مسار السكري يتعدل بالنشاط الحركي

السكري يعدّ من أكثر الأمراض الشائعة في المجتمعات الحضرية
يُ برلين عدّ السكري من أكثر الأمراض الشائعة في المجتمعات الحضرية بسبب اعتماد الإنسان المعاصر على سبل الرفاهية المتوافرة له، واتباعه لعادات غذائية غير صحية كالوجبات السريعة.
صحيح أنه لا يمكن الشفاء من السكري، إلاّ أنه يمكن التأثير على مسار المرض والحد من العواقب الوخيمة المترتبة عليه من خلال اتّباع أسلوب حياة صحي يقوم على تناول المواد الغذائية الصحية والإكثار من الأنشطة الحركية والرياضة التي تعد بمثابة طوق نجاة من السكري.
قال البروفيسور الألماني، رالف لوبمان، إنّ مرض السكري يعد أحد أمراض التمثيل الغذائي المزمنة، التي لا يمكن الشفاء منها بشكل نهائي.
ومع أن هذا المرض يرتبط بعوامل وراثية، إلا أن زيادة الوزن ونقص الحركة وكذلك التقدم في العمر، تندرج ضمن العوامل المحفزة على الإصابة به.
وأوضح اختصاصي الغدد الصماء، لوبمان، أن السكري من النوع الثاني يختلف عن نظيره من النوع الأول؛ حيث لا يعاني المريض هنا من نقص في هرمون الأنسولين المسؤول عن الحد من نسبة السكر بالدم، كما هو الحال في النوع الأول، إنما ترجع الإصابة به إلى مقاومة خلايا الجسم للأنسولين، ما يُفقد الهرمون قدرته على توصيل السكر الغلوكوز إلى الخلايا. وتعزز الخلايا الدهنية هذا التأثير.
وبين البروفيسور الألماني، أندرياس فريتشه، من جهته، أنّ زيادة الوزن تُعدُّ من أهم عوامل الخطورة الأساسية المؤدية إلى الإصابة بالسكري من النوع الثاني، لافتاً إلى أن السبب الرئيسي للإصابة به، يكمن في اضطراب إفراز الأنسولين بخلايا بيتا الموجودة في البنكرياس.
وأشار اختصاصي طب التغذية والوقاية، فريتشه، إلى أن الأنشطة الحركية تعمل على التخفيف عن خلايا بيتا؛ ومن ثمّ التأثير بالإيجاب على إفراز الأنسولين بها، ما يُسهم في تقليل جرعة الأدوية التي يتم تناولها.
يمكن التأثير على مسار السكري من خلال اتباع أسلوب حياة صحي يعتمد على تناول الأطعمة الصحية والمواظبة على ممارسة الأنشطة الحركية
ويشاطره اختصاصي الغدد الصماء لوبمان الرأي، مؤكداً أنه يمكن التأثير على مسار السكري بشكل فعّال من خلال اتباع أسلوب حياة صحي يعتمد على تناول الأطعمة الصحية مع المواظبة على ممارسة الأنشطة الحركية؛ حيث تعمل الخلايا العضلية على حرق كميات أكبر من الطاقة وامتصاص كمية أكبر من الغلوكوز (السكر) بفعل الحركة.
وأضاف لوبمان قائلاً: إذا التزم المريض بتغيير أسلوب حياته، خلال أول عامين بعد إصابته بالسكري من النوع الثاني، يمكنه حينئذٍ التأثير على مسار المرض بدرجة كبيرة.
ولهذا الغرض أوصى لوبمان بممارسة إحدى رياضات قوة التحمل، مثل الجري أو المشي الشمالي (باستعمال العصي) أو ركوب الدراجات وكذلك المشي العادي، 3 مرات أسبوعياً لمدة تتراوح بين 20 إلى 30 دقيقة في كلّ مرة، ثم زيادة هذا المعدل بصورة مستمرة.
وأشار لوبمان إلى أن إدراج الأنشطة الحركية في إطار الحياة اليومية، يسهم أيضاً في خفض نسبة السكر بالدم؛ حيث يمكن على سبيل المثال صعود الدرج بدلاً من استخدام المصعد الكهربائي أو استقلال الدراجة الهوائية بدلاً من السيارة أو النزول من الحافلة في المحطة الّتي تسبق محطة الوجهة، مثلاً، واستكمال المسافة المتبقية سيراً على الأقدام.
السبب المباشر للإصابة بالسكري يكمن في اضطراب إفراز الأنسولين بخلايا بيتا الموجودة في البنكرياس
وأردف الطبيب الألماني، فريتشه، أن التــأثير الإيجابي للأنشطة الحركية على مسار السكري يظهر، كلما كان العبء الوراثي لدى المريــض منخفضاً، مشيراً إلى أن المواظبة على ممــارسة الرياضة لا تحد من العواقب المترتبة على السكري كالعـــمى وهشاشة العظام فحسب، بل تســهم أيضاً في الوقــاية من الإصابة به من الأساس، إلى جانب أمراض أخرى كسرطان القولون والأزمــات القلبية.
هذا وقد أشارت دراسة أميركية حديثة، شملت 614 مريضا، من بين كبار السن (متوسط أعمارهم 62 سنة ومتوسط معاناتهم من المرض 10 سنوات)، إلى أنّ النوع الثاني من مرض السّكري يرتبط بتدمير الدماغ، وفقدانه لوظيفته.
وتمت دراسة أدمغة المرضى باستخدام تصوير الرنين المغناطيسي، وتوصّلت إلى أنّ مرض السكري يرتبط على المدى الطويل بتلف أنسجة المخ وضموره.
وقال الدكتور نيك بريان، أستاذ الأشعة التشخيصية في كلية برليمان للطب بجامعة بنسلفانيا، إنّ الدراسة فنّدت الاعتقاد السابق الذي كان يخلص إلى أنّ السكري يؤثر على الدماغ عن طريق تأثيره على الأوعية الدموية وزيادة خطر الإصابة بالسكتة الدماغية، وكشفت أن المرض يؤثر سلبا على أنسجة الدماغ مباشرة.
ولاحظ الباحثون أن الضرر الأكبر كان في حجم المادة الرمادية، وهي المنطقة المتكوّنة من الخلايا العصبيّة.