المحافظة على طهر مجتمعنا وصيانته من انتشار الأخلاق الذميمة
[المطلب الثالث عشر المحافظة على طهر مجتمعنا وصيانته من انتشار الأخلاق] الذميمة فيه
(1/114)
المطلب الثالث عشر
المحافظة على طهر مجتمعنا وصيانته من انتشار
الأخلاق الذميمة فيه
(1/115)
وهذا المطلب من أهم الضمانات اللازمة لاستمرار نعمة الأمن والاستقرار في بلادنا، فإنما الأمم الأخلاق ما بقيت. . . وبناء الأمة يقوم على أخلاقها، والمجتمع الذي تسوده الأخلاق الإسلامية الفاضلة حري بالنمو والبقاء وحري بأن يكون لخير أمة أخرجت للناس.
وعندما نتعرض لعدد من الأمراض الاجتماعية، فنحن لا نعني بالضرورة وجودها أو استشرائها في مجتمعنا الفاضل الكريم، ولكنا نتناولها بالدراسة إعمالا لقول الحق تبارك وتعالى: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} [الأعلى: 9] وعندما يوضح الداء والدواء أمام كل ذي عينين فإن ذلك سوف يكون بالقطع وقاية قبل أن يكون علاجا. . . ونورد هذا أمثلة فحسب من الأخلاق التي تتفشى في كل مجتمع لا ينتبه إلى خطورتها وحجم أضرارها ومساهمتها في تفتيت الوحدة الاجتماعية، وإثارة الفتن والخلافات ولنبدأ: بالحسد:
الحسد: وهو كراهية الخير للناس وتمني زوال النعمة عنهم، فإذا أخذت هذه الصفة خطوات إيجابية بالعمل الممقوت والوشاية الضالة المضلة فإنما يصدق عليها قول الحق: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ - مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ - وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ - وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ - وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق: 1 - 5] (1) .
وعندما يهب الرسول مناديا: «ولا تحاسدوا ولا تباغضوا» (2) . فهو إنما يخشى على أمته من شر الحسد ويقول: «إياكم والحسد فإن الحسد يأكل
(1) سورة الفلق.
(2) رواه البخاري ومسلم.
(1/117)
____
الحسنات كما تأكل النار الحطب» ، ومجتمع يخلو من الحسد هو مجتمع فاضل، الابتسامة الصادقة هي أهم سماته، لا كراهية ولا بغض، بل احترام وتعاون ومحبة. .
إنه مجتمع التعاون والمودة. . . أغبط أخي ولا أحسده وأدعو له ثم أدعو لنفسي أن يهيئ الله لي مثل ما هيأ له. والحاكم لا يحسد على عدله بل يشكر، ولا يحسد على حكمه بل يشكر، ولا يحسد على سلطانه فسلطانه هو الذي يقيم العدل وينشر الحكمة.
والعبقري لا يحسد على ما أوتي فأغلب العبقرية جهد واجتهاد. . وعلى كل منا أن يعلم أن لكل مجتهد نصيبا، عمل بلا حسد هو البناء الحقيقي للأمة، والبناء الحقيقي للأمة هو دعامة استتباب الأمن والاستقرار فيها.
والنفاق: قال تعالى: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [التوبة: 67] (1) .
من المنافق؟ يحدثنا الرسول صلى الله عليه وسلم: «أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر» (2) والمنافق دائما في حالة خوف وتربص، معرض عن الصلاة، ساخر من الصالحين أو يدعي الإيمان وهو على غير ذلك، ومن صفات النفاق
(1) سورة التوبة، الآية.
(2) رواه البخاري ومسلم.
(1/118)
____
الكثيرة الحلف بالباطل والمراوغة وكشف أسرار أمن الوطن وخيانته والعمل على النيل من أمنه واستقراره.
والنميمة: وهي السعي بين الناس بالدس والوقيعة، قال تعالى: {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ - هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} [القلم: 10 - 11] (1) .
وقد أخبرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «لا يدخل الجنة نمام» (2) والنمام زارع فتنة، مقطع رحم، غراب بين لا يحب إلا الخراب، وقد رسم لنا القرآن ما نعمل تجاهه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6] (3) .
ولا يخفى على كل لبيب أن نقل الأنباء للمصلحة والمنفعة لا يدخل في باب النميمة، أو الشكوى للملوك من الولاة الظالمين فهذا واجب للنصح للحاكم والدين النصيحة، والغيبة أخت النميمة فالنيل من الغائب وذكره بما يكره غيبة وهي كراهية لا تولد إلا كراهية، والمؤمن ليس بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء كما وصفه رسولنا الأمين، ويؤكد لنا بقوله صلى الله عليه وسلم: «وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصاد ألسنتهم» (4) .
والرشوة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله الراشي والمرتشي» ، قول رسول الله الفصل في هذا الخلق الذميم، والرشوة رشوة وإن سموها هدية أو دخلت في صورة تهاون في تجارة أو إبراء من دين. . وهي فخ المروءة ومضيعة الحقوق بين الناس.
_____
(1) سورة القلم، الآية 10 - 11.
(2) رواه البخاري ومسلم.
(3) سورة الحجرات، الآية 6.
(4) رواه الأربعة.
(1/119)
____
«استعمل الرسول رجلا من بني أسد على صدقة - فلما قدم قال: هذا لكم وهذا أهدي لي فصعد الرسول المنبر وقال: " ما بال العامل نبعثه فيأتي فيقول: هذا أهدي لي فهلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى له أم لا، والذي نفسي بيده لا يأتن بشيء إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته إن كان بعيرا له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاه تبعر ثم رفع يده حتى رأينا عفرتي إبطه قائلا ثلاثا ألا هل بلغت» (1) .
والظلم: قال تعالى: {وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا} [الفرقان: 19] (2) هذا هو موقف القرآن من الظالم. «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا» (3) وهذا ما يحدث به النبي صلى الله عليه وسلم عن رب العزة الحاكم العادل، وكذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته» (4) وظلم العبد لغيره ليس أكبر من ظلم الإنسان لنفسه فالكفر ظلم للنفس وارتكاب الموبقات ظلم للنفس وشرب الخمر وإذهاب العقل وسوء التصرف في الصحة الجسمية والعقلية والنفسية ظلم للنفس، وما ساد ظلم في مجتمع إلا دبت فيه الفوضى وآل إلى دمار.
هذه نماذج من مدمرات المجتمع القاضيات على استقراره نوردها على سبيل الأمثلة لا الحصر، ونستعيذ بالله منها ومن شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا وندعو الله مخلصين أن يحفظ علينا أمن بلادنا واستقرارها ويوفق قادتها لما فيه صالح العباد والبلاد وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.