعليم حتى التمكن فلسفة للتعليم المدروس الصحيح وبالإضافة إلى ذلك، فهو ممارسات لطرق تعليمية معينة تهدف جميعها إلى جعل غالبية الطلاب يصلون إلى مستوى عال من التحصيل هو مستوى التمكن، وفكرة التعلم حتى التمكن تعني أنه تحت ظروف ومواقف محدودة ومعدة بنظام بحيث تناسب كل طالب، فإن الطالب يصبح بإمكانه أن يتعلم بدرجة عالية من الإجادة والثبات أغلب ما يدرس له، ويقول الباحثون إن المعلم يمكنه أن يصل بغالبية طلابه إلى مستوى التمكن إذا ما استطاع توفير ما يلي:
1 - طريقة التدريس المناسبة لكل طالب.
2 - توفير المساعدة لكل طالب حينما وفيما يواجهه من صعاب في التعليم.
3 - توفير الوقت الكافي للتعلم.
4 - تحديد المعيار الواضح للتمكن الذي يراد الوصول إليه.
(1/100)
____
وهذه الشروط إذا ما تحققت أمكن التغلب بها إلى حد كبير على الفروق الفردية بين الطلاب في التحصيل، ولتحقيق هذه الشروط الأساسية لا بد من وجود استراتيجية تدريسية واضحة المعالم يتم من خلالها توافر هذه الشروط، وقد وصف (بلوم) بصورة إجمالية الخطوط العامة لاستراتيجية التعلم حتى التمكن التي يمكن أن تستخدم في التطبيق داخل المرافق التعليمية في الفصل الدراسي محددا الخطوات التالية لتدريس أي محتوى دراسي حتى التمكن: - 1- أن يقسم المحتوى الدراسي إلى وحدات نوعية صغيرة متتابعة تغطي كل منها حوالي أسبوع أو أسبوعين.
2 - يرتب المحتوى الدراسي لكل وحدة فرعية ترتيبا هرميا من الأبسط إلى الأكثر تعقيدا أي من العناصر الرئيسية إلى القوانين والنظريات العليا.
3 - تصاغ الأهداف التعليمية التي تتضمنها كل وحدة فرعية.
4 - تعد خطة تدريسية لتدريس هذه الأهداف أو المحتويات المتضمنة في كل وحدة فرعية ومن ثم تحقيق أهداف الوحدة.
5 - تطبق اختبارات تشخيصية متتابعة للكشف عن نقاط الضعف والقوة في تعلم الطلاب لكل وحدة فرعية؛ حيث يطبق اختبار تشخيصي في نهاية تدريس كل وحدة فرعية.
6 - تقدم الإجراءات أو الأساليب العلاجية التصحيحية وهي عبارة عن تغذية مرتجعة تصحيحية للطلاب في نقاط الضعف وفيما يواجهونه من صعاب في التعلم في كل وحدة.
7 - تكرار الخطوات السابقة في كل وحدة حتى ينتهي المحتوى الدراسي كله.
(1/101)
____
8 - يطبق اختبار نهائي شامل بعد انتهاء تدريس المحتوى الدراسي كله بحيث يغطي الاختبار كل أهداف المحتوى الدراسي، وهذا الاختبار يبين الطلاب الذين وصلوا إلى معيار من التعلم هو مستوى التمكن ويبين الذين لم يصلوا.
وكانت المشكلة الأساسية للتعلم حتى التمكن بصفة عامة تكمن في محاولة تقليل أو اختزال وقت التعليم للطلاب بطيئي التعلم؛ حيث يحتاج بعض الطلاب وقتا إضافيا أو أطول للتعلم من الآخرين سريعي التعلم، وقد حاول (بلوم) من خلال أنموذج اختزال أو تقليل وقت التعلم من خلال ما يلي:
ا- ترتيب المحتويات الدراسية وتتابع التعرف بها مع وضوح أهدافها.
ب- تدبير طريقة التدريس المناسبة لكل طالب مع استخدام كل ما يتاح من مواد تعليمية ووسائل معينة.
ج- تدبير الطرق العلاجية لكل طالب لمساعدته حينما وفيما يواجه من صعاب في تعلمه من خلال عمليات التشخيص والعلاج.
د- جعل الطالب يستغل كل الوقت المتاح للتعلم بالانشغال بعمليات تعليمية.
ولا نريد أن نستطرد في تفاصيل أكثر لعرض طريقة التعلم حتى التمكن، ولكننا نكتفي بالملاحظة التالية لنربطها بموضوعنا الأصلي:
1 - إن التعلم حتى التمكن يجذب الطالب ويشغل كل وقته بعمليات تعليمية فلا فراغ ولا إحباط؛ لأن الطالب سوف يتمكن من دروسه ومن جوانب تعليمية بما يجعله مطمئن الضمير غير قلق أو كاره أو مكتئب أو عازم على الهرب من الدراسة ومن المدرسة ثم الانضمام إلى شلل السوء وأصدقاء الرذيلة.
(1/102)
____
2 - إن المعلم حينما يؤدي واجبه بإدخال أكبر عدد من تلاميذه في حيز التمكن، فإنه يطرح هذا العدد من أعداد المتسكعين في الطرقات والجالسين على المقاهي والهاربين من المدارس والواقعين في شراك المخدرات والخمور وعصابات الجرائم المختلفة.
ثانيا: أهمية محاربة انتشار البطالة بين أفراد المجتمع من الأسباب الأساسية التي تؤدي إلى انحراف الشباب انتشار البطالة بين أفراد الأمة، وطبقات المجتمع، فالأب الذي له زوجة وأولاد، ولم يتيسر له العمل، ولم تتأمن له طرق الكسب، ولم يجد من المال ما يسد به جوعه، وجوع أهله وأولاده، ويؤمن لهم حاجاتهم الضرورية، ومطالبهم الحيوية، فإن الأسرة بأفرادها ستتعرض للتشرد والضياع - إلا من تداركه الله - وإن الأولاد سيدرجون نحو الانحراف والإجرام، وربما فكر رب الأسرة مع من يقوم بأمرهم من أهل وولد أن يحصلوا على المال عن طريق حرام، ويجمعوه من وسائل غير مشروعة كالسرقة، والاغتصاب، والرشوة. ومعنى هذا أن المجتمع حلت فيه الفوضى، وأصيب بالدمار والانهيار (1) .
إن البطالة لم تمس ديارنا - ولله الحمد - بعد، وما زالت عطالة المضطر بعيدة عن مجتمعنا، إلا أن الحذر واجب، يجب علينا أن نحصن مجتمعنا من أن تحل به هذه الآفة الخطيرة على أمننا الوطني، وفي تصوري أن من الوسائل الفعالة للحيلولة دون انتشار البطالة في مجتمعنا اتخاذ ما يلي:
1 - تحقيق مبدأ ربط التعليم بخطط التنمية طبقا لما ورد في وثيقة التعليم الصادرة من اللجنة العليا لسياسة التعليم في المملكة العربية

(1) عبد الله ناصح علوان، تربية الأولاد في الإسلام، ج1، دار السلام للطباعة والنشر، ص 140.
(1/103)
____
السعودية عام 1390هـ، إن تحقيق هذا المبدأ يتطلب التنسيق الدقيق في قبول الطلاب في الدراسة الجامعية وتوجيههم حسب احتياج البلاد في التخصصات المختلفة، ومن شأن الأخذ بهذا المبدأ والتمشي بموجبه في سياسة القبول، هو أن كل متخرج من الجامعة سوف يجد الوظيفة المناسبة، أما إذا أهملنا الأخذ بهذا المبدأ فسوف يتخرج من جامعاتنا أعداد من بعض التخصصات أكثر من الحاجة الفعلية إليهم، في مثل هذه الحالة تبدأ مشكلة البطالة تبرز عندما يتخرج من الجامعة طلاب من تخصصات مسددة الاحتياج من الموظفين.
2 - التوسع في التعليم الفني والتدريب المهني ما أمكن، لقد اهتمت الدولة من وقت مبكر بالتعليم الفني والتدريب المهني، ومما يحمد للملك المؤسس الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - أنه وضع اللبنة الأولى للتعليم الفني عام 1369 هـ؛ حيث افتتحت المدرسة الصناعية الأولى. لقد بذلت الدولة الشيء الكثير لتطوير التعليم الفني والتدريب المهني، ودفعت المبالغ الطائلة لتشجيع المواطنين على إلحاق أولادهم بهذا النوع من التعليم، ومع ذلك فإن خريجي التعليم الفني والتدريب المهني لم يفوا باحتياج البلاد من الأيدي الفنية المدربة، بدليل وجود عدد كبير في البلاد من الأيدي الفنية الأجنبية.
إننا بحاجة ماسة إلى التوسع في التعليم الفني والتدريب المهني، ومهما بذلنا من أموال في تطوير هذا النوع من التعليم، فإن مردوده مجز ومخلوف إن شاء الله.
(1/104)
____
3 - إدخال الثقافة المهنية في مناهج التعليم العام لدينا أصبح مطلبا وطنيا ملحا، إدخال هذه الثقافة سوف يعطي الطالب الخيار في مواصلة دراسته أو الانخراط في سلك العمل بعد حصوله على ثقافة مهنية معينة تساعده، إن مناهجنا في التعليم العام في الوقت الحاضر تعد الطالب للدخول إلى الجامعة، ولم تترك خيارا للطالب، إن بعض الطلاب قد يكون لديه ظروف لا تسمح له بمواصلة دراسته في الجامعة، وقد لا يكون لديه رغبة لمواصلة دراسته، ومع هذا ليس أمامه خيار سوى الالتحاق بالجامعة أو الجلوس عاطلا، وهذا ما يفسر ارتفاع نسبة الرسوب والتسرب في المستويات الأولى بكليات جامعاتنا المختلفة، إن الطالب الذي لديه ظروف عائلية لا تمكنه من مواصلة الدراسة في الجامعة، والطالب الذي لا يرغب أساسا في مواصلة دراسته الجامعية، لو كان لديهما ثقافة مهنية لانخرطا في سلك العمل وحلا محل العمالة الفنية الوافدة.
والخلاصة: إن إدخال الثقافة المهنية في التعليم العام سوف يساهم في توفير المزيد من الفرص الوظيفية أمام الطلاب الذين لا يرغبون في الالتحاق بالجامعات، وسوف يكون صمام أمن ضد انتشار البطالة في مجتمعنا.
يجب أن ندرك بعناية احتياجات القطاع الخاص من القوى البشرية الفنية ومن ثم يسمح للقطاع الخاص بافتتاح بعض المعاهد الفنية، بل الكليات الفنية لتخرج أعدادا من المواطنين السعوديين مؤهلين ليحلوا محل العمالة الفنية الأجنبية.
هذه بعض الإجراءات التي أتصور أن الأخذ بها سوف يساهم مساهمة فاعلة في عدم بروز مشكلة البطالة في بلادنا.

بواسطة : rasl_essaher
 0  0  275